أيها الطغاة، نحن نحبكم ونبغضكم في ذات الوقت. نحبكم عندما تغادروننا بسلام، ونبغضكم عندما تعذبوننا بقسوة.
نشفق عليكم مرتين: مرة عندما لا يبلغكم جلاوزتكم القساة بأن مساجينكم لا يتأوهون أو يتوجعون لسياطهم؛ وأخرى عندما ينزل بكم العذاب في الدنيا قبل الآخرة؛ ونشاهد ما أنزله الثوار بكم، فما جرى لأسلافكم صدام؛ القذافي؛ عفاش!
نعم، نألم من ظلمكم، لكننا كما أسلفنا نحزن عندما نشاهد مصيركم المحزن! نزيد سجانيكم غمًا عندما نبتسم عند وقع كل سوط في ظهورنا!
نسخر منكم عندما تظنون أن تعذيبكم لنا يضفي عليكم القوة، بينما نحن نتحول إلى بارود يتراكم حتى تأتي أول شرارة، فيصل الانفجار الذي لا تفرق شظاياه بين كبير منكم أو صغير! كما نسخر منكم حين نراكم تزدادون طغيانًا وتكبرًا، مصممين على ارتكاب جرائمكم بحق الأبرياء من أبناء شعبكم، الذين تتحدثون باسمهم دون تفويض، فتقتلوننا باسم الشعب؛ وتجوعوننا باسم الشعب، وفي العلن نصرخ بأعلى أصواتنا بالروح بالدم نفديك يا زعيم، وفي أعماقنا نتمنى لكم الزوال بإذن الله!
نعم! نصفق لكم عند نطقكم بأتفه الكلمات، لكننا نبصق عليكم في السر، فكم نشفق عليكم وأنتم تتعبون أنفسكم في إلقاء خطابات أطول من يوم الصوم، لكنها لا تحمل إلا الحقد والاشمئزاز، بينما تظنون أنها تثير إعجابنا!
أيها السجانون والطغاة!
إن كلماتكم أقرب إلى اللغو، وتعتبر هذيانًا بالنسبة لنا. نضحك عليكم وأنتم تظنون أنكم تتحدثون كأنكم محدثون تتنزل عليكم كلمات من السماء. فثوبوا إلى رشدكم واعرفوا أن شعوبكم قد شبت عن الطوق! لو كنتم تدركون ما في صدور شعوبكم من سخرية وكراهية، لخجلتم، وابتعدتم عن الساحة السياسية!
نحن الشعوب نعاني من الويل والثبور، لأننا نتظاهر بمجدكم في العلن، بينما نلعنكم في السر. لو اعتبرتم بأسلافكم، لعرفتم كيف تُخلد الأسماء في التاريخ.
أحباءنا الطغاة!
متى ستعتبرون؟ متى ستفهمون ذلك؟ نحن نقول لكم، ولسان حالنا ينطق بما قاله المعري:
تلوا باطلًا وجلوا صارمًا
وقالوا صدقنا فقلنا نعم
أيها الطغاة، تسوسون الأمور بلا عقل، وتظنون أنكم ساسة دهاة. لقد تحداكم حكيم العصر البردوني بقوله:
يا ذوي التِّيجان، يا أهلَ الرئاسةْ
الملايين لكم، تَفنَى حماسةْ
والأماني بحماكم تحتمي
وإليكم تنتمي أُمُّ القداسةْ
وجموع الشعب لاقت فيكمُ
قادة النصر، وأبطال السياسةْ
كان هذا ما روى إعلامُكُم
هل ترى هذا الجماهيرُ المُداسةْ
** *
جرِّبوا في الشعب شعبيتَكُم
واخرجوا يومًا بلا أقوى حراسةْ
إن هذا خير مقياسٍ لكم
وعليه صحة الدعوى مُقاسةْ
جرِّبوا كي تستبينوا مرّةً
أين حكم الشعب مِن سوق النخاسةْ؟
وكما قال في ذات القصيدة بأن راجي الطهر فيكم مثل راجي الطهر في عين النجاسة!
أيها الطغاة: يجب أن تعلموا أن الشعوب مع صاحب الدنيا، وتكون ضده عند أول هبة ضده!
قال فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة أبو العلاء المعري:
وما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها
فكيفما انقلبت يومًا به انقلبوا
طغاتنا القساة:
نعم إن كراهيتنا لكم تتحول إلى ألم حين تلقون مصيركم المؤسف! نحزن عليكم كما حزنا منكم، ننسى جرائمكم، فنغفر لكم خطاياكم حين تلقون مصيرًا قاسيًا، لأننا نعلم أنكم مرضى بجنون السلطة وحب العظمة والاستبداد.
أيها الأحباب غير الكرام!
أحزانكم ودموعكم وآلامكم تؤلمنا بقدر ما أذقتمونا من مرارة العيش، نتعذب عندما تنتصرون على أبناء شعبكم، فتخونون من يختلف معكم، وتطلقون عليهم عملاء مرتزقة أعداء الشعب! لأن معارضتهم تنغص عليكم لذة النصر والتمتع بكرسي السلطة.
طغاتنا الأجلاء:
نسخر منكم وأنتم تميلون إلى المنافقين والانتهازيين الذين سيكونون أول من يبادركم بالطعن في خواصركم عندما يحين وقت مصيركم الحتمي؛ لأن دنيا الطغاة تكاد تكون دار جزاء؛ ومن يسعدكم تملقهم اليوم سيبكونكم دمًا عندما يتحولون إلى مراكز قوى يطيحون بعروشكم في الغد!
طغاتنا الأجلاء:
اتعظوا بمن سبقوكم من الطغاة، فقيصر روسيا أول طعنة تلقاها كانت من أحد المقربين منه؛ وهناك حكمة للقاضي عبدالرحمن الإرياني، فلقد سُئل كيف كنتم تتعاملون مع المنافقين، فقال إنه في البداية كان يكرههم، لكن بعد أن لاحظ أن بعضهم لا يحترم منصبه، ويظنون أن تواضعه ضعف، بدأ يميل إلى المنافقين؛ ثم قال إنه في آخر حكمه كان يعتبر أن من لا ينافقه فهو عدوه!
أيها الأحباب غير الكرام!
ارحمونا وارحموا أنفسكم، واقبلوا نصيحتنا بإحالتكم إلى مصحات للأمراض العقلية! فالتاريخ لا يرحم. عجلوا بالرحيل يرحمكم الله وترحمكم شعوبكم، واحتكموا إلى صناديق الاقتراع، فالحكم بالغصب رجعي نقاومه حتى وإن لبس الحكام ما لبسوا؛ بنطالًا ورباط عنق أم زيًا عسكريًا أم عمامة أم فوطة أم توزة أم عسيبًا!
أحباءنا السجانين ومجانين السلطة:
نعلم أنكم تظنون أنكم أذكى من خلق الله، وأنكم خلقتم من عرق نقي، واصطفاكم الله حكامًا علينا. تظنون أنكم تقودوننا إلى الفردوس، بينما أنتم تحولون حياتنا جحيمًا. كم نحن حزانى على مصيركم المحزن. فادخلوا التاريخ، وشيعوا الديمقراطية، فالتاريخ لا يرحم؛ فدعوا الأجيال القادمة تترحم عليكم!
عندما تلقون خطبكم الرنانة، تثيرون غثياننا واشمئزازنا. نتقزز حين نراكم ترغون وتزبدون، وتظنون أننا نصدقكم. تصرخون بألفاظ لا تحمل معنى، لتوهموا مستمعيكم بأنكم قد أفحمتم العالم.
أنتم مرضنا وشقاؤنا، رحيلكم هو راحتنا. ارحلوا عبر صناديق الاقتراع خير من الرحيل بثورات الدهماء؛ فما ترونه بعيدًا نراه قريبًا!
هكذا صرتم عذابنا ودواءنا. نتعذب حين تعذبوننا، وحين نراكم تتألمون لأنكم لا تبلغون ما تتطلعون إليه من تحويلنا إلى سقط متاع تورثونه لغلمانكم!
أيها الطغاة غير الأجلاء!
ارحمونا، فنحن نتألم لآلامكم حين تهزمون. هزائمكم مؤلمة لنا لأننا نكره رؤية مخلوق يتعذب بسببنا. شعوبكم من أرومة تمنحهم القدرة على محبة من يستطيعون إيذاءهم، لذا نشفق عليكم، ونتألم لمصيركم المظلم الذي لا تحسبون له حسابًا.
نحن نرى فيكم الفشل والضعف، ونتألم منكم كما تألمنا ونحن نشاهد مصير أسلافكم المذكورين آنفًا، لقد حزنّا عليهم كما كنا نحزن على ضحاياهم من النخب والقادة والمشايخ، فقد كانت مآسيهم تذكرنا بمصائر آخرين من طغاة العالم.
نحن نشعر بالحزن لأن كلًا منهم كان يقول إنه يختلف عمن سبقه، وأن بلاده غير بلاد من سبقه؛ ولذا حقيقة نتعذب بعذابكم، سواء انتصرتم علينا أو انهزمتم، لأن خروجكم من السلطة لا يتحقق إلا بخراب مدننا؛ وكما قال أحدهم بأن الحاكم العربي كومار يطلع آخر دور في مبنى من الطين؛ فلا يتسنى إنزاله إلا بهدم المبنى! إذن، نحن نخسر برحيلكم قسرًا!
اثبتوا حسن نواياكم، وأخلوا سجونكم في كل سلطاتكم (سلطات الواقع) من المساجين، وأفرجوا تحت شعار الكل مقابل الكل! ونؤكد على أهمية تنفيذ اتفاقيات السلام. أوفوا بالعقود، فمخرجات الحوار ومسودة الدستور والجلوس على طاولة الحوار ووقف الحرب نهائيًا وتحقيق سلام مستدام؛ والاتفاق على التنافس البرامجي بين مختلف الأحزاب البرامجية؛ ويكون الدين لله (حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)، والحكم للشعب بالشورى، واليمن تتسع للجميع!
ندعوكم لأن تكونوا سببًا في إصلاح أنفسكم وشعوبكم، فأنتم الداء والدواء، وجودكم يمثل مرضًا، ورحيلكم هو العلاج.