لم يكن حدثاً عادياً، بل مهماً وخبراً ساراً للشعب اللبناني ولقواه السياسية التي عانت لسنوات طوال من غطرسة الحزب وغروره. فما الذي حصل؟ لقد استسلم حزب الله اللبناني لواقع لم يكن في حسبانه، بفعل الضربات الإسرائيلية الموجعة التي أدت كنتيجة حتمية إلى مقتل قياداته، والآلاف من ضباط وأفراد قواته وتدمير معظم قدراته العسكرية. فوافق على الانسحاب بعدته وعتاده إلى ما وراء نهر الليطاني، وذلك بفعل وساطة فرنسية وأمريكية لإنهاء الحرب التي راح ضحيتها الشعب اللبناني في المقام الأول. وتم إسناد مهمة حماية الجنوب للجيش اللبناني المناط به ذلك، وبهذا يكون قد تخلى الحزب عن شعار غزة، ووحدة الساحات، وواحدية المصير.
حقيقة ما حصل يعد تحولًا استراتيجيًا مهماً في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وله تأثيره وانعكاساته على المشهد العربي والإقليمي، ويفضي إلى تغيير جذري في التوازنات السياسية الداخلية وفي المنطقة.
المتأثر الحقيقي مما حصل في لبنان هي إيران، التي يعتبر حزب الله في لبنان أحد أهم أدواتها في المنطقة ويدها الطولى. وبالتالي فإن إضعافه سيؤدي حتماً إلى تراجع نفوذها الإقليمي، وستبحث عن طرق أخرى، ربما توجهات سياسية أكثر مرونة، وقد تؤدي هذه التوجهات إلى تخليها هي الأخرى عن وحدة الساحات، وبالتالي تراجع دعمها للحزب، وحماس، والحوثيين على حد سواء، خاصة إذا كان الأمر مرتبطًا بتفاهمات إقليمية أوسع وأشمل.
تعتبر العلاقة بين حزب الله والحوثيين في اليمن علاقة وثيقة وصلبة، تربط بينهما علاقات على المستويين العسكري والإيديولوجي، تدعمها إيران بشكل كبير ويعتبر حزب الله والحوثيين أبرز أذرعها في المنطقة وأقواها.
حزب الله اللبناني لم تقتصر مقاومته في السنوات الماضية على الجنوب اللبناني فحسب، بل نقل كثير من قواته وعتاده وقاتل في سوريا، وفي اليمن شاركت وحدات عسكرية كانت مهمتها تدريب وإعداد قوات الحوثي. أيضاً هناك ضباط على مستوى رفيع من حزب الله في اليمن كانت مهمتهم الإشراف على أداء الجماعة على المستوى العسكري، وقدمت الدعم اللوجستي والمالي وزودتهم بتكنولوجيا السلاح، وخبراء تصنيع الصواريخ والمسيرات، وتقديم الاستشارات الإعلامية، والتنسيق على المستوى الاستخباراتي، حيث يتم تبادل المعلومات وتحليلها بشكل مشترك.
المؤكد أن كسر شوكة المقاومة في لبنان سيلقي بظلاله على بقية أذرع إيران عامة، والحوثيين في اليمن لن يكونوا استثناء. لذلك فإن أي تغيير في قوة أو نفوذ حزب الله سيؤثر بشكل مباشر على الحوثيين وقدراتهم في اليمن. وبضعف حزب الله اللبناني سيواجه الحوثيون صعوبات في صيانة وإصلاح الأسلحة المعقدة التي بحوزتهم واستخدامها، وبالتالي ضعف قدراتهم القتالية، حيث يؤدي نقص التدريب والخبرات إلى تراجع دقة العمليات العسكرية. وبالتالي لن يكون أمام الحوثيين غير السلام، إن أرادوا البقاء بمعزل عن إيران ووهم الولاية، وإلا فالحرب وتحرير الأرض من بين أيديهم، واستعادة سلاح الدولة ومؤسساتها خيار حتماً سيأتي، ولو بعد حين.