صنعاء 19C امطار خفيفة

الإسلام: رؤية مدنية وعلمانية

يُعد الإسلام نظامًا مدنيًا يعزز من قيم التعددية والحرية. فقد جاء الإسلام ليؤكد على عدم وجود سلطة مطلقة لأي إنسان على آخر، حتى الأنبياء، إذ إن مهمة النبي هي البلاغ فقط، كما جاء في قوله تعالى: "وما عليم إلا البلاغ". يتجلى هذا المفهوم بوضوح في القرآن الكريم، الذي لم يتضمن أية آية تمنح إنسانًا سلطة على إنسان آخر، بل اعتبر الحياة دار ابتلاء.

 
لقد أكد الإسلام على عدم وجود رهبانية، ووجه أتباعه لمواجهة من يفرضون أنفسهم قيمين على دين الله، فقال الله تعالى: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين" (الأنفال: 39). وبالتالي، يمكن القول إن الإسلام في جوهره نظام مدني يعزز من قيم العدل والمساواة؛ وهناك عدة اعتبارات أساسية لمدنية الإسلام، منها:
أ. إن الإسلام يقوم على مبدأ احترام تعدد الأديان في الدولة الواحدة، كما جاء في قوله تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله، فيسبوا الله عدوًا بغير علم... ثم إلى ربهم مرجعهم" (الأنعام: 108)، وقوله سبحانه: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله وباليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (البقرة: 62).
ب. تعتبر صحيفة المدينة من أبرز الوثائق الإسلامية التي أكدت على المساواة بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الأديان الأخرى، بمن فيها المشركون، في الحقوق والواجبات. وهذا يعكس مفهوم المواطنة المبني على المساواة.
ج. في صدر الإسلام، كانت الممارسات العملية تُظهر احترامًا للعادات والتقاليد والشعائر الدينية في البلاد المفتوحة، دون إجبار الأهالي على اعتناق الإسلام.
وبإمكاننا القول باختصار شديد بأن الدولة هي كيان معنوي ينظم العلاقات بين الأفراد، ويعزز من مصالحهم، بينما الدين هو علاقة بين العبد وربه، وأمر غيبي لا يعرف من ضل ومن اهتدى إلا الله؛ ومن هذا المنطلق يبرز امامنا أهمية الفصل بين الدين وعلاقات الأفراد في المجتمع كأحد الأهداف الأساسية لبناء الدولة المدنية التي تحترم وترعى الأديان وتمنع نشوب اي صراع بين المتدينين، وكل يعبد الله وفقًا لما نشاهده اليوم في أمريكا والدول الغربية؛ حيث يسمح ببناء المعابد لكل الديانات، ففي أوروبا تم بناء أكثر من 800 مسجد ، حيث إن العلمانية ليست دينًا فتنافس الأديان، ولا أيديولوجية تنافس الأيديولوجيات، بل هي نظام يضمن حياد الدولة تجاه الدين، مما يضمن حرية المتدينين، ويجنب الدين التفاسير السلطوية؛ وتنقيته من شوائب الأغراض الدنيوية؛ فلا لتديين السياسة ولا لتسييس الدين؛ فالدين لله وحده، وقد أمرنا بمقابلة من يدعي القيمومة، ويفرض سدانته على دين الله "حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله"، والوطن لجميع أبنائه يستظلون بسمائه، ويفترشون أرضه، ويأكلون من خيراته.
وفي هذا السياق، يفترض أن يكون النضال من أجل الإصلاح، متجهًا نحو تقليص دور الحكومة في إدارة الشؤون الدينية، مما يحرر الصراع من الأعباء التقليدية، ويجعله جدلًا حول الموارد والخدمات. وهذا هو جوهر العناية الإلهية، التي تهدف إلى تحقيق السلام بين الناس.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً