يعتقد زعيم تحرير الشام الجولاني أحمد الشرع، أنه يأخذ بالثأر من جرائم حافظ الأسد في مجزرة حماة ضد الإخوان المسلمين عام 1982م.
تعرضت حماة لاستباحة قاسية ارتكبها نظام حافظ حينها، ولم يكن الإخوان المسلمون أبرياء مع ذلك، وكانت حماة وأهلها هم الضحية.
المنتقمون الآتون من القاعدة في أفغانستان، ومن الدولة الإسلامية (داعش) إرهابيون بامتياز، ولكنهم إرهاب مخلوق يوظفه إرهاب خالق ومخلوق لصالح الإرهاب والخالق الأكبر (أمريكا والاستعمار الغربي).
فأمريكا والاستعمار الغربي هم الصُنَّاع الحقيقيون للإرهاب، والتيارات السلفية سنيةً كانت أو شيعيةً، أكثر ضحايا الإرهاب، خالقهم الأكبر.
لم تتعظ هذه التيارات بحربها في أفغانستان، وما لحق بها بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي، ولم يعتبروا بالحصاد المر والثمار الكريهة التي جنوها باشتراكهم في حرب 1994 ضد الجنوب اليمني، ولا بالعواقب الوخيمة التي لحقت الدولة الإسلامية في العراق بالتنكيل بهم.
يعطي الإرهاب الأكبر لهذه التنظيمات كل الإمكانيات، ويهيئ لهم شتى الظروف؛ لارتكاب الجرائم والفظائع التي لا تخطر على بال، ثم يقوم بمعاقبتهم على جرائمهم التي وظفهم واستخدمهم لاقترافها؛ وهو ما حصل في العراق وسوريا للإرهابيين سنةً وشيعةً معًا.
تعرف هذه التنظيمات أنهم مصنفون كإرهابيين، وأنهم مستأجرون للقتل والتدمير، ثم يقتلون بعد أن يؤدوا المهمة المنوطة بهم.
فجأةً يتغير اسم الدواعش من إرهابيين إلى حركة معارضة تحت عنوان «هيئة تحرير الشام» ومفرداتها الكاثرة، وتتبنى التسمية الجديدة وسائل إعلام كلية القدرة وفائقة السيطرة، وتتلقف وسائل الإعلام أخبار المعارضة السورية.
صحيح أنَّ كراهية النظام السوري تكاد تشمل الشعب السوري كله، وأكثرهم كاره ومعارض لحكم الدكتاتور الصغير. حتى داخل هذه المنظمات الإرهابية يوجد آلاف من شباب وتيارات الربيع العربي، وضحايا التهجير، والمطرودون من وطنهم، وهم بالملايين.
المأساة أنَّ هؤلاء الإرهابيين الجلادين ضحايا. وأخس شيء أن يكون الإنسان جلادًا، وأقبح منه أن يكون جلادًا وضحية. الفاجع أنَّ هؤلاء الجلادين يدركون أو يعرفون جيدًا المصائر التي تنتظرهم في غير بلد.
أما الأخطر فعدم الاتعاظ من قِبَل هذه التنظيمات المتطرفة. فما جرى في أفغانستان، وسوريا، والعراق، والعربية السعودية، لدعاة الوهابية المحكومين بالإعدام كسلمان العودة، وسفر الحوالي، وغيرهما من شيوخ الدعوة الوهابية، يجب أن يكون محل العظة والاعتبار، لكنَّ العظة العظيمة من التاريخ كما يقول أبو الفلسفة هيجل: إنه لا يتعظ به أحد!
دلالة القرآن الكريم أكثر حجة وأفجع: "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه" (الأنعام: 28). فأصحاب الجحيم، وهم في قلب السعير، يتمنون العودة للحياة. ويرى الحق أنهم لو أجيبوا لعادوا إلى جرائمهم يقترفونها، ويبدو أنَّ هؤلاء السلفيين الجهاديين يجسدون مصائرهم في الدنيا.
لتركيا القيصرية، والسلجوقية، والعثمانية، وتركيا أردوغان، أطماع في بلاد الشام والعراق، شأن الكسروية الإيرانية والشاهنشاهية والٱيات التي لها مطامع في العديد من البلاد العربية والإسلامية، وبالأخص في العراق، وسوريا، ولكن تربط أمتنا العربية بتركيا وإيران علاقات الجوار والحضارة والتاريخ والثقافة، ولا شيء يربطنا بالاستعمار والصهيونية غير القهر والنهب والاستعباد. أمريكا وأوروبا الاستعمارية هم الأكثر حضورًا وتسيدًا مع وكيلهم الوحيد إسرائيل.
الخشية أن تتمكن المعارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام» الموصومة بالإرهاب، من اجتياح مدن سوريا؛ فتنقض عليهم أمريكا، وإسرائيل، وأوروبا وأتباعهم من الحكام العرب، لإنقاذ سوريا من الإرهابيين (الدواعش).
في حقيقة الأمر المنطقة العربية كلها مهددة، حتى الحكم العربي التابع والمحايد مستهدف أيضًا للتدمير والتفكيك. فدمار المنطقة وتمزيق الأمة هو الأساس، والتوجه الآن نحو إعادة صياغة المنطقة وِفْق نظرية برنارد لويس، وما عبرت عنه كونداليزا رايس عن بناء شرق أوسط جديد؛ وهو أيضًا ما تبناه بيريز في كتابه «الشرق الأوسط الجديد»، وعبر عنه بصلف ونزوع مجنون للعنف ودعاوى خرافية نتنياهو في كتابه «مكان تحت الشمس».
ربما كان القادم الاستغناء عن خدمات الأتباع العرب. فترامب ونتنياهو هما السيدان الوحيدان، ولا ثقةَ بعربي حتى لو كان تابعًا.