تعيش أسرة المختفي قسريًا، عادل الحداد، آلامًا نفسية عميقة منذ اختطافه في عدن. تضاعفت هذه الآلام بعد قضية اختطاف وإخفاء الشخصية القبلية علي عشال الجعدني، حيث انتشر على منصات التواصل الاجتماعي فيديو قصير مجهول المصدر، يظهر عددًا من المعتقلين والمختفين قسريًا، قيل إنهم تمت تصفيتهم من قبل وحدة مكافحة الإرهاب بقيادة يسران المقطري.
في الفيديو، الذي وصل إلى أسرة عادل الحداد، ظهر اسمه مذيلًا بعبارة "مات تحت التعذيب". عادل الحداد، 47 عامًا، من مدينة كريتر بعدن، أب لسبعة أبناء وبنات، اختطف وأخفي قسريًا في 27 نوفمبر 2016 في جولة الكراع، مديرية الشيخ عثمان، محافظة عدن. منذ ذلك اليوم، لم تتمكن أسرته من الوصول إليه أو معرفة أي معلومات عنه رغم الجهود المتواصلة من قبلهم ومن قبل المنظمات المعنية بقضايا المعتقلين والمختفين قسريًا.
ذكرت أروى فضل، زوجة المختفي، في حديثها لـ"النداء" أنه بعد كل هذه السنوات لم يتم العثور على أي معلومة عنه، وما يجدونه مجرد أقاويل وشائعات لا يعرفون صدقها من كذبها. وقالت: "نحن قرعنا كل الأبواب، وقدمنا ملفات للنائب العام ولكن دون أي فائدة! وإلى الآن لم تعترف أي جهة بجريمة الإخفاء، فيما لا يزال المنتهكون هاربين".
شهدت اليمن منذ اندلاع الحرب عام 2015 العديد من الاعتقالات والاختفاءات القسرية التي ارتكبتها ولا تزال ترتكبها أطراف الصراع في اليمن. جريمة الاختفاء القسري تتصدر أفعال تلك الأطراف في مأرب والساحل الغربي والمناطق الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية وكذلك المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، التي شهدت في يونيو الماضي حملة اعتقالات واسعة للعاملين في المنظمات والوكالات الأممية والدولية، ولا يزال مصيرهم مجهولًا حتى اليوم، فيما تعاني أسرهم بسبب عدم تلقيهم أي معلومات عنهم.
على الرغم من أهمية هذا الملف، إلا أننا لم نلحظ أي تطورات فيما يخصه من قبل أطراف الصراع في اليمن، رغم قيام المنظمات برصد تلك الانتهاكات بالأرقام وإصدار بيانات التنديد والاستنكارات وتدوين أسماء المختفين الذين تبلغ عنهم أسرهم. الأحزاب السياسية أيضاً تناست دورها وواجبها تجاه هذا الملف الشائك.
اضطرابات نفسية تعصف بأسر المختفين
تشتد معاناة أسر المختطفين كلما وردتهم أخبار عن خروج معتقل جثة هامدة أو خبر عن تصفيات تطال المختطفين والمختفين قسريًا. يعيشون في حالة يمتزج فيها الخوف مع القلق، قلوبهم معلقة وعقولهم تذهب وتأتي بهم.
أكدت رابطة أمهات المختطفين في بيان لها في اليوم العالمي للصحة النفسية أن أسر المعتقلين يعانون من اضطرابات نفسية مثل الصدمات، الاكتئاب، والتوتر المستمر نتيجة عدم معرفتهم بمصير أبنائهم وخوفهم من فقدانهم.
تشهد المعتقلات الرسمية وغير الرسمية تواجد المئات من المعتقلين والمختفين قسريًا في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، جنوب اليمن، الساحل الغربي، مأرب، وغيرها من المعتقلات التي باتت تستخدم للمواطنين والمعارضين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، أصحاب رأي أو حقوقيين، أطفال ونساء وشيوخ وشباب.
يعتبر ملف انتهاكات الإخفاء القسري في اليمن ملفًا شائكًا بحسب الحقوقية هدى الصراري، نظرًا لتعدد الجهات والأطراف المنتهكة. تقول رئيسة مؤسسة دفاع للحقوق والحريات، المحامية هدى الصراري، في حديثها لـ"النداء": "ما يزال هناك مئات الضحايا بانتظار معرفة أسرهم عن مصيرهم، بالإضافة إلى أن الأطراف المرتكبة للانتهاك تتنصل عن مسؤوليتها وتتحجج بأعذار غير منطقية بسبب طول أمد النزاع المسلح إلى جانب غياب المساءلة والإفلات المتكرر من العقاب".
تابعت: "وبالرغم من جهود المناصرة والرصد والتوثيق والتقارير الدولية والمحلية التي توصي بعدم ارتكاب جرائم الإخفاء القسري، إلا أن السبب الأول في استمرار ممارستها هو غياب آليات المساءلة الدولية للأطراف اليمنية في ظل فشل القضاء الوطني في القيام بمهمة مساءلة المنتهكين نظرًا لانقسام سلطات القضاء بين مناطق سيطرة الحكومة الشرعية والحوثيين".
أكدت أنه لولا جهود المدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني لما سُلط الضوء على هذه الجرائم الإنسانية المنتهكة للقوانين الوطنية والقانون الدولي الإنساني.
من جهته، يرى المدير التنفيذي لمركز العدالة الأمريكي، المحامي عبدالرحمن برمان، أن قضايا المختفين قسريًا من أشد القضايا تعقيدًا وأكثرها وجعًا على عائلات وأسر المختفين.
وأكد برمان في حديثه لـ"النداء" أن التحرك في قضية المخفيين قسريًا ضعيف جدًا، حيث يتم التفاوض على كشوفات الأسماء المعروفة أماكن تواجدها، أما المخفيين قسريًا فيأتون في آخر القائمة. وربما المخفيين الذين يتم التفاوض عليهم هم الذين لديهم انتماء للجماعات المسلحة أو الأحزاب السياسية.
وأشار إلى عدم وجود إحصائيات دقيقة لدى المنظمات بعدد المختفين قسريًا، مرجعًا السبب إلى امتناع بعض الأسر عن التبليغ عن اختفاء أبنائها بطلب من الوسطاء الذين يقنعونهم بأن الحديث للإعلام والمنظمات لا يزيد الأمر إلا تعقيدًا.
وقال برمان: "تأتي بلاغات بحالات الاختفاء من أسر المختفين قسريًا بعد عدة سنوات من الاختفاء قد تصل إلى ست سنوات. وفي الوقت الحالي، كل منظمة لديها مجموعة أسماء من المختفين لدى المجلس الانتقالي وجماعة الحوثي، وهي الأسماء المتوفرة لدى المنظمات التي تعمل في مجال المعتقلين والمختفين قسريًا".
وأضاف أن للاختفاء القسري أثرًا سلبيًا على أسر المختفين، ابتداءً من المتابعة ومرورًا بحالة القلق والتوتر التي يعيشونها في ظل استمرار اختفاء ذويهم. وأكد أن الوضع النفسي والجهد الكبير الذي تبذله أسر المختفين انعكس سلبًا عليهم، وأصبح أقصى ما يتمنونه هو معرفة ما إذا كانوا ذويهم أحياء أو أموات قبل أن يطالبوا بالإفراج عنهم.