في طفولتي، كانت الوجبات واضحة وبسيطة: بيض للفطور مع لبن رائب وخبز ساخن من التنور، ولحوم طازجة في الغداء، وأخيرًا الوجبة الرسمية لعشاء اليمنيين: الفاصوليا.
لكن الغذاء، كجزء من الثقافة العامة، لا بد أن يتأثر بتطور الحضارة، وهذا التأثير مدفوع بتروس الآلات الميكانيكية في مصانع الغذاء.
أخبرونا أن البيض هو الطريق السريع لارتفاع الكوليسترول والجلطات، فاستبدلوه برقائق "كورن فليكس" السخيفة.
أصبحت اللحوم مجموعة من الأحشاء الأكثر دهنية، مغمسة بجميع أنواع المواد الحافظة، ولكن حمدًا لله، تم تغليفها وتعليبها بأناقة. مسرطنات لكن بشياكة!
وبدلًا من الحبوب الكاملة، تُحشى المعجنات البيضاء بأجبان مهدرجة مطاطية، وبدل العصير الطازج، نشرب نكتار أو شرابًا معلبًا جاهزًا وسريعًا. وبين الوجبة والأخرى، تتناثر جميع أنواع الحلويات، ثم، في النهاية، يخبرونك أن "كرشك كبر كثيرًا"، والأجدر بك إلغاء وجبة العشاء لتواكب رشاقة الحضارة!
المخاوف العالمية بشأن اختفاء "الطعام الحقيقي"، قد تبدو نوعًا من المغالاة، إلا أننا لا يسعنا إلا القلق. حين فرضت الهيئة العامة للغذاء والدواء توضيح مكونات المنتجات المعلبة، صحونا في اليوم التالي لنجد الحليب والجبنة والقشطة قد اختفت من كل مكان، وكل ما تبقى لنا هو الأشباه المزيفة!
شبيه القشطة، شبيه الجبنة، شبيه الحليب... مرادفات لطيفة للتزوير. كلمة "شبيه" تعني أنه مصنوع من زيوت نباتية مهدرجة ورخيصة بدلًا من الدهون الحيوانية الأصلية، أو أنه معالج بالكامل بالمنكهات والسكر والمكونات البديلة التي لا تمت للبقرة بصلة.
لكن المعضلة الحقيقية تكمن في أن الحليب والجبن الحقيقيين اختفيا تمامًا من الأرفف. الطريق الوحيد المتبقي للوصول إليهما هو تربية البقرة في حوش المنزل!
السؤال هنا: هل هذه المنتجات آمنة؟
الجواب: بالطبع هي آمنة، فقد اجتازت اختبارات الصحة والسلامة. لكن، تجدر الإشارة إلى أن المشروبات الغازية آمنة، واللحوم المصنعة آمنة، والبطاطس المقلية آمنة أيضًا. فليس كل ما يلمع ذهبًا، وكونها "آمنة" لا يعني أبدًا أنها "صحية".
ما رأي الخبراء؟
يحتاج الإنسان من حصة إلى ثلاث حصص يومية من الحليب ومشتقاته، لضمان النمو السليم للعظام، والحفاظ على مخازن الكالسيوم في الجسم. لكن الصحة ليست فقط في كوب حليب، بل هي نظام متكامل من العادات والأطعمة الصحية.
نوصي بعدم استهلاك الأجبان المصنعة والقشطة كوجبات رئيسية. يمكنك إضافتها إلى طبقك في نهاية الأسبوع، وتناولها في فترات متباعدة، مع الاكتفاء بالمصادر الأقل خطورة ومنزوعة الدسم. وإذا وجدت كلمات مثل "زيت نباتي مهدرج" أو أية كلمة يصعب نطقها، اهرب بعيدًا!
ولا تنسَ أن هناك مصادر طبيعية أخرى للكالسيوم، مثل السمسم والأسماك والخضروات الورقية. أعلم أنك لن تحب سماع هذا، لكن صدقني، "الشاهي الملبن" ليس مصدرًا للكالسيوم!
وتذكر، عندما يصبح الطعام الحقيقي حلمًا نادرًا، فإن الحكمة تكمن في الوعي و الاعتدال.