لقد فضح "قاسم الأهبل" الفقهاء الذين لم يجدوا دليلا واحدا يثبت بأن النبي عليه الصلاة والسلام قد أمر اي شخص اسلم بأن بختتن وانه نفسه لم يختتن فزعموا انه ولد مختونا والحقيقة بأن الختان عادة فرعونية تسربت إلى اليهوديه ومن اليهودية إلى الإسلام في مطلع الحكم الأموي.
وأنا هنا اؤكد بأنني اؤمن بحكمة "قاسم الأهبل" فالله سبحانه لم يخلق الحشفة - القفلة - او غيرها عبثا ولذلك فإن المسلمين واليهود يرتكبون جريمة كبرى بإيذاء الرضع الذين لم يبلغوا من العمر سوى اسبوع واحد ؛ فيقومون بقطع اعظم قطعة في جسمه وهي القفلة التي تمنع من سرعة القذف وتساعد على نمو العضو الذكوري فهم بذلك لم يؤذوا الرجل فحسب بل يؤذون الأنثى اي الزوجة...
وقد مر على المسلمين زمن طويل وهم يختنون البنات بحجة ان ختان الأنثى مكرمة وختان الذكر سنة وتم التخلص من ختان الأنثى بفضل الوعي وظلت عادة ختان الذكر باقية حتى يوم الناس هذا.
وقد ذكر احد العلماء ولعله الجاحظ ان معاوية سأل احد اليمنيين عن ختنه اي زوج ابنته فقال له من ختنك يا فلان؟ فرد عليه ختني الذي ادخل قومه الختان في الاسلام اليهودي فلان فرد عليه معاوية لم اسألك عن الختان يا خبيث وإنما سألتك عن زوج ابنتك (أي ختنك) .
فحقيقة إن إزالة او قطع القفلة - الحشفة - هي من اخبث ما تمكن اليهود ادخاله إلى الشريعة الإسلامية ؛ وكذلك رجم المحصنين والمحصنات وقتل المرتد...
وهي كلها احكام ما انزل الله بها من سلطان وقد سبق أن كتبت أنا كاتب هذه السطور موضوعا عن الختان فأوقف الفيسبوك صفحتي لمدة شهر ؛ وقد طالبت في ذلك المكان بدليل واحد يثبت ان الله أمرنا بالختان ؛ فالامام علي اسلم ولم يطلب منه الختان ولا من ابي بكر ولا عمر ولا أي من الصحابة حتى سبطي النبي الحسن والحسين.
قراءة نقدية في (حكاية ولي الله الكدومه):
فما رويته أخي عبدالكريم من "حكاية ولي الله الكدومة" الحلقة السادسة فقد قدمت سردًا مثيرًا ومليئًا بالتعقيدات الاجتماعية والدينية من خلال شخصية قاسم الأهبل..
واظهرت كيف أن قاسم، كشخصية تمثل الفئات المهمشة أو غير المتوافقة مع القيم السائدة، يُواجه معارضة شديدة من المجتمع التقليدي، المتمثل في الفقهاء وأئمة المساجد. هذا الصراع يعكس التوتر بين الأفكار التقليدية والتطلعات الفردية.
فقد تناولت في هذه الحكاية مسألة الهوية، حيث يُصر قاسم على أنه "غير مختون" مما يجعله خارج دائرة المسلمين وفقًا لمعايير الفقهاء؛ فسيكون عليه بالختان لو اعترف لهم بأنه مسلم؛ ولذلك فضل ان يلجأ إلى إثبات أن الإسلام ليس بالولادة كما هي اليهودية بل هو بعد ان يبلغ الإنسان الرشد فيختار ان يكون مسلما ؛ لأن الأديان الوراثية التي يتلقاها الخلف عن السلف وراثة كلها اديان متساوية لا فرق بين المسلم والبوذي وأي متدين بأي دين طالما وهم مقلدون فالتقليد جهل ولا تفاضل في الجهل.
وقد جاءت هذه السردية-الحكاية- عن قاسم الاهبل متوسلة للغة الفكاهة والسخرية في حوارية صحافية تعكس طريقة غير تقليدية في مواجهة التحديات. يعبر عن رفضه للمعايير الاجتماعية من خلال تعابير غير مألوفة، مما يجعل القارئ يتأمل في القضايا المطروحة بشكل أكثر عمقًا.
وكعادتك أخي وزميلي وصديقي العزيز لقد امتعتني واستمتعت أيما استمتاع بقراءة هذه الحكاية التي اثارت همي الذي اتطلع إلى ان ارشد امتي بترك جريمة الختان التي ما انزل الله بها من سلطان ورحم الله ابا العلاء المعري الذي قال عن الاباء الذين يسوقون الرضع المواليد إلى الحلاقين والجزارين لقطع قفلة الذكر - الخشفة- بقسوة فقال " لو كان كلبا لحن على جروه".
فقد جعلت بهذه الحكاية القارئ أن يتفاعل مع قاسم، من الغضب إلى التعاطف، مما يعكس عدم الاستقرار في المواقف تجاه الأشخاص المختلفين. هذا التفاعل يعكس القلق من فقدان السمعة والهوية الجماعية.
حيث أظهرت في هذا الحوار حول عملية الختان ما يمكن أن يُعتبر تناقضًا أخلاقيًا، حيث يُعبر المجتمع عن "الخير" من خلال قرار قد يُعتبر انتهاكًا لحرية قاسم. هذا يسلط الضوء على التعارض بين النوايا الطيبة والنتائج السلبية.
فكم اتطلع إلى الجيل الذي يثور على هذه العادة التي تسربت للإسلام من اليهود والروايات الإسرائيلية حيث لم يجدوا من دليل سوى أن كذبوا على نبي الله ابراهيم انه اختين وعمره في سن الثمانين.
والخلاصة إن "حكاية ولي الله الكدومة" تقدم صورة معقدة للمجتمع اليمني وتحديات الأفراد الذين يحاولون البحث عن هويتهم في ظل ضغوط اجتماعية ودينية. المقال يجمع بين النقد الاجتماعي والفكاهة، مما يجعله نصًا غنيًا يستحق التأمل والنقاش.
--- - -----------------
* حكاية (ولي الله الكدومة):
حكاية ولي الله الكدومة
الحلقة السادسة
بعد الضجة التي احدثتها اسئلة قاسم الأهبل نشرت صحيفة" الفضول" مقابلة معه اجراها صحفي اسمه عبد العليم وكانت الضجة التي. احدثتها المقابلة اعظم من ضجة الاسئلة ذلك انها وضعت قاسم الاهبل في مرمى نيران الفقهاء والخطباء وأئمة المساجد الذين راحوا يصلونه بنيران لعناتهم.
وكانت مدينة عدن قد استيقظت ذات صباح على اصوات موزعي الجريدة من الأطفال والصبيان وهم يجوبون الشوارع ويصرخون بملء اصواتهم قائلين :
- النكاح صلاة الهبلان.. مقابلة مع قاسم الاهبل
وبدافع الفضول راح الناس يستوقفون موزعي الجريدة وحتى الاميون منهم اشتروها يومها وامام مقهى فارع في بداية سوق الطويل تحلَّق حوالي عشرة من العمال الاميين حول صبي كان في طريقه الى المدرسة وطلبوا منه ان يقرأ لهم المقابلة وعندما استجاب الصبي وبدأ يقرأ طلبوا منه ان يرفع صوته ليسمعوه وراح الصبي يقرأ المقابلة على عجل وبصوت مرتفع :
الصحفي : هل تصلي ياقاسم ؟
قاسم الاهبل : اصلي صلاة الهبلان
الصحفي : وماهي صلاة الهبلان ؟!
قاسم الاهبل : صلاتنا النكاح
الصحفي : ايش تقصد ياقاسم ؟
قاسم الاهبل : نحنا الهبلان مانصلي في مسجد ولافوق سجادة نصلي فوق القعادة .
الصحفي :لكن ربنا فرض الصلاة على المسلمين وانت مسلم
قاسم الاهبل : نحنا الهبلان مش مسلمين
الصحفي : بس انت مسلم ياقاسم حتى لو انت اهبل.
قاسم الاهبل :المسلمين مخاتين وانا مش مختون .
وفي المقابلة راح قاسم يهاجم الفقهاء وقال بانهم يهربون من النكاح الى الصلاة ومن الجماع الى الجوامع وانهم يكرهون الهبلان ولايريدون لهم الخير.
ويومها قامت القيامة على قاسم الاهبل وراح الفقهاء والوعاظ وأئمة المساجد يشتمونه ويلعنونه ويلعنون الصحفي الذي اجرى معه المقابلة والصحيفة التي وافقت على نشرها وقالوا يحتجون :
- هل خلت مدينة عدن من العلماء والحكماء والاذكياء حتى تذهب الصحف للبلهاء لتجري معهم مقابلات وحوارات !!
لكن الرد العنيف والأعنف حدث في يوم الجمعة حيث شن الخطباء في مساجد عدن والمعلا والتواهي والشيخ عثمان هجوما كاسحا على قاسم الأهبل وراحوا يشتمونه ويلعنونه ويحرضون المصلين ضده ويطالبون بطرده وقالوا بأن عدن مدينة الشطار والتجار والأذكياء وليست مدينة الهبلان والبلهاء.
واما خطيب مسجد سوق الحراج فقد راح يتساءل قائلا :
- من يكون هذا قاسم الاهبل ومن اي قريةهو؟!
ويومها راح اهالي "قرية العكابر" الموجودون في عدن يتوجسون خوفا من المقابلة ورأوا بأنها تسيئ الى سمعتهم وسمعة قريتهم فضلا عن انها تورطهم وتضعهم في مواجهة مع الفقهاء ومع أئمة وخطباء المساجد .ولشدة ماكانوا غاضبين من قاسم الأهبل راحوا في مقيل النادي يلومونه ويوبخونه ويقولون له :
- ماهو هذا الكلام الاهبل حقك ياقاسم !! ليش تشتم الفقهاء وتقول بأنهم يهربوا من النكاح للصلاة ومن الجماع للجوامع !! .وطلبوا منه ان يتوقف عن الادلاء بأحاديث للصحف وقالوا له بأنه بأحاديثه للصحف لايسيئ الى نفسه فقط وانما يسيئ الى اهل قريته المتواجدين في عدن ونصحوه ان يبقى في مطعم عبده سعيد ولايتدخل فيما لايعنيه .لكن قاسم الأهبل استشاط غضبا وقال بأنه لم يترك زوجته في القرية ويأتي الى عدن من اجل ان يختفي في مطعم عبده سعيد وانما جاء للبحث عن الحقيقة .
قال له عبده صالح وكان رجل دين متشدد وعضو الهيئة الإدارية للنادي بانه سيجد الحقيقة في الصلاة مع الجماعة :
-" صلِّ ياقاسم..لوصليت مع الجماعة في المسجد باتجد الحقيقة "
قال له قاسم الاهبل بأن الحقيقة التي يبحث عنها لها علاقة بوجوده وبوجود الهبلان على الارض واخبرهم عن نبوءة فقيه القرية وعن قوله بأن الله يكره الهبلان وينوي القضاء على ذريتهم وإهلاك نسلهم وانه وزوجته سعود سيكونان آخر الهبلان في قرية العكابر .
و حينها عرفوا سبب هجومه على الفقهاء وراحوا يطمئنونه ويقولون له بأن فقهاء مدينة عدن طيبون ومتسامحون ومنفتحون وليسوا متعصبين ومتزمتين ومنغلقين مثل فقيه القرية و غيره من فقهاء مملكة الإمام .
ويومها بذلوا كل مابوسعهم لاقناعه بالصلاة وابدوا استعدادهم لتعليمه و كان هو يرفض وينكر انه مسلم .
قالوا له : ياقاسم انت من قريتنا ومسلم مثلنا ليش تنكر؟
قال لهم : انتم مسلمين لأنكم مخاتين لكن انا مش مختون . قالوا : نحنا مسلمين ومخاتين وانت مسلم ومختون مثلنا والكلام الذي قلته بالمقابلة كذب لان كل الناس بقريتنا مخاتين.
ويومها اقسم لهم قاسم بانه ليس مختونا وان ماقاله في المقابلة صحيح .
قال له عبده صالح :
- "من اليوم ياقاسم نسموك :قاسم الكذاب لأنك كذبت على الصحفي وقلت له انك مش مختون وانت مختون ."
ولحظتها غضب قاسم الاهبل من كلام رجل الدين عبده صالح وحتى يثبت لهم بأنه ليس مختونا نهض واقفا ورفع فوطته الى مافوق ركبتيه وقال لهم وهو يشهر عضوه :
-" لوانا اكذب زبي مايكذب "
وبعد ان اراهم عضوه صُعِقوا من كبر حجمه وغرابة شكله وبدوا مذهولين ومستغربين كيف ان أباه لم يختنه وكان ان راحوا يسألونه ويقولون له :
- ليش ابوك ياقاسم ماختنك ؟
- قال لهم قاسم الأهبل :
-"ابي مش هو اهبل مثل ابوتكم يصدق الفقهاء "
وشعربعضهم بالحرج وقال التاجر عبد القوي شمسان بعد ان ابصر عضو قاسم الأهبل :
-والله ان ابوتنا هبلان صدقوا الفقهاء وقصُّوا ازبابنا وظلمونا ونحنا طلعنا هبلان مثلهم قصَّينا ازباب اولادنا وظلمناهم "
وقال احمد ردمان صاحب فندق الساحل الذهبي وكان متزوجا بثلاث نسوان :
- "قسما بالله ان الهبلان هم نحن وليس قاسم "
ويومها اجمع معظم المتواجدين في الديوان وهم يقارنون اعضاءهم بعضو قاسم بأن الختان جريمة وقال يوسف عبد الرب :
- والله ان قطع الزب اعظم من قطع الراس
وحين سألوه عما جعله يقول ذلك قال لهم :
الراس يقطعوا راسك لانك قتلت النفس المحرمة لكن الختان يقطعوا جزء منك وانت طفل رضيع وبدون ارادتك وهذه جريمة اعظم من جريمة قتل النفس.
وبعد ان كان الحديث عن الصلاة وعن ردود فعل الفقهاء من المقابلة راحوا يتحدثون عن الختان وعن عضو قاسم الأهبل الذي نجا من الختان.
وكان البعض يتحدث عنه بشيئ من الغيرة والبعض يتحدث عنه بإعجاب كما لو أنه يتحدث عن نبي اوقديس نجا من المقصلة واما رجل الدين عبده صالح فقد راح يتكلم عنه بحقد كما لو انه يتكلم عن مجرم فلت من العقاب.
كان الفقها ء في البداية يعتقدون بأن قاسم الاهبل يتهابل وكان لديهم اعتقاد بأن هناك شيوعيين واشخاص علمانيين استخدموه وحرضوه ضد الفقهاء ورجال الدين واغروه بمهاجمتهم لكنهم بعد ان عرفوا بانه اهبل حقا وليس هناك جهة اوجماعة تقف خلفه راجعوا انفسهم واظهروا تعاطفهم وابدوا استعدادهم ان يساعدوه ويأخذوا بيده ويثبتوا له بأنهم لايكرهونه ولايكرهون الهبلان .
وبعد مرور اسبوعين على المقابلة حضر الى مقر نادي قرية العكابر امام مسجد سوق الحراج والتقى برئيس واعضاء الهيئة الإدارية للنادي واخبرهم عن رغبتهم في مساعدة قاسم الأهبل في ان يكمل دينه بالختان واخبرهم عن تبرعات تم جمعها من المصلين لتدفع للمستشفى التي ستجري له عملية الختان وطلب منهم ان يتصلوا به ويقنعوه.
وفي يوم الخميس عندما حضر قاسم الاهبل مقيل النادي راحوا يغرونه ويشجعونه ويطلبون منه ان يوافق على إجراء عملية الختان وقالوا له بأنها عمليه بسيطة وسهلة وبان الطبيب الذي سوف يجريها سيقوم بتخديره و لن يشعر بأي ألم وزادوا فقالوا له بأنه بعد دفع تكاليف العملية سوف يدفعون له ماتبقى من تلك المبالغ التي جمعت باسمه لينتفع بها وان كل ماهو مطلوب منه بعد خروجه من عملية الختان هو ان يداوم على الصلاة في المسجد.
وبعد ان اكملوا كلامهم انتفض قاسم الاهبل وقال لهم :
- "انا الغلطان روّيتكم بزبي وبعدما شفتموه كبير حسدتونا وتشتوتقصوه"
قالوا له بأن الفقهاء وأئمة وخطباء المساجد سامحوه على الكلام الذي قاله وانهم من حبهم له يحبون له الخير وهم من سيدفع تكاليف ختانه للمستشفى.
وماان عرف قاسم الاهبل بان الفقهاء هم وراء فكرة ختانه رفض رفضا قاطعا وصرخ قائلا :
"يحبوا لي الخير ويقطعوا زبي! "
قال له رجل الدين عبده صالح :
- " اقبل ياقاسم وخليهم يقطعوا زبك بدل مايقولوا عليك كافر ويقطعواراسك"
قال له قاسم الأهبل :
- "يقطعوا راسي ياعبده صالح ولايقطعوا زبي"
قال له عبده صالح موضحا مفهوم الختان:
- " ياقاسم من قال لك انهم بايقطعوا زبك هم بايقطعوا الحشفة فقط"
وظن قاسم بأن الحشفة ربما تكون شيئا آخر غير الفيشلة فقال يساله :
- ماهي الحشفة ياعبده صالح ؟!
قال له عبده صالح : " الحشفة هي الفيشلة راس الذكر ."
قال له قاسم الاهبل : الله خلق لكل شي راس ياعبده صالح وكل شي تقطع راسه يموت.
وراح عبده صالح يحاول اقناعه ويقول له :
- "النبي ابراهيم ياقاسم وهو نبي اختتن وعمره ثمانين سنة وختنوه بقدُّوم "
وكأنه وجد في كلام عبده صالح مخرجاً وصرخ قائلا :
-" شفت ياعبده صالح.. شفتم ياجماعة حكمة ربنا .. الشجرة يقطعوها وقدهي يابس حطب وربنا امر يقطعوا زب النبي ابراهيم وعمره ثمانين سنة انا ذلحين عمري ثلاثين باقي لي خمسين سنة لومااوصل لعمر النبي ابراهيم وبعدا اقلعوا زبي من العروق ."
وفيما راح الموجودون في مقيل النادي يضحكون من كلامه .
صرخ فيه عبده صالح وقال له وهوفي أشد الغضب :
- "تقارن نفسك بالنبي ابراهيم يااهبل.. والله لوالنبي ابراهيم ختنوه بقدُّوم
انت تستحق يختنوك بمنشار"
[٨/١٢ ٨:١٠ م] فايز عبده واتس تدقيق لغوي: عودة للجذور
وضاح عبدالباري طاهر
في مقال كتبته منذ بضعة أشهر بعنوان «حقيقة أم خيال أم كلاهما معًا؟!»، مستعرضًا فقرات من كتاب العلامة المؤرخ أحمد بن علي بن عبدالقادر المقريزي (ت 845 هـ)، «الطرفة الغريبة في أخبار حضرموت العجيبة»، باعتناء الباحث عمر بن صبيح الحضرمي، لاحظت أنَّ المحقق صنف جميع قصص الكتاب ضمن الخرافات التي تضر بالدين، وتخل بالمعتقد، وأنَّ كل ما ورد فيه عبارة عن خرافة وشرك وشعوذة وسحر.
وكان مما قلته: إنَّ الباحثين في علم الأديان، وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا، وعلماء النفس، وكُتَّاب الروايات بشقيها: العجائبي، والغرائبي، وكتاب السرد القصصي، هم الذين قد يفيدون من هذا الكتاب.
وذكرت أن الباحث الألماني فريدريش فون دير لاين اكتشف، وهو أحد المتخصصين في دراسة الحكاية الخرافية، أنَّ في الحكاية الخرافية كنوزًا ثمينة لا من الناحية الفنية فحسب، بل من ناحية الشعوب وتصوراتها ومعتقداتها.
وقد حاول فريدريش أن يرجع "الخرافة الشعبية" إلى أصولها؛ أي ديانات الشعوب القديمة مثل: الروحانية، والطوطمية، والفيتشية.
وأشرت إلى أنَّ كتاب «الطرفة الغريبة»، وما يحويه في طياته من قصص غريبة وعجيبة ومدهشة، أشبه ما يكون بأسمار وقصص ألف ليلة وليلة؛ حيث يظهر مدى الخيال الخصب الذي يتمتع به أبناء هذا المكان العبقري، وأنه قد يكون موضع دراسة وحفر عميق لكثير من الباحثين لاستجلاء بنية هذا المجتمع وأديانه ومعتقداته القديمة.
والآن لنقارن بعض النصوص التي وردت في كتاب المقريزي بمعتقدات الشعوب البدائية، لنستجلي الصورة، وتتضح الرؤية بشكل أوضح.
يقول المقريزي: "ومنها أن المرأة من هذه القبائل إذا غضبت على أحد من قراباتها -ولا تتصرف إلا في أقاربها فقط دون الأجانب- فإنها لا قدرة لها عليهم البتة، وهي إنما تتخيل وتتوهم أنها تأكل كبده؛ فللحال يسقط مريضًا، ويموت من يومه وليلته".
"ومنهن إذا غضبت على قرابة لها، وكان عَبْلَ البدن، تخيلت وتوهمت أنها تأكل كبشًا سمينًا. فإن كان قريبها صغيرًا، تخيلت أنها تأكل جديًا سمينًا ونحوه. ولا بد من أكل من عملت به هذا، أن تُعْمِل فكرها؛ حتى يقوى الوهم والخيال عندها؛ حتى يصير كأنها تفعل ذلك حقيقة. وهذا الأكل مما يختص بنسائهم دون رجالهم".
وبسنده إلى «أبو بريك»، يقول: "وأخبرني الفقيه المعتقد إبراهيم بن الشيخ عبدالرحمن بن محمد العلوي من قبيلة يقال لها آل باعلوي من غرب حضرموت، أنه جلس يومًا عند أخيه الشيخ عمر بن عبدالرحمن باعلوي، وأنَّ بينه وبين رجل يقال له أبو قديم عمر عداوة. فقال لي يا إبراهيم: قم وانعَ أبا قديم على رأس هذا الجبل. فقلت له: وكيف أنعى من هو في قيد الحياة، وإنما ينعى الميت؟! فأمر غيري، وهو أبو عبادة من خدامه، فقام على رأس الجبل، فنعاه، فلم تمضِ ساعة حتى خرج أبو قديم من منزله لحاجة له، فصادفه قوم سكارى لهم عنده دم فقتلوه".
ويتحدث المقريزي عن ظفار حضرموت وعن قبيلة بها تسمى القمر، فيقول: "وإذا عظمت الأمطار على هذه القبيلة حتى أضرت بدوابهم، عمدوا إلى شجرة يعرفونها بباديتهم، فأخذوا من قضبانها شيئًا، وأضرموا النار فيها، ثم صبوا عليها الماء؛ فإنَّ المطر يقل عندهم".
فما ذكره المقريزي هو السحر التمثيلي الذي يتحدث عنه علماء الأنثروبولوجيا والباحثون في الحضارات الإنسانية. ففي هذا النوع من السحر يقوم الإنسان بأداء أفعال يريد من الآلهة أن تؤديها له؛ كأنهُ بذلك يغريها بتقليده، فمثلًا إذا أراد الناس أن يستنزلوا المطر، صَبَّ الساحر ماءً على الأرض، والأفضل أن يصبه من أعلى الشجرة.
ويحكى عن قبيلة «الكفير» أنها حين يتهددها الجفاف، يطلبون إلى مبشر أن يذهب إلى الحقول ويفتح مظلته.
وفي «سومطرة» تصنع المرأة العقيم صورة طفل تضعها على حجرها؛ راجيةً أن يجيئها بعد ذلك الجنين.
وفي «أرخبيل بابار» تصنع المرأة إذا ما أرادت لنفسها الأمومة عروسًا من قطن أحمر، وتقوم بحركات إرضاعها، وتقول صيغة سحرية معلومة، ثم تبعث إلى القرية بمن يشيع أنها حملت، فيجيء أصدقاؤها لتهنئتها.
وفي قبيلة «دياك» في بورنيو، إذا أراد الساحر أن يخفف آلام امرأة تضع، يقوم هو نفسه بحركات الوضع على سبيل التمثيل، لعله بذلك يوحي بقوة سحره إلى الجنين أن يظهر، وأحيانًا يدحرج الساحر حجرًا على بطنه، ثم يسقطه على الأرض، أملًا أن يقلده الجنين المستعصي، فتسهل ولادته.
وفي العصور الوسطى كانوا يسحرون الشخص بأن يغرزوا الدبابيس في تمثال من الشمع يمثل صورته.
وهنود بيرو يحرقون الناس ممثلين في دُماهم، ويطلقون على هذا اسم إحراق الروح ("قصة الحضارة"، لول ديورانت).
وتتحدث الكاتبة البريطانية دورين إنجرامز في كتابها «رحلة في الجزيرة العربية: حضرموت وجنوب الجزيرة»، عن البدو الحضرميين، فتقول: "وكانت لدى كل قبيلة تقريبًا كلمات أو عبارات معينة يُحظر استعمالها على أبناء هذه القبيلة. ومن هذا القبيل ما أتذكره عندما كنا ذات مرة جلوسًا حول نار المخيم، وكان الرجال يحاولون بكل وسيلة أن يحملوا البدوي الذي كان يمسك إبريق القهوة على أن يستعمل كلمة «يصب»؛ لأنهم كانوا يعلمون أن تلك الكلمة بالنسبة له من الكلمات المحرمة، وبالنسبة لبدوي آخر يعتبر كلمة «قرد» من المحرمات".
وهذا السلوك والتصرف بعينه تجده في الجماعات البدائية؛ حيث إنك لتجد في معظم هذه الجماعات عددًا كبيرًا جدًا من المحرمات: كلماتٍ وأسماءَ معينة ما كان لها قط أن تُنطق، وكذا أيام وفصول معينة تعتبر من المحرمات، حيث إن بعض الأزمنة لم يكن القتل يؤذن به خلالها ("قصة الحضارة"، لول ديورانت).
وهذا قد يعود بنا إلى الأشهر الحرم التي لها مكانة وقداسة عند العرب القدماء، وتحريمهم القتال فيها.
ولنختم حديثنا عن مسألة في رأيي من أهم المسائل التي نعاني منها وهي أحد مشاكلنا الجوهرية التي تلقي بثقلها علينا؛ وهي تقديس القديم، وتعظيم الأسلاف. وقد نعى القرآن الكريم على المشركين تقليدهم لآبائهم دون تصويب نظر أو إعمال فكر.
يقول تعالى: "وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون. قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم" (الزخرف: 24).
لقد كان الناس البدائيون يخشون موتاهم، ويعملون على استرضائهم خوفًا من أن يُنزلوا لعناتهم عليهم فيشقوا.
ويبدو أنَّ عبادة الأسلاف -كما يرى الباحثون في الحضارات- كانت ترمي -في ما ترمي إليه- إلى أن تكون ملائمة لتدعيم المجتمع من حيث فرض سلطانه ودوامه، وللتمكين من روح المحافظة على القديم والاحتفاظ بالنظام.
ولقد انتشرت عبادة الأسلاف وذاعت بشكل واسع في أرجاء الأرض في مصر، واليونان، وروما، ولا تزال تبسط سلطانها بقوة في نفوس اليابانيين والصينيين إلى وقتنا الحاضر ("قصة الحضارة"، لول ديورانت).
وإذا ما تجاوزنا شطط الوهابية وغلوها تجاه القبور وشدة نكيرها على الاعتناء المبالغ به بتعظيمها وزخرفتها وتقديس من يثوون تحت صفائحها بالتكفير والتضليل؛ لم يمنعنا مع ذلك أن نذهب إلى أنَّ هذه التقاليد التي عليها بعض الطوائف الإسلامية هو أيضًا داخل ضمن مفهوم «عبادة الأسلاف».
وهذه التقاليد -ولا شك- تعمل على ربط أواصر الأسرة برباط وثيق؛ وهو بالنسبة لكثير من المجتمعات البدائية بمثابة إطار خفي ينتظم الأفراد في مجموعة متماسكة محكمة الارتباط ببعضها.