يا صديقي الفيلسوف، الموسيقي، الرسام، المؤرخ، الأديب، والشاعر، لك الحق في أن تكتب عشرة إصدارات، وربما عشرين، خلال أربعين عامًا من عمرك، لأن هناك من يفني أربعين عامًا من حياته في العبث، فلا بأس، لك الحق في ذلك. لكن صدقني، لم يعد هناك قارئ يمكن الركون إليه، ولم يعد هناك من يُكْتَب من أجلهم. هم هنا أمام شاشات زرقاء صغيرة يمارسون عبثهم وحريتهم، ويكتبون آراءهم ومواقفهم.
أربعون عامًا من الجهد، زمن طويل يا صديقي، لتخرج بـ20 إصدارًا، يشتريها خمسمائة شخص، ويقرأها نصف ذلك العدد على أحسن تقدير، وأكثرهم من أصدقائك المحبين أو منافسيك اللدودين أو من غيرهم من النخب المهتمة. في حين أن الجمهور لا يعرفك، لا يسمع عنك، ولا يهتم بك. أفكارك ورؤاك متأخرة ألف عام عن يقينيات وقناعات مالكي وسائل التواصل الاجتماعي. هذه هي الحقيقة القاسية التي عليك أن تواجهها، أو على الأقل أن تعترف بها. أنت حر في اختياراتك، لكن عندما تشاهد مئات من حالات الإغماء أثناء التزاحم على كاتب لا تعرفه أنت وأمثالك، ولكن هناك من يصاب بالإغماء في سبيل الحصول على كتابه وتوقيعه لأنه صديقه ويعرفه ويتفاعل معه ومن المتابعين له على فيسبوك أو منصة إكس أو إنستغرام.
للأسف، تَغيّر كل شيء. الأمور لم تعد كما كانت عليه في الماضي. لم يعد الكِتَاب وحده هو السبيل للوصول إلى القارئ، أو لصناعة المعرفة، أو لتحقيق التأثير الثقافي والاجتماعي المنشود.
لذا، لا تضيع وقتك في السخرية من وسائل التواصل الاجتماعي ومراقبتها من بعيد وكأنك صاحب الحل والعقد أو "أوريليو بونوفيلا" في رواية "مائة عام من العزلة"، وأنت لا أحد يَعْرِفك. ما الذي تبقى أمَامك؟ لا تضيع وقتك في كِتابة ما لا يُقرأ، أو في إضاعة سنوات عمرك في كتابة عشرات الكتب التي لن يقرأها أحد. هناك طرق أخرى، وسائل أخرى يمكنها أن تجعل صوتك مسموعًا، وأفكارك مقروءة. يمكنك أن تكتب كتابين نوعيين يتضمنان ما هو جديد، ويسدان نقصًا في المعرفة الإنسانية، ما يحتاجه العَالم اليوم من معرفة وفكر بدلًا من عشرة كتب مكررة، أو أن تكتب أبحاثًا أصيلة حتى يتمكن القارئ الذي فقد الثقة بالكتب والصفحات الكثيرة، من قراءتها، ثم تَعالَ إلى وسائل التواصل الاجتماعي، واكتب وتحدث عن أفكارك ورؤاك هنا حيث توجد جموع غفيرة من المهتمين والمتابعين. هناك، يمكنك مخاطبتهم مباشرة. لقد تغير العالم، وصارت هناك طرق أخرى لتصل إلى الناس. فأنت بحاجة إلى أن تواكب هذا التغيير إن كنت تريد أن تُقْرَأ، وتُسْمَع، وتَتَرك أثراً فعلًا.