صنعاء 19C امطار خفيفة

رسالة إلى الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في تحالف الأحزاب والقوى السياسية اليمنية

الإخوة الأعزاء قادة وممثلي الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في لقاء عدن التأسيسي لتحالف الأحزاب والقوى السياسية اليمنية، يسعدني أن أبارك مبادرتكم هذه التي أرجو ومعي ملايين اليمنيين أن تمثل بداية صادقة وأمينة للعودة المسؤولة والشجاعة إلى دوركم الوطني الحاسم بعد غياب طويل، لقد مهد غياب وتهاون القوى الحزبية اليمنية الطويل طريق اليمن الزلق نحو الهوة التي تستقر في قعرها الآن، والتي أوجدها قبل ذلك وبعده تهاون الدولة اليمنية عن القيام بواجب الحفاظ على كيان اليمن وعلى مصالحه الوجودية، بما في ذلك اتباع نهج استرضائي تفريطي مرتبك وضعيف عند مقارباتها لخيارات اليمن المصيرية، أهدرت خلاله حقوق ومصالح الشعب اليمني ومرتكزات دولته بشكل منتظم مرة بعد مرة منذ أكثر من اثنتي عشرة سنة. إن غياب الأحزاب، بل تماهيها الواضح الجلي مع ذلك النهج، ومع إرادة تغييب البرلمان، وتجميد الدستور، وتهميش وإرباك مؤسسات الدولة الدستورية، وتسفيه قيم الوطنية والنزاهة، والقبول في علاقات اليمن مع دول التحالف العربي الشقيقة، بموقع التابع الطائع الكسير، والتغاضي عن الفساد، وتبني معايير تبريرية مصلحية مبتدعة للوطنية وللولاء الوطني، لا ترفض سلطة المال السياسي الأجنبي، ولا دوره في ملشنة اليمن، كل ذلك قد أسهم في تخليق حالة الخذلان والهشاشة التي بدت عليها الدولة اليمنية من ناحية، وحالة الإحباط والتوهان والإحساس بالعجز التي هي سمة الوعي السياسي والمجتمعي العام لدى الغالبية العظمى من اليمنيين، وحالة التنمر والاستخفاف والبلطجة التي يمارسها الأعداء الخارجيون والداخليون ضد اليمن شعبًا وأرضًا ودولة، وضد مستقبل اليمن الوجودي ككيان، وضد سيادته على أرضه، وضد كرامة اليمنيين وحقهم المبدئي بالدولة والوحدة والكرامة والسلام والازدهار.
 
من البديهي، أيها الأعزاء، أن لدينا كيمنيين مصلحة استراتيجية ووجودية كبرى في نجاحكم، وحافزًا كبيرًا لدعمكم بكل ما نستطيع، ولكن وأصدقكم القول ونحن في موقف أمانة وصدق، وأغلبكم هم ممن أعتز بصداقتهم وزمالتهم، إن التجارب الواقعية، والسياق المنطقي والموضوعي للأحداث، لا يبقي لدى اليمنيين مجالًا واسعًا للثقة والأمل، لا بالأحزاب والنخب السياسية ذاتها، ولا بواقعية تماهيها مع شواهد الواقع ومكنونات الوعي المجتمعي العام، بخصوص حقيقة التحديات الوجودية والمواقف العدائية الراهنة تجاه اليمن، والمعايير الصحيحة المفترضة لتصنيف أعداء وأصدقاء اليمن، ولا بصدق التزامكم بالتعاطي الفعال والأمين مع هذه التحديات على قاعدة المصلحة الوطنية المجردة، وبغض النظر عما يعنيه ذلك بالنسبة للمنافع المادية المباشرة الشخصية والحزبية، وما يتبع ذلك من معايير الرضا والقبول...!
مع ذلك، فهي ومضة أمل، ونحن نصلي وندعو الله أن تكون هذه بداية نوعية جديدة صادقة وجادة، وخطوة حقيقية على طريق النجاة وعودة الدولة اليمنية، فإذا كان هذا هو ما تنوون وما وطنتم أنفسكم على فعله، (وحبل الكذب سوف يكون قصيرًا جدًا في هذه المرة)، فاسمحوا لي أن أسهم برأي موجز ومتواضع بشأن بعض شروط النجاح اللازم توفرها في مرحلة الانطلاقة الحاسمة هذه على وجه الخصوص، وذلك بعد التأكيد على أنه لا مجال ولا أمل في فعل شيء مهم في مسعاكم هذا، إن لم تصلحوا أمركم مع الشعب، وإن لم تتخذوه عضدًا ودليلًا، وهذه الشروط هي كما يلي:
استعادة ثقة الشعب بكم وبدوركم كأحزاب، ويقتضي هذا أولًا: الثقة بواقعية وصواب تمثلكم لمخاطر الاستهداف الوجودية الماحقة التي تحيق باليمن ككيان مستقل كامل السيادة، وبوحدته، وبمقومات دوره المستقبلي إقليميًا ودوليًا، وبالمرتكزات الأساسية لبناء دولته الديموقراطية، والمرتكزات الأساسية لتحقيق السلم المجتمعي القائم على العدل والحقوق المتساوية مطلقًا بين جميع اليمنيين، أي بتماهي رؤيتكم مع ما يشهد به الواقع ومع قناعات اليمنيين العامة بشأن ماهية ما يواجه اليمن من المخاطر والتحديات، وبمن يصح أو لا يصح أن يصنفوا كأعداء أو كأصدقاء لليمن. ثانيًا: استعادة ثقة الشعب بصدق التزامكم الوطني، وتجردكم للدفاع المستميت بلا هوادة عن كافة حقوق ومصالح اليمن السيادية والوجودية (ضد كل من يستهدف اليمن بلا استثناء مهما بلغ سخاؤه أو شدة بطشه)، وبصواب أولوياتكم النضالية في إطار هذه المهمة التاريخية لإنقاذ اليمن. أي بجدارتكم بدور المنقذ الصلب العنيد، بعيدًا عن تأثيرات المصالح الانتهازية، والمال السياسي الأجنبي، أو ممارسات القمع السياسي المبرمج، ولزوم تخلي العديدين عن طبع التخفي المفضوح وراء دعاوى الحكمة والواقعية، التبريرية، لتغطية وقائع التفريط المتكرر بمصالح اليمن الوجودية، أو التحول إلى مراكز نفوذ محلية مرتبطة للمتاجرة الفعلية باليمن، بحسب متطلبات السوق، وأن تستوعبوا أن دور الأحزاب الدستوري لا يتضمن تمثيل اليمن في الخارج، ولا تمثيل مصالح الخارج في اليمن، وهي ممارسات تعد خيانية وفقًا لمعظم دساتير العالم، وإنما حماية المصلحة العامة والسيادية للدولة، عبر تقوية وتصويب دور الدولة الوطنية في خدمة الصالح العام، ومنع انحرافها عن جادة المصلحة الوطنية المجردة بكل وسيلة.
 
 استعادة ثقة قواعدكم الشعبية بكم كقادة وكنخب قيادية، في ظل تحديات المرحلة الصعبة، ويقتضي هذا أن تغادر قيادات الأحزاب وأحزابهم مواقع النعمة والدعة هنا وهناك، والعودة الحاسمة إلى مواقع نضالها الواجب وبين صفوف جماهيرها، والقبول بما يليق بالقادة من نصيب مضاعف من المعاناة التي أصبحت قوت اليمنيين اليومي، وتقديم المثل الأعلى في التضحية والنزاهة ونكران الذات، وهو ما يوجب على الأحزاب الصادقة أن تخضع قياداتها للغربلة والتمحيص الجاد على أساس هذه القاعدة، وأن تشترط في من يتجرد لمهمة القيادة صدق الولاء وصدق الاحتساب، والاستعداد النبيل لقبول المعاناة والتضحية، ومن عجز عن ذلك من القادة الحاليين فليتنحَّ، ومن أراد التوبة فتلك هي الطريق إلى الواجب وإلى الكرامة وإلى مرضاة الله والناس، وسيجد نفسه في مواجهة أعداء كثر خارجيين وداخليين، صريحين ومشفرين، هم جل الفاعلين الحقيقيين على الساحة اليمنية تقريبًا، وهم موفورو الموارد من كل نوع، مسكونون بطبع الغدر والكره لليمن واليمنيين، وهم خلو من الضمير ومن الإنسانية ومن الدين الحق، ومن أي اعتبار لحقوق وكرامة اليمنيين، لن يردعهم شيء غير صف اليمنيين الموحد الواعي.
 
ليست هذه مسائل سهلة أبدًا، غير أن لا بديل عنها للقيام بدوركم المفترض الفاعل في إطار هذا التحالف الوليد، متمتعين بالدعم والولاء الشعبي، ورأيي أن ثمة مواقف وخطوات سوف يكون من شأنها إنارة الطريق وتسريع جسر الهوة بينكم وبين الشعب ومع قواعدكم الحزبية، من أهمها بحسب ما أرى إعلان تحالفكم الصريح والواضح عما يلي:
التمسك بلا هوادة بالسيادة اليمنية كاملة وغير منقوصة على كل ذرة من التراب اليمني وكل قطرة ماء يمنية، وباستقلال القرار السيادي اليمني، وجعل المصلحة الوطنية والعامة كما يراها اليمنيون هي الغاية الحصرية للحكم والإطار الناظم الوحيد لدور الدولة اليمنية.
 
التمسك بالنظام الجمهوري وبمبادئ المواطنة المتساوية والفرص المتساوية والتداول الديمقراطي السلمي للسلطة وسيادة القانون على جميع اليمنيين بلا استثناء وبلا تفريق.
أن تلتزم الأحزاب جميعًا بنهج السلام الذي يجمع ولا يفرق ويصون ولا يمزق ويعلي كرامة اليمن واليمنيين ويحقق المساواة والعدل الكاملين في ما بينهم، ويؤسس قواعد صلبة لجسور التعاون والتكامل القائم على الندية والمصالح المشتركة مع جوار اليمن العربي أولًا والإقليمي ثانيًا وبلا استثناء، والتأكيد على أن هدف السلام هو هدف اليمنيين الجامع وغاية نضالهم المشتركة والأمانة الراسخة على الأعناق، وهو مهمة وطنية يمنية لا بديل عنها ولا بديل عن الحوار اليمني -اليمني القائم على إعلاء مصالح اليمن والمنزه عن التدخلات الخارجية والأغراض الانتهازية النفعية تحت راية الدستور وأسس المشروعية الدستورية كطريق نحو هذا السلام.
 
رفض الفيتو الأجنبي والمحلي على البرلمان اليمني بمجلسيه، وعلى دوره الدستوري، وعلى الدستور ذاته، واعتبار هذا الفيتو بمثابة فيتو على الدولة اليمنية، وعلى الديمقراطية، وعلى النظام الجمهوري، وتعطيلًا فعليًا للدستور، ومساسًا خطيرًا بالسيادة اليمنية.
 
التمسك بحق اليمن في بناء دولته الوطنية وفقًا لما تمليه مصالحه وخيارات أبنائه، ورفض أي فيتو أو تدخل خارجي في هذا الشأن من أي كان.
التمسك بلا هوادة بالوحدة اليمنية والالتزام بالدفاع عنها وعن النظام الجمهوري وعن الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وبكل الوسائل، وأخذ موقف وطني مسؤول تجاه ممثلي الخارج من مروجي الفتنة المجتمعية وتفتيت اليمن وتعطيل مؤسسات الدولة وتبرير الهيمنة الأجنبية على الأرض اليمنية، واعتبار التعاطي مع أي من هذه القضايا خارج أطر الشرعية الدستورية أو في ظل الظرف الاستثنائي الراهن لليمن بمثابة عدوان على السيادة وعلى الدستور ومصالح الشعب الأساسية.
التمسك بقيم الوطنية والنزاهة، وبأن يكون العمل السياسي والعام متجردًا لخدمة المصلحة العامة للشعب وأهداف السياسة العامة وتحت مظلة الدستور، وإعلان التجيير الانتهازي للوظيفة العامة أو النفوذ السياسي العام، بما في ذلك تلقي المال السياسي الأجنبي أو الاستحواذ على المال العام، عملًا مدانًا منافيًا للدستور ولصدق الولاء الوطني، ويوجب المساءلة والحرمان من الوظيفة العامة، ورفض اعتبار صدق ولاء اليمنيين للخارج أيًا كان معيارًا مقبولًا للوطنية اليمنية، وتخوين اليمنيين أو معاقبتهم على أساسه.
 
دعوة الأحزاب لممارسة عملية تقييم وتمحيص ونقد ذاتي لتجديد طواقمها القيادية على ضوء معطيات تجربة السنين الماضية، وفي ضوء معايير النزاهة والكفاءة ونكران الذات والولاء الوطني الواجبة الاتباع.
 
إخواني الأعزاء، لن تكون مهمتكم سهلة، ولن يترككم أعداء اليمن للقيام بما تريدون، ولن تحققوا أي إنجاز إلا بشجاعتكم وتوحدكم، ورفض الخضوع للضغوط أو الإغراءات مهما كانت، والخطوة الأولى المهمة سوف تعتمد على صدق توحدكم وجديتكم، وعلى توفر قيادة شجاعة وصلبة ومقنعة لتحالفكم، تكون عصية على الترهيب والترغيب، حازمة وجادة وغير تصالحية أبدًا مع الخطأ والتفريط المصيري، عندها سوف يتجدد لدى اليمنيين الأمل، وعندها لن توجد قوة قادرة على أن تنتزع أعلام الجمهورية اليمنية من أكف اليمنيين أبدًا، ولن تتسع سجون ولا ساحات صنعاء وعدن لحملة الأعلام اليمنيين المستعدين للدفاع عنها عالية مرفرفة حتى النصر.
 
ولا أظنني أحتاج -إخواني الأعزاء، وأنتم العارفون والمعايشون- إلى شرح وسائل الاستهداف العدائي الماكر تجاه اليمن، ومع ذلك أؤكد على النقطتين التاليتين: 
أن السلاح الذي يعول عليه جميع المتورطين في مهام استهداف اليمن من الخارجيين والداخليين، على اختلاف مشاربهم، وعلى اختلاف مجالات استهدافهم، هو الفتنة الداخلية بمختلف أنواعها التي من أجلها ابتدعت الملشنة الانتهازية وبث الفرقة والشكوك بين اليمنيين، وهو بالتالي وإلى حد كبير الخناجر والحناجر المشبوهة والحاقدة والفاسدة لليمنيين أنفسهم.
 
أن الوسيلة لكل أنماط الاستهداف هي عزل اليمن وتسويره كفناء مشتعل مغلق تلتهب فيه ومنه عواصف العنف ودوامات الفتنة والكراهية والخوف والحقد المتبادل المخلقة زورًا وعمدًا بين أبنائه، وجعل أمره موكولًا إلى أهل الولاءات المشبوهة من أبنائه لإبقائه كما هو وحيث هو، ومدهم بما يلزم من النار والبارود لفعل ذلك، ومن ثم العمل الدؤوب على مأسسة بنية الصراعات وتعميقها، وشرعنة أطرافها، وتقوية أدواتها وهندسة الطروحات الهادفة لإذابة اللحمة الوطنية والولاء الوطني، وتلغيم الوعي العام بعناصر الفتنة السياسية والمذهبية والمناطقية وأوهام الغبن، والغاية من كل ما سبق هي شرعنة ليس فقط عناصر الاستدامة في دوامة الدمار التي تعصف باليمن واليمنيين، ولكن مخرجات فعل هذه الدوامة الرهيبة أيضًا، بما في ذلك تفتيت اليمن واستعمار ما يختارونه لأنفسهم منه.
 
وعليه، فإن وأد الفتن ورص الصفوف وتنقية الوعي المجتمعي من الضلالات، ومن الأوهام المدسوسة، وتجسيد وحدة اليمن واليمنيين أرضًا وشعبًا ووعيًا وضميرًا وساحة بناء وجبهة دفاع، هو مهمة مقدسة لكل اليمنيين، وينبغي أن يكون لكم دور ريادي في إطارها.
 
 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً