وأية أوراق تقصد يا هذا؟ إنها أوراق الوطن المبعثرة ضمن جغرافية سياسية بالمعنى الضعيف للسياسة، وبحضور فاعل للعبث خارج مفهوم السياسة الوطنية الحريصة على الوطن والمواطن معًا، لكنا نعيش وضعًا ضاع معه الوطن، ومعه ضاع المواطن في خدوش السياسة وألاعيبها الضيقة حزبيًا ومناطقيًا تلك التي باتت تمارس بقرون تدمي بدلًا من العقول تصلح... وتلك حالة قادت بقية من عقل للتفكير مليًا للإجابة على سؤال كل المراحل: وما العمل إذن؟ بعد ما شهدته البلاد من دفع أثمان باهظة على كافة المستويات، هنا كان لا بد للعقل السليم أن يعيد قراءة الأمور بوعى وروية لإعادة ترتيب الأوراق حتى لا تذروها الرياح بعيدًا عن مستقبل البلاد وأجيالها التي دفعت وستستمر تدفع إن لم نخرج من نفق الأزمة المظلم لتفادي ومنع المزيد من نيران الحرائق التي تغطي جغرافية البلاد من أقاصي صعدة حتى آخر بقعة بأرض الجنوب.
إذن، الأمر جد خطير، فأوراق الحوار الوطني ومخرجاته صادرها الانقلاب، ومحتواها الوطني تخلى عنه طيف يقول إنه لم يكن بها شريكًا. علمًا أن مخرجات الحوار في جوهرها إن أحسن الجميع تمثلها، تمثل مخرجًا تاريخيًا للوصول الآمن لسفينة الحل وطنيًا لم يتح مثله خلال حقب الصراعات التي عاشتها بلادنا شمالًا وجنوبًا منذ عقود.
هذه مسألة جد مهمة، وما تمت كتابته من أوراق وما توافق عليه من قرارات ماتزال قائمة، وإن احتاجت إلى إضافات لأنها لاتزال تشكل في الوعي السياسي متكأ يمكن الاعتماد والبناء عليه، ومعها وثائق وأوراق أخرى تتطلب بالضرورة إعادة ترتيب وقراءات موضوعية لها تتماشى مع ما جرى من تغيرات على الأرض طيلة مدة تجاوزت العقد من السنين، مدة لم يكن السلاح ولم تكن الحرب والمواجهات إلا قتلًا وإنهاكًا للبلد، ولا تمثل ولن تمثل حلًا.
من هنا تأتي المسؤولية الكبرى على التكتل، وهو يخطو نحو تحقيق أهدافه، أن يبتكر حلًا ووسائل غير الحرب لإنهاء الانقلابات، إذ الحرب ليست خيارًا وحيدًا، ولكنها قد تمثل الضرورة، فالأمور حتى مع كثرة المتدخلين بالساحة الوطنية جوارًا وإقليميًا وقوى دولية لها قراءتها الخاصة المرتبطة بحماية مصالحها الجيوسياسية. من هنا كان الأمر ملحًا أمام كل من يشارك بالمعترك السياسي داخل وخارج قوى الشرعية، إدراك ذلك، إذ باتت المرحلة مرحلة عمل وطني يعيد ترتيب أوراق ورؤى وقوى أوسع لجبهة عمل وطنية ممكنة يقع على عاتقها استكمال ما تبقى من مهام. وللأسف فإن ما أنجز ليس بالكثير، فماتزال على خارطة السياسة أسئلة صعبة معقدة لم ينجز منها إلا جزء يسير، بل يسير جدًا، فالأرض مبعثرة، والمواطن يمر بأسوأ مراحل تاريخية عايشها سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا وثقافيًا، ومن هنا ننظر لخطوة قيام التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية، باعتباره خطوة في الاتجاه الصحيح، خطوة أمامها مهمات صعبة ومعقدة مدى النجاح فيها يعتمد على امتلاك رؤية وممارسة تغادر ساحة سابقة لآفاق جديدة الكل فيها شركاء على قدم المساواة بعيدًا عن وصايا الأب الروحي أو الأخ الكبير، بخاصة وأن ما أنجزه التكتل من وثائق وبرامج سياسية إنما تمثل إعادة تقييم لما مضى، وإجادة قراءات مستجدة تتطلب بالضرورة حشدًا وطنيًا يتوافق جذريًا على أولويات لا بد منها في العنوان الأساس منها أولًا إنهاء الانقلاب على الدولة واستعادة زمامها سبيلًا للجمع الوطني كله لمواجهات عدة وتقديم إجابات عملية لأسئلة جد معقدة وصعبة في المجالات التالية:
المجال الأول: القضاء على الانقلاب على الدولة ومصادرة شرعيتها. هذا أمر ليس بالسهل، وليس مستحيلًا إن وضع التكتل آلية تتوافر لها كل إمكانات تجاوز ما لم يتحقق طيلة سنوات مضت.
ثانيًا: رؤية سياسية يستكمل من خلالها التكتل، إذ ولادته ليست ولن تكون معاداة الغير، ولكن بحثًا وتوليدًا لسبل التواصل. وهكذا كانت فكرة ولادته وفكرة مسيرته تعكس فهمًا لحشد وطني أوسع في البدء منه خلق قنوات التواصل مع أكبر طيف وطني ممكن، وفي البدء طبعًا خلق قنوات تواصل مع أطياف القضية الجنوبية كافة، خصوصًا والتكتل لم يكن ولن يكون موجهًا للمواجهات، ولكنه يمثل دربًا للتواصل مع الجميع عبر السياسة وليس غيرها، عدا تلك القوى التي تريد مصادرة الدولة دولة المواطنة الوطنية أو قوى تريد تفكيك وجود الدولة الوطنية على ألا يعني ذلك ضمًا أو إلغاء لما تمثله وتحتله القضية الجنوبية من استحقاقات لا يمكن تجاوزها أو إلغاؤها أو العبور عليها، والأهم بل الأكثر أهمية أن يتجوهر على الأرض إطارًا وطنيًا واسعًا يشمل كافة القوى التي لعبت وتلعب دورًا مؤثرًا لصالح القضية الجنوبية.
التكتل في برامجه وفي إطار هيكلة عمله ومهامه وعلى هيكليته المعتمدة: المجلس الأعلى للتكتل المكون من كل الأحزاب والمكونات، والهيئة التنفيذية حسب تكونها التوافقي التي تعتبر الرئة التي يتنفس من خلالها التكتل، وعبرها تقدم الرؤى والمقترحات التي تغطي متطلبات العمل الوطني بكافة الميادين، وهي المرحلة التي بدأت ونأمل لها التوفيق والنجاح في مهمة ليست سهلة، ونحن على ثقة من أن المهمة مستوعبة من قبل رئاسة التكتل أو رئاسة اللجنة التنفيذية، بخاصة وهي ستغطي لا شك موضوعات على جانب كبير من الأهمية، نرتبها على النحو التالي، ومنها حسب الأهمية:
أولًا: استكمال التواصل والحوار مع باقي الأطياف الوطنية، وفي البدء منها المجلس الانتقالي.
ثانيًا: في السياسة التعامل مع ما يطرح من مشاريع سياسية أو خرائط طريق من هنا وطرف هناك إقليمي أو دولية، وبما يتماشى ويخدم رؤية وبرنامج التكتل الوطني.
ثالثًا: المباسرة المبكرة للدخول لمعارك الأزمة الاقتصادية الشاملة التي تعصف بالبلاد، وذلك عبر آليات عمل نتصورها كالتالي:
- تشكيل فريق اقتصادي من خبرات التكتل الاقتصادية، يتولى تقديم مقترحات تشكل مدخلًا للعلاج على المدى القصير المتوسط والطويل.
- يهيئ الفريق المناخات المناسبة لعقد مؤتمر اقتصادي وطني يعقد داخل البلد، وحبذا أن يتم بمدينة عدن.
- التواصل مع الهيئات الاقتصادية لتوفير ما يلزم من بيانات، والعمل معها لإعداد ما يلزم من رؤى ومقترحات للمدى القصير والأبعد.
طبعًا ينبغي لنا القول بأن المهمة ليست سهلة بالمرة، الأمور سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا جد معقدة، ولكن على من قبل الإبحار في بحار متلاطمة أن يشكل الضمانات التي تحول دون الغرق أو الانحراف عن جادة الصواب. وهو عين الصواب التي نعتقد أن التكتل قد تكفل بها، وإلا ما هناك داعٍ لقيامه أصلًا إن لم يحسن الإبحار، ليحول دون أن يغرق وتغرق أيضًا سفينة الوطن التي قرر الإبحار من أجلها، وهو يدرك مدى المصاعب والتعقيدات التي تحيط بمعصمه داخليًا وخارجيًا، وعلى ذلك نعول، وعلى ذلك شاركنا بقيام هذه الخطوة التاريخية التي نأمل لها النجاح.