يعيش أبناء اليمن منذ عقد من الزمن في واقع مرير نتيجة الأحقاد والضغائن التي هي بمثابة البارود الذي يتراكم في انتظار شرارة فيحدث الانفجار الذي قد يعرف باليمن أرضًا وشعبًا.
إن معالجة هذه الجراح العميقة تتطلب جهودًا حقيقية نحو إعادة اللحمة بين اليمنيين، والتخلي عن لغة الكراهية لصالح التآخي والمحبة. في هذا السياق، يستلزم الأمر تقديم تنازلات من الجميع لصالح المجموع، مسترشدين بالتجارب السابقة ومستلهمين من دعوات التصالح.
فهذه الأحقاد والضغائن والتكاره تشكلت خلال عقود من الزمن، وتحتاج إلى برامج طويلة الأمد لمعالجتها. فإن ما حدث في المخا مؤخرًا يعد مؤشرًا إيجابيًا، ولكننا بحاجة إلى خطوات ملموسة تتجاوز اللقاءات السطحية. كما يجب أن نعمل على بناء مشروع إعلامي وثقافي مشترك يهدف إلى إزالة رواسب الصراعات الماضية.
ويجب على سلطات الواقع في صنعاء وعدن وتعز وحضرموت ومأرب والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني أن يضطلعوا بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه أمتهم، وهي مسؤولية كبيرة في هذا السياق. يجب عليهم أن يظهروا صبرًا أمام ردود أفعال القواعد الغاضبة التي قد تعارض التقارب بين سلطات الواقع بعد حروب دموية حصدت الأخضر واليابس؛ وعلى كل منهم أن يتنازل عن مشروعه الخاص فالوطن يستوعب الجميع.
فقد أصبح التصالح بين الفرقاء السياسيين ضرورة ملحة وخطوة ضرورية لإنقاذ الوطن، وهذا يتطلب تحمل الضغوط والتحديات؛ والمصالح الشخصية الآنية، والعمل من أجل تبني برامج تأهيل مشترك لكل كوادر الجماعات المتصارعة، وبخاصة الأجيال الجديدة التي نشأت على ثقافة التحريض والكراهية.
إن هذه البرامج يجب أن تكون شاملة، تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الثقافية والتعليمية والاجتماعية، كما يجب العمل على تعزيز قيم التسامح والتعاون بين أبناء الوطن. إن الطريق نحو المصالحة ليس سهلًا، فهناك أطراف تسعى للحفاظ على الخلافات، لأنها تستمد قوتها منها. يجب أن نكون واعين لهذه التحديات، وأن نعمل على تعزيز الحوار بين مختلف المكونات الوطنية. إن نجاح هذه العملية يعتمد على الاستمرارية والصبر.
ولكي نفوت الفرصة على الذين يستفيدون من التشظي والتنازل؛ ويحاولون إفشال المصالحة، يتطلب الأمر وضع استراتيجيات مدروسة وفعالة، وذلك من خلال تنظيم حملات توعوية تبرز أهمية المصالحة والفوائد التي تعود على المجتمع، والقيام بالآتي:
- إقامة ورش عمل وندوات لتعزيز قيم التسامح والتعاون.
- العمل مع منظمات المجتمع المدني والقيادات المحلية لتعزيز جهود المصالحة.
- إنشاء تحالفات بين المكونات السياسية والاجتماعية لدعم المصالحة.
- إنشاء منصات حوار مفتوحة تشمل كافة الأطراف، مما يسهم في تقليل الفجوة بين الفرقاء.
- تعزيز ثقافة الاستماع الفعّال لرؤى ومخاوف الجميع، مما يساعد في بناء الثقة.
- نشر المعلومات الصحيحة والموثوقة للحد من الشائعات التي قد تثير الفتنة.
- التهيئة من خلال وقف حملات المكايدة السياسية وانتهاج خطاب تعبوي هادئ.
- العمل بشفافية في جميع خطوات المصالحة، مما يعزز الثقة ويقلل من الشكوك.
- دعم الشخصيات الاجتماعية والوجاهات القبلية والنخب الثقافية والسياسية التي تحظى باحترام الجميع لتعمل من أجل المصالحة، وتعزيز فرص السلام والدعوة إلى نبذ التباغض.
- تسليط الضوء على تجارب المصالحة الناجحة في مناطق أخرى كدليل على إمكانية تحقيق ذلك.
- مراجعة التقدم المحرز في جهود المصالحة بشكل دوري، وتحديد العوائق والتحديات.
- الاستعداد لتعديل الخطط بناءً على النتائج والتغذية الراجعة من المجتمع.
وترسيخ الإيمان بأهمية المصالحة والاستمرار في الجهود رغم التحديات، وهذا يتطلب حتمًا مواجهة تجار الحروب والمستفيد من هذا الانقسام المجتمعي؛ ويؤججون الصراع، ويمزقون نسيجنا المجتمعي من خلال الفرز العرقي والمذهبي والمناطقي، والذين يسعون لإفشال المصالحة بروح من الأمل والتفاؤل. ومن خلال هذه الخطوات، يمكن تعزيز جهود المصالحة ومواجهة من يحاولون إفشالها، مما يسهم في بناء مجتمع متماسك وسلمي.
الخلاصة:
إن إعادة اللحمة بين أبناء اليمن ليست مهمة سهلة، لكنها ضرورية لبناء مستقبل مشرق. يجب أن نتحد جميعًا لنزرع بذور المحبة والتسامح، مع العلم أن كل تنازل لصالح المجموع هو استثمار في وطننا. لنعمل معًا على إعادة بناء اليمن، حيث نعيش جميعًا تحت سماء واحدة، ونتشارك في أرض واحدة؛ وتعزيز الهوية اليمنية لتكون هي مظلة كل الهويات الصغيرة مهما تزيت بلبس الإيمان أو الدين، فتظل كلها هويات صغيرة، وهويتنا أجمعين هي الهوية الجامعة الهوية الوطنية (اليمنية).