صنعاء 19C امطار خفيفة

النداء: عشرون عامًا من الاستقلالية والصمود

 عالم تتأرجح فيه المبادئ الصحفية تحت وطأة الضغوط، تبرز صحيفة "النداء" كصوت مستقل، وصرح من النقاء الصحفي الذي صمد أمام العواصف والمغريات. فمنذ انطلاقتها قبل عشرين عامًا، لم تكن "النداء" مجرد وسيلة إعلامية تنقل الأخبار، بل جاءت كنموذج حقيقي للصحافة الحرة المنحازة لقضايا الناس، حملت على عاتقها مسؤولية تمثيل همومهم، ونقلت تطلعاتهم وآمالهم دون تردد أو انحياز.

وجاءت مسيرة هذه الصحيفة تحت قيادة الصحفي المتميز الأستاذ سامي غالب، الرجل الذي أخلص لمهنة الصحافة بكل جوارحه، وجعل من "النداء" رمزًا للجرأة والشرف الصحفي، والمثال الأبرز على الإعلام الجاد والمهني الذي يلتزم بالقيم الإنسانية ويدافع عنها.

 

لقد استطاع سامي غالب أن يجعل "النداء" صحيفة مختلفة بحق؛ صحيفة نشأت حرة واستمرت حرة، مستندة إلى ميثاق شرف صارم وضعه لها منذ بداياتها، وهو ميثاق حرصت على الالتزام به مهما كانت التحديات. لم تتردد الصحيفة في الصدح بمواقفها الواضحة، ولم تقبل المساومة على مبادئها رغم كل العروض والإغراءات السياسية والمادية التي طرحت أمامها. وكانت هذه الصلابة والانحياز الكامل للناس هو ما جعل منها "مايكرفون الفقراء وسجادة النبلاء ولسان من لا صوت لهم"، كما وصفها الصحفي القدير الأستاذ عبدالرحمن بجاش.


قاد سامي، مسيرة "النداء" بحكمة وحنكة، فجمع بين الالتزام العميق بأخلاقيات مهنة الصحافة، وبين الشجاعة في مواجهة كل الضغوط. فكانت الصحيفة صوتًا مستقلًا ونزيهًا، لا يميل إلى تيار أو يتراجع أمام سلطة، بل وقفت دائمًا في صف الناس، معبرة عن همومهم، ومناضلة من أجل قضاياهم. لم يكن سامي يسعى خلف المكاسب، بل كان هدفه أن يخلق منبرًا يعبر بحق عن أصوات اليمنيين، وينقل مطالبهم، ويحقق آمالهم، بغض النظر عن التحديات والمخاطر.


مع كل عدد يصدر، كان سامي غالب يجدد عزمه على الصمود؛ فعندما كانت تطرح التساؤلات من قبل مسؤولين حول تمويل الصحيفة، كان سامي يبتسم ويؤكد أن تمويلها الحقيقي هو "إيمانها بمبادئها"، وكثيرًا ما أحيطت الصحيفة بالشائعات التي ادعت دعمها من أطراف محلية أو أجنبية، لكنها صمدت أمام كل تلك الأقاويل، وواصلت صدورها مدعومة فقط بإيمان فريقها برسالتها، وبإسهامات متواضعة من أصدقائها وداعميها المخلصين الذين يشاركونها الرؤية والرسالة.


وضعت "النداء" ميثاق شرف صحفي، منذ بداياتها، وحرصت على الالتزام به رغم كل المغريات والضغوط السياسية. وكان هذا الميثاق رمزًا للنزاهة والالتزام الحقيقي بقيم الصحافة. تمسكت "النداء" بميثاقها في مواجهة جميع الأطراف، بما في ذلك النظام الرسمي وأطراف سياسية أخرى حاولت استمالتها.

 وفي لحظات كثيرة كان لرفض "النداء" لهذه العروض ثمن باهظ جعلها تتعرض للقمع، ودفعت كثيرًا نتيجة استقلاليتها، إذ تعرضت مكاتبها للمداهمات والضغوط الأمنية، وتعرض فريقها للتهديدات، إلا أنها لم تتراجع عن موقفها، ولم تتخلَّ عن ميثاق شرفها.


هذا الالتزام هو ما أكسب "النداء" مكانتها المرموقة في الوسط الصحفي، وأصبحت صوتًا مناصرًا للعدالة، ورافضًا لأية مساومة قد تمس بكرامتها أو انحيازها للناس.


لم يكن طريق "النداء" سهلًا؛ فقد واجهت الصحيفة خلال سنواتها الورقية تحديات هائلة. كان النظام يراقبها عن كثب، وكانت تعد من أبرز الصحف المعارضة التي رفضت التماشي مع توجيهات السلطة. وتعرضت مكاتبها للمداهمات، وأخذت أجهزة ومعدات مهمة من مقرها، في محاولة للتضييق على عملها. ورغم ذلك، كانت "النداء" تستمر في الصدور، بفضل إيمان فريقها المتميز بعدالة رسالتهم، وحرصهم على أن يكونوا لسانًا صادقًا للمظلومين والمهمشين في البلاد. وتصدت للضغوط التي كانت تمارسها السلطة عليها بإصرار كبير على كشف الحقيقة. ووقف فريق الصحيفة ثابتًا، رافضين التخلي عن خطهم التحريري أو ميثاق شرفهم الصحفي، بل استمروا على طريق النزاهة والاستقلالية، مترفعين أمام كل محاولات التأثير عليهم بالمال أو التهديد.


جاءت "النداء" بصوت قوي ومؤثر، وكانت بمثابة نداء حقيقي لكل يمني، إذ عبرت بصدق عن معاناة الناس وطموحاتهم. وكانت بحق كما يقول عنها بجاش، "مايكرفون الفقراء وسجادة النبلاء ولسان من لا صوت لهم". هذا الوصف الدقيق يعكس دور الصحيفة في تسليط الضوء على قضايا الناس البسطاء والمحرومين، وهو ما جعلها تحظى بثقة واسعة من جمهور القراء.


احتفظت الصحيفة بمصداقيتها رغم الصعوبات، ورفض فريقها كل إغراءات التمويل السياسي، وواجهوا الضغوط بمسؤولية وشرف، وقدموا نموذجًا يحتذى به للصحافة الحرة التي لا تخضع لمغريات السلطة ولا لمصالح الأحزاب.
لقد أوجدت "النداء" لنفسها مساحة حقيقية في قلوب اليمنيين، وتمسكت بمواقفها النبيلة في سبيل إعلاء الحقيقة، وصارت رمزًا للإصرار، أثناء إصدارها الورقي (2004-2011)، أو الإلكتروني، إذ أصبحت "النداء" مرآة تنقل هموم الشعب وآلامهم، وتقف بجانبهم كمنبر حر وشجاع رفض المساومة بقضاياهم.


في الذكرى العشرين لصحيفة "النداء"، نقف أمام مسيرة ملهمة قدمت فيها الصحيفة نموذجًا فريدًا للصحافة النزيهة المنحازة لقضايا الشعب. كانت "النداء" وستظل صوتًا للأحرار، منبرًا للمظلومين، ونداء صادقًا لكل يمني. ولايزال الأمل حاضرًا في أن تواصل "النداء" مسيرتها رغم التحديات، وأن تبقى شاهدًا على قدرة الصحافة الحرة على الصمود، ورافعة لكلمة الحق في وجه كل طغيان.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً