صنعاء 19C امطار خفيفة

بدون..!

في الأسبوع الأول في مخيم اللجوء، تعرفت على شخص عربي الملامح وبلهجة خليجية. فسألته: "من أين أنت؟"، فضحك أولاً ثم قال: "أنا بدون". فقلت له: "لا تمزح، فكلنا بدون أوطان". فقال: "أنا لا أمزح، أنا من البدون". عصرني الألم، وشعرت بالخزي. كيف لشخص يحمل ملامحي نفسها، ويتكلم لغتي، ويلبس نفس ملابسي، ويعيش بدون وطن؟ شعرت أن كل عنصرية العالم تجلّت في شخصي. كيف يمكنني أن أواسي شخصاً ينتمي إليّ، ولكن لا يستطيع أن يقول: "أنا من دولة كذا" أو "بلاد كذا"؟ تلبسني عار كبير في تلك اللحظة، ولم أجد ما أواسيه إلا أن قلت له: ما كان أسعدنا بلا وطن، الأوطان كسرت ظهورنا وجرّعتنا الهوان.
 
حصل على الإقامة قبلي بعد أن قدم أدلّة كافية على وجود شريحة اجتماعية منتشرة في الجغرافيا العربية، اسمها "البدون"، ونال تعاطف مكتب الهجرة، حيث منح حرية اختيار المدينة التي يحبذ العيش فيها. اختار جنوب السويد، فنقل إلى هناك حيث التحق بالجامعة، وبعدها حصل على منحة إلى أمريكا، وهناك تخصص في التاريخ الاجتماعي، وبدأ في كتابة تاريخ الهامش والمهمش في التاريخ العربي. ومازال يصبن هذه الأوطان التي حررته من عقدة الانتماء، ومرتاح نفسياً أنه بدون وطن.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً