صباح النور صديقنا العزيز حسن عبدالوارث، لم نغب عنك، ندرك أنك الأكثر حضورًا، نسعد بحضورنا معك، نسمع صرير قلمك الأقوى من دوي المدافع، والأنفع من خطب الأحياء الأموات، وأصدق قيلًا.
كنت الشجاع في أزمنة الخوف، وكنت القلم المقاتل في أزمنة الحرب.
وكنت وكنت وكنت!
القصيدة الأولى التي نشرتها ثمانينيات القرن الماضي، كانت إعلان ولادة شاعر مكتمل، وتعبيرًا عن موهبة كبيرة، أما المقالة الأولى فكانت البيان بميلاد قلم يمتلك مقدرة إحياء الطهر الثوري، وتحدي الفساد والطغيان.
مقابلتك مع الأب الروحي عمر الجاوي، كانت الإشارة والبشارة بعودة التعددية السياسية والحزبية التي افتقدتها عدن.
في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، كان ظهورك، كشاعر وصحفي، لافتًا.
تبدع القصيدة كابتسامة الطفل وأفق الصباح، وحنان الأم.
وترص صفوف أحرف المقالة الصحفية كجحافل المدافعين عن قيم الحرية والكرامة والعدل، لا نرثيك ولا نؤبنك، وإنما نؤبن أنفسنا الهالكة بالخنوع، والمهلوكة بالطغيان والضعة التي حولتنا إلى أقنان وأشباح، وتحول وطننا إلى جزر ومنافٍ، وأقبية سجون. نحن يا حسن الأحياء الأموات الماشون بأكفاننا فوق ظهورنا والذين "أسلمنا العدو إلى أهالينا كإبداع درويش".
عزيزي حسن، يقول خالد الذكر أبو الطبب المتنبي:
إذا تَرَحَّلْتَ عن قومٍ وقَدْ قَدَروا
أَلّا تُفارِقَهُمْ فالراحِلُونُ هُمُ
نحن الراحلون بعدم الموقف، وغياب الوفاء، وضعف الإرادة، وعدم القدرة على الاحتجاج مجرد الاحتجاج.
روحك الطاهرة ترفرف في السماء، تأسى لمعاناة وطنك، وأبناء امتك في فلسطين، في غزة والضفة، وتحزن لما يجري في لبنان، وتواطؤ الحكم العربي، وهمود الأمة العربية المغيبة.
نغبطك للنجاة من وجع الإذلال، وألم الظلم، وجبروت الضعيف.
انتدبت الموت باكرًا، تعجلت الخبر فرارًا من القهر، ومس الكرامة. لك الله يا حسن، عشت كريمًا، وتقيم بعد الرحيل عزيزًا، فأنت واحد من نجوم الصحافة، ومحيي ميتها، كزميلك عبدالله سعد الذي شيعته بهذه الصفة.
كنت الأشجع في استعجال خبر الموت لكأنه ميلادك الأبدي.
اختيار
سأختارُ موتي
على شفة
أو قصيدة
وأنتخبُ الساعةَ المشتهاة
وأفترش الساحة المصطفاة وأختار حبر الرثاءِ طقوسَ العزاءِ
ورود الضريحِ
ونعي الجريدة
سأختارُ موتي
على شفةٍ أو قصيدة
وأكتبُ في شاهدي:
كان يوما صهيلًا
تشظى نهارًا
سواحل نامتْ
على نصلها
قرية من عذارى
وأرضًا ترامت على منكبيها
دويلة حرب عتيدة
سأختار موتي
على شفة أو قصيدة
وأعلن أني خلقت من الشعر، والعشق، والحزن
أسمى عقيدة
مالك بن الريب رثى نفسه:
تذكّرتُ مَنْ يبكي عليَّ فلم أجدْ
سوى السيفِ والرمح الرُّدينيِّ باكيا
وأشقرَ خنذيذٍ يجرُّ عِنانه
إلى الماء لم يترك له الدهر ساقيا
اما ابن عبدالوارث فقد اختار قبره شفة أو قصيدة، واختار الساحة، وحبر الرثاء وطقوس العزاء، وورد الضريح، ونعي الجريدة.
فلقد قام الشاعر الفذ حسن عبدالوارث بما عجز مالك بن الريب أن يقوم به.
التحية والإعزاز لمنتدى الحداثة والتنوير، ونضم صوتنا إلى جانبهم في المطالبة بطبع الأعمال الكاملة للفقيد، فهو العزاء الحقيقي والوفاء.