صنعاء 19C امطار خفيفة

في ذكرى استقلال الجنوب اليمني غير المستقل: هل نستعيد الوحدة بالديمقراطية؟

ثورة ١٤ أكتوبر ١٩٦٣ في الجنوب اليمني المحتل، هي بدون جدال وبدون ادعاء أو نرجسية، التي وحدت اليمنَين، مع الإقرار بحقيقة ثانية، وهي أنه بدون إرادة أصحاب المصلحة محكومين وحكامًا في الشطرين، ما كان لها أن ترى النور.

 

 والمجال هنا ليس لتفصيل ما هو معلوم من التزام الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي النظري والعملي بالوحدة، ومواربة المبدأ الخامس من مبادئ ثورة سبتمبر الذي ينص على "العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة". الربط بين وحدة وطنية غامضة المفهوم لنظام سلطته محصورة في جغرافيته السياسية، وبين الوحدة العربية، ربط بوضوح أن تحقيق الأولى لن يتم إلا بتحقيق الثانية، ولم ينص صراحة على تحقيق الوحدة اليمنية.

إن من دمروا الوحدة، ويعملون على استعادة حكم فردي أوتوقراطي، وطي صفحات سوداء من ماضيه، وتحويل الطالح إلى صالح، والتغاضي عما لا يمكن القفز عليه إلا بإعمال مبادئ العدالة الانتقالية كمرجعية منصوص عليها في مبادرة الوصاية الخليجية على اليمن، لا يستطيعون تخليق ذاكرة جديدة لليمنيين.
لقد دفعت حرب ١٩٩٤ وما تلاها من سياسات استعلائية/ نهبوية للجنوب، بعض الجنوبيين إلى المناداة بعودة حكم الاستعمار، وفي صفهم تقف المقارنة بين أوضاعهم في عهد الاستعمار ثم في عهد الاشتراكي، وبين أوضاعهم في عهد صالح ثم في عهد "تحرير" عدن عام ٢٠١٥ على يد الأسترالي اللواء مايكل سايمون هندمارش، في العملية المسماة "الشّبشِب"؟! لصالح إسبرطة التي خدم فيها من عام ٢٠١١ وحتى عام ٢٠٢٤. للواء الاسترالي سابقة "تحرير" قبل "تحريره" عدن عندما قاد عملية عسكرية لـ"تحرير" العراق، سميت عملية "الصقر" ضمن قوات غزت واحتلت دولة مستقلة، وغيرت نظامها بالقوة.
في هذه الذكرى الوطنية المجيدة، يثار سؤال عن قدرتنا على استعادة الوحدة بالديمقراطية ونبذ الحكم الفردي وتبني نظام برلماني، وليس رئاسيًا يعزز الفردية ويفسد في الأرض. لقد وأدت الفردية الوحدة بشتى السبل الاحتيالية والتآمرية والدموية والتهميشية، وبالمحسوبية المدمرة التي سرعان ما جعلت كوريا الجنوبية لا تصدق ما قيل لوفدها في صنعاء في أغسطس ١٩٩٠، بأننا سنعلمها كيفية تحقيق الوحدة، وفي المناسبة ذاتها أضيفت ألمانيا كطالبة إلى الفصل الدراسي للأستاذية الوحدوية اليمنية.
تم توحيد اليمنَين باتفاق نظامين متنافرين ومتآمرين على بعضهما البعض وغير ديمقراطيين سياسيًا ومؤسسيًا، ولكي يتعايشا ضمن الكيان الوحدوي الجديد اشترط الطرف الضعيف عدديًا والقوي مؤسسيًا والواعد اقتصاديًا، أن تكون الوحدة مرتبطة بالتعددية السياسية، أي بالديمقراطية، ولكي يثبت الرئيس صالح حسن نواياه والتزامه بالديمقراطية، لم يكتفِ بالتزامه بها لقادة الحزب الاشتراكي، بل التقى بالقياديَّين الاشتراكيين الشماليين المعارضين لنظامه، جار الله عمر ويحيى الشامي، ليؤكد لهما حسن نواياه والتزامه بالتعددية السياسية، وقد نجح وقتذاك في تبديد مخاوفهما رغم أنه كان يضمر العكس.
الديمقراطية ليست تكتيكًا، وإنما استراتيجية ممتدة لانهاية زمنية لها، وقد تتغير بحسب معطيات الزمان والمكان ومصالح النظام التي لا تنفصل عن مصالح الناس. وهي أيضًا ليست للمتاجرة والكسب الشخصي ولا مجدًا ولا مالًا، بل يؤدي فيها الفرد خدمة عامة مقابل أجر، ولا هي مدرسة يعلم فيها الحاكم المعارضة كيف تكون ديمقراطية، ثم تتخرج من مدرسته الديمقراطية بوعي ديمقراطي مشوه وضمير ملوث، ولا هي حكم اللصوص الذين سُموا مرارًا وتكرارًا "الشرفاء"، ووصفهم في وقت لاحق الأستاذ الأمريكي روبرت بوروز، الخبير باليمن، بالحكام "اللصوص".
بصراحة، إن مشكلة الوحدة شمالية بحتة، وإذا لم تتغير نظرة النخب الشمالية نحو الجنوب، فإن لا مفر من إعمال مبدأ حق تقرير المصير فيه. وبصراحة، لا لوحدة تعيد إنتاج حكم أوتوقراطي للهيمنة والاستئثار والإقصاء والدم. صالح لم يكن مخلصًا للوحدة ولا للشراكة ولا للديمقراطية، وكانت لديه فرص أضاعها لدخول التاريخ بتاريخ مختلف.
الديمقراطية مدرسة للحرية وللصبر والتحمل والتسامح وقبول النقد والاعتراض، وآلية وحيدة لتبادل السلطة في النظام الجمهوري الخادم لمصالح الناس وليس الذات. الديمقراطية لا تصبح ديمقراطية بالإعلام والأكاذيب وتزييف الانتخابات والاستئثار بالثروة والسلطة والمحفوظات المجدبة الخادعة التي ظُلل الناس بها، ولم تغير الواقع، وظلت اليمن في قائمة الدول الأكثر فقرًا في كل شيء. اليوم الكل يريد الوحدة، ولكنه لا يقبل المساس بماضٍ لا يراه خاليًا من المثالب، بينما يراه غيره أنه كان معاديًا لمصلح الشعب، وارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأفسد في الأرض. سيقول البعض إن الماضي الذي تنتقده كان أفضل من الحاضر. نعم، الكل يقر بأن الحاضر أكثر سوءًا في الجهات اليمنية الأربع، ولكن ينبغي سرد الحكاية من ألفها إلى يائها، وتحديد من تسبب عمدًا في صنع واقع اليوم، لكي نبدأ بداية مختلفة بقوى جديدة من الرجال والنساء.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً