يصعب الترحيب بزميل في صحيفته، لكنني أفعل مع علي حسين الضبيبي!
في 2006 بدأ حياته المهنية في "النداء". كان مايزال طالبًا في السنة الثانية في قسم الصحافة بكلية الإعلام في صنعاء.
كنت أحد ثلاثة تمت دعوتهم إلى المشاركة في ندوة نظمتها الكلية في واحدة من قاعاتها. كنت رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحفيين، والانتخابات الرئاسية استوجبت في الربيع قدرًا من التبريد للملفات الساخنة قبل حلول الخريف (موعدها في 23 سبتمبر)، وشمل ذلك تخفيف قبضة الأمن على القرار الإعلامي والأكاديمي. كذلك سمح لطلبة الإعلام باستقدام نقابي وصحفي مستقل يرأس لجنة في مجلس نقابة مغضوب عليه!
تركزت مداخلتي حول ضرورة تحديث التشريعات الصحفية، وبخاصة قانون الصحافة لعام 1990، الذي كان نقلة مهمة في وقته، لكن الوقت حان لتغييره، منتقدًا ما اعتبرته بولسة الإعلام بعد حرب 1994، استغلالًا لمواد في القانون تحمل روحية الأنظمة التسلطية والشمولية.
كان لحديثي وقع جميل على أسماع الطلاب والطالبات، ما دفع أحد مدرسيهم، على ما عرفت بعد أيام، إلى تحرير مذكرة إلى عميد الكلية (وربما رئيس الجامعة)، مشحونة بالغضب والتطير! امتد ضرر المذكرة إلى الصديق وديع العزعزي الذي شجع طلاب الكلية على الانفتاح على الصحافة المستقلة والمعارضة.
أثناء مغادرتي القاعة، جاء طالبان من بين الحضور، لمصافحتي، أولهما علي الضبيبي، والآخر محمد العلائي. قدما لي نفسيهما، فقلت: هذا أنتم!
كانا نشرا مادتين في "النداء"، أثارتا اهتمامي، الأسبوع الماضي، فضربت لهما موعدًا في مكتب الصحيفة في عمارة الخير بالدائري الغربي بالقرب من جولة كنتاكي.
في العاشرة من صباح اليوم التالي استقبلهما الزميل بشير السيد (رحمه الله) في مقر الصحيفة، وبدءا من العدد التالي صارا متدربين في مكتب الصحيفة، منضمين إلى الاجتماعات الأسبوعية لأسرة "النداء"، وبعد أقل من عام صارا صحفيين يزين اسماهما "النداء".
تجربة الضبيبي الصحفية تستلزم قراءة متفحصة. فهو في عامه الأول استطاع تحقيق ما يمكن اعتباره "معجزة"!
كيف؟
في خريف 2006 (11 أكتوبر) نشر تحقيقًا عن أوضاع السجناء الذين انتهت مدد عقوبتهم، لكنهم بقوا في السجون المركزية في العاصمة والمحافظات، بسبب عدم قدرتهم على الوفاء بعهد وأموال للغير.
حمل التحقيق عنوان "مئات السجناء عالقون بمبالغ زهيدة وآخرون بمليارات.. منفى الغارمين". والعنوان يلخص التحقيق الذي أنجزه، فالسجن بات منفى محكومًا على من انقضت فترة سجنه، لكنه محكوم بغرامة أو دين للغير، في الإقامة الأبدية فيه!
كذلك يبقى الحبيس محبوسًا سنة واثنتين وعشرًا وعشرين، لمجرد أنه معدم لا يستطيع سداد ما يوازي مبالغ زهيدة لا تتعدى أحيانًا عشرين ألف ريال.
كانت القصص التي نقلها الضبيبي من السجن المركزي صادمة... ومخزية، عرت المجتمعين السياسي والحقوقي.
كان بين أولئك الذين اطلعوا على التحقيق، المحامي نبيل المحمدي، وقد أدلى في 18 أكتوبر 2006، بتصريح لـ"النداء"، يفيد بأن "إبقاء السجين رهن السجن رغم انقضاء فترة سجنه، جريمة موجبة للعقاب".
تصريح المحمدي كان سبب تحول من يسميهم رجال (ونساء) الجهاز القضائي سجناء معسرين، إلى أصحاب حق مظلومين جراء قصور في فهم القانون، وتجرؤ على السجناء، وتوهم ردات فعل غير قانونية للدائنين! كذلك وجه العشرات من السجناء بعد حوالي الشهر، رسالة إلى رئيس التحرير، وعبره إلى نبيل المحمدي، يطلبون فيها تمثيلهم قانونيًا. وفي وقت لاحق من شهر ديسمبر، تشكلت "هيئة دفاع عن المحتجزين على ذمة عهد وأموال للغير"، برئاسة الأستاذ القدير المحامي أحمد الوادعي، وتضم علاوة على نبيل المحمدي، الأساتذة المحامين هائل سلام ومحمد المداني ومحمد البذيجي.
وفي ظرف شهور اضطر رؤساء الهيئات القضائية والنائب العام إلى الإقلاع عن "الموروث"، والتسليم بمنطق هيئة الدفاع، والتوصل إلى حل لقضية المحتجزين في العاصمة أولًا، حيث تم تحرير المئات تباعًا.
أتذكر بريق الإنجاز في عيون الزملاء جميعًا، وهم أول من يستقبل علي الضبيبي، ومعه السجين الذي قضى 15 سنة ظلمًا في غيابات "العدالة"!
كانت تلك قصة نجاح مهني لافتة، استوقفت بعد أقل من عام أستاذتنا رؤوفة حسن، التي خصصت للقضية محورا في دورة تدريبية دعتني للمشاركة فيها للحديث عن نجاح "النداء" في تحرير المئات عبر الملف الذي تولاه علي الضبيبي، ثم من بعده هلال الجمرة.
كان استخلاص رؤوفة حسن للتجربة مختصرًا؛ نجاح "النداء" في تحقيق إنجاز في صالح الناس، ناجم عن اجتماع 3 عناصر: مهنية الصحيفة، ومثابرة الصحفي، واستشارة قانوني متمكن.
والآن، ماذا أريد أن أقول؟
الصحافة مهنة عظيمة إذا قدرنا كصحفيين دورنا في خدمة الناس. والصحفي الناجح هو ذلك الذي يجذبه عبده شوعي، ويقاتل من أجل حقه في الحرية، لا ذاك المتسكع في قصور الحاكم في صنعاء وعدن، أو في مولات الدول الشقيقة والصديقة!