- كان لدى "الزميل" علي الشاطر ما يبحثه معي؛ سألني دون مقدمات: من يمولك يا سامي؟
- صديق قابل مسؤولا في قيادة الامن القومي قال لي ان لديهم يقين بأنك تتسلم اموالاً من اطراف محلية واجنبية، فنصحته ان يزور المطبعة!
- زميل عزيز قال لي ان قياديا في الامن طلب منه التقدم للعمل في النداء، فرفض!
- عروضا وردت من علي محسن الأحمر من حيث لا احتسب!
- قال لي بشير السيد ان قامته اطول من كل أولئك الذين يشترون الصحف والصحفيين!
- وردتني مكلمات من مسؤولين تشكو محرري النداء لأنهم يرفضون تسلم أموال منهم!
- سألني زميل بصوت مسموع عن سر اعجاب حميد الأحمر بـ"النداء"، قلت له لأنه لا يمولنا!
- التاجر اليمني لا يعلن في صحيفة بغرض الترويج لسلعة بل بدافع استمالة الصحفي او تجنب الصداع الذي تتسبب به صحيفته.
- بدلا من سلطة مقيدة بحد أدنى من الالتزامات تجاه الشعب اليمني بتنا في قبضة ميليشيات لا تحتكم إلا لأمزجة قادتها وإلا لتعاليم الأشقاء الأقارب…والأباعد.
.................................
في سنوات الإصدار الورقي لـ"النداء"، كان السؤال الذي يلح على الوسطين السياسي والصحفي، هو: من يمول "النداء"؟
الحق أن السؤال بصيغة ثانية كان يفرض نفسه علي شخصيًا كل عام: إلى متى ستستمر "النداء" في الصدور؟
وأحيانًا يأخذ السؤال صيغة تحفيزية:
كيف صمدتم، أنت وزملاؤك، كل هذا الوقت؟
كيف؟
أذكر لقاء يتيمًا في مكتب الراحل العميد علي حسن الشاطر، في ربيع 2006، أي بعد صدور 40 عددًا من "النداء". كان اتصل بي في الثامنة من مساء اليوم السابق، يدعوني إلى زيارته في مكتبه في الثامنة من صباح اليوم التالي.
في الموعد قال لي بلغة مباشرة إن "النداء" نشرت في عدد الأسبوع الماضي خبرًا عن إسقاط طائرة عسكرية (في صعدة)، والاتجاه في السلطة هو ملاحقة "النداء" قضائيًا، لكنه طلب من المعنيين التريث، فهو يعرف سامي رئيس التحرير، ويمكن معالجة الأمر دون حاجة إلى اللجوء إلى القضاء.
شكرت له موقفه ملتزمًا بتصحيح الخبر في العدد الجديد لمجرد تأكد الصحيفة من عدم دقته. وزدت موضحًا أن الأمر لا يستدعي حتى ردًا من الوزارة.
كذلك كان الاتفاق. لكن كان لدى "الزميل" علي الشاطر ما يبحثه معي! سألني دون مقدمات: من يمولك يا سامي؟
قال: أنا صحفي، وأعرف ماذا يعني إصدار صحيفة أسبوعيًا. وأردف: أنا شخصيًا أحترمك، وأعرف معدنك، لكن لا تحاول أن تقنعني بأنك تنفق على "النداء" من مالك الخاص!
كان متبسطًا معي وهو يستعرض بعض الإصدارات، ومصادر تمويلها، آملًا أن يجد مني الجواب الصريح والشافي.
قلت له إن "النداء" لا يمولها أحد. لكن هناك أصدقاء يساهمون عبر تبرعات صغيرة من وقت إلى آخر. وأضفت أن من الصعب عليّ أن أفند نفقات الإصدار الأسبوعي، لكن عليه أن يذهب بخياله إلى أدنى رقم ممكن لإنفاق أسبوعي لصحيفة أسبوعية أهلية، وبعد ذلك عليه أن يجري عملية حسابية بسيطة، وهي قسمة الرقم على 10، وحينها سيتحصل على ميزانية العدد الأسبوعي من "النداء".
ابتسم.
وقال بنبرة ودودة: تأكد يا سامي أنني شخصيًا أحمل لك الكثير من الاحترام، وليس لديّ مطلب خاص (كممثل للسلطة)، وثق أن التوجيه المعنوي (في وزارة الدفاع) وإمكانات صحيفة "26 سبتمبر" (الناطقة باسم الوزارة) متاحة لك في أي وقت تحتاج إليّ. شكرت له لطفه وتفهمه، وودعني على وعد لقاء.
قبل 7 شهور من اتصال الشاطر، كان جهاز الأمن القومي أدار عملية رفيعة ومتقنة (عليّ أن أعترف) ضد "النداء" ومكتب الزميل القدير أحمد الحاج، مراسل "الأسوشيتد برس"، حيث كان يتم تجهيز العدد الأسبوعي. وتم السطو على معدات النداء (وهي لا تعدو جهاز إخراج ماكنتوش لم يستخدم بعد) وأجهزة عديدة تتبع مكتب العزيز أحمد. وتلى ذلك محاولات محمومة لتجنيد عاملين من المكتب أو من خارجه، لصالح الجهاز.
بعد عدة أيام زارني صديق عزيز قابل مسؤولًا في الجهاز الأمن، وقال إن قيادة الأمن القومي لديها يقين بأنك تسلمت أموالًا من أطراف محلية وخارجية بحدود نصف مليون دولار!
ضحكنا من ردة فعل صاحبي، إذ قال للمسؤول الأمني ناصحًا: "عليك أن تبكر غدًا إلى دار الطباعة (حيث تطبع "النداء") لتدرك وضع "النداء" المالي".
شملت خطة اختراق "النداء"، محاولة تجنيد أشخاص في طاقم الصحيفة، والدفع بزملاء من الوسط الصحفي للعمل في "النداء"، وبين هؤلاء زميل لم أكن أعلم أنه متعاون مع جهاز أمني، وهو قال لي إنه رفض بشكل مطلق فكرة الالتحاق بالصحيفة لأجل أن يكون مصدرًا من الداخل! حجته التي أوردها لمسؤول رفيع في الجهاز في مقام الاعتذار عن عدم العمل في "النداء"، كانت أنه لا يستطيع الإضرار بصديقه سامي!
صدقته.
وشكرت له هذا الموقف.
كان الهدف هو رصد الممولين السريين المفترضين لدى وحدة التخطيط الاستراتيجي داخل الجهاز الجامح!
بعد رقابة مستمرة وتفتيش مكتب الزميل أحمد ومحاولات التجنيد، ثم التسلل بطريقة ما إلى المكتب وأخذ كل ما يمكن أن يحتوي على وثيقة أو قصاصة تبرهن على تمويل ما، قرر الجهاز الأمني إنهاء "العمليات الميدانية"، وسحب مخبريه من موقع المكتب ومقر الصحيفة.
في السنوات 2006 وحتى 2011، انتظمت الصحيفة - باستثناء حملة السلطة على الصحافة الأهلية في صيف 2009 بدعوى الحفاظ على الوحدة اليمنية- قبل أن تتولى مليشيات مؤيدة للرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، وضع حد للإصدار الورقي في يونيو 2011، عبر محاصرة مكتب "النداء"، وإطلاق التهديدات بقتل رئيس التحرير، ثم، بعد شهور من التوقف، تم اقتحام مكتب النداء ونهب كل اجهزته.
والحق أن بعض العقود الإعلانية ساعد "النداء" على الصدور، لكنني دائمًا ما كنت أنظر إلى الخلف، وأبتسم، والسؤال يحضر بصيغة ثالثة: أية قوة مكنت زملاءك وزميلاتك في "النداء" من الصمود 6 سنوات؟
يحضرني الآن بشير السيد، رحمه الله. فتغطية الصحيفة اثناء الحرب السادسة في صعدة تضمنت تقارير ومقالات تنتقد ممارسات علي محسن الأحمر (قائد المنطقة الشمالية الغربية وقائد الفرقة الأولى مدرع)، وكان الأحمر حريصًا على تبييض سجله عبر استمالة صحف معارضة وأهلية.
ولما كنت غير متواجد في صنعاء، فقد تولى بشير السيد وهلال الجمرة وحمدي عبدالوهاب مهمة متابعةالأمر. ويبدو أن "القائد" كلف مساعده عسكر زعيل بالتفاهم مع "النداء". وتم ترتيب لقاء في منزل زميل من خارج "النداء". وانتهى اللقاء إلى وعد بلقاء آخر.
قال لي هلال الجمرة إن زعيل زارهم، بغتة، في المكتب، بعد أيام، حاملًا عروضًا على الأرجح. قدم على غير موعد، وقد واجه الحقيقة جهارًا نهارًا؛ كان بشير وحمدي وزملاؤهما يفترشون الأرض لتناول الغداء، وهذا عبارة عن علبة تونة وأقراص خبز تم شراؤها، دَينًا، من بقالة في الجوار. ذلك كان كفيلًا بإقتاعه!
والحاصل أن عروضًا وردت لي شخصيًا من معسكر علي محسن الأحمر، بعضها جاء من حيث لا أحتسب!
لكي تكون صحفيًا مستقلًا، وتدير صحيفة حرة، عليك أن ترفض المال السياسي والتمويلات غير القانونية. وهذه قد تأتيك من مراكز قوى في السلطة بزعم أنه دعم مستحق لشخص "وطني"! ولك أن تقدر كيف تصير "الوطنية" بضاعة الحاكم (والسياسي) التي يحترف بيعها. ويمكن أن تأتيك عروض الشراء من أحزاب، ومن سفارات. ويحصل أن تعتذر عن نشر أخبار وتسريبات تنال من شخص أو جهة أو دولة، فتستغرب أن التسريبات التي رفضت نشرها، منشورة بالنص، وعلى مدى الأيام التالية، في صحف حكومية وحزبية وأهلية!
وعودًا إلى بشير وزملائه الكرام؛ قال لي، يوما، إنه يشعر بأن قامته أطول من كل أولئك الذين يشترون الصحف والصحفيين.
وردتني مكالمات من رؤساء مصالح حكومية ومؤسسات وشركات تجارية، يشكون فيها زملاء وزميلات من "النداء"، لأنهم يرفضون قبض أموال منهم!
ولست في صدد تفنيد حالات، لكني أبتسم الآن وأنا أتذكر ظهيرة أحد الأيام عندما وردني اتصال من مدير علاقات في شركة، يشكو تصرف بشير الجارح إذ رفض أن يستلم مكافأته من الشركة. وقد اعتذرت للصديق، طالبًا منه ألا يتحسس من تصرف بشير، فهو التزم قواعد السلوك الصحفي المعتمدة في الصحيفة (ميثاق الشرف).
وفي مناسبة أخرى، اتصل بي صديق عزيز يبلغني عتاب رئيس الهيئة العامة للبيئة، الذي تعرض لإهانة من الزميلة بشرى العنسي!
لم أصدق ما أسمع.
أضاف أن بشرى رفضت مكافأة من رئيس الهيئة الذي كلف مدير مكتبه بأن يسلمها الصحفية لحظة مغادرتها مكتبه.
قلت للصديق أن يبلغ رئيس الهيئة أن زميلتي لم تتقصد إلحاق إهانة به، لكنها ملتزمة قواعد وأخلاقيات مهنة الصحافة، وأعظم خدمة يمكن أن تقدمها لها ولـ"النداء" أن تعينها على أداء مهمتها كمحررة لصفحتها الأسبوعية في "النداء".
والحق أن رئيس الهيئة وموظفيها في فروع الهيئة بالمحافظات وجزيرة سقطرى، استمروا في التعاون معها.
يا له من تكريم أن تحاط بزميلات وزملاء يسبقوك إلى الاستقلالية والنزاهة واحترام النفس والقارئ. يا للفخر والاعتزاز بكل واحد منهم.
في مقام الحب والزمالة، نتذكر بإجلال الزملاء فهمي السقاف وبشير السيد ومحمد عبده العبسي. وأتقدم بالشكر والامتنان للزملاء والزميلات الذين عملوا في "النداء"، في فترة الإصدار الورقي (2004-2011)، وفي الصدارة الزملاء حمدي عبدالوهاب، وبشرى العنسي وسعادة علاية، وهلال الجمرة وعلي الضبيبي، والصديقان الجميلان صالح علي (الحنشي) وفضل العقيلي، اللذان زينا صفحات "النداء" برسوم الكاريكاتير الناقدة. وهناك قائمة طويلة من الزملاء والكتاب الذين عملوا وكتبوا في فترات من الإصدار الورقي ثم انتقلوا إلى صحف يمنية وعربية وفي مقدم هؤلاء الصديق العزيز جمال جبران الذي أسس القسم الثقافي في "النداء" الذي صار نقشا في هوية النداء بصفحتين أسبوعيتين باسم "شاشة". ودائما يحضر كتاب وكاتبات النداء، وهم الذين صاروا جزءا أصيلا من أسرة النداء بدءا بالراحل المقيم أبوبكر السقاف وعبدالباري طاهر وأروى عثمان والعشرات من الكتاب والصحفيين المساهمين بالرأي عبر النداء، الصحيفة ثم الموقع.
والى هؤلاء كان المبدع طارق السامعي يشكل خلال وقت قصير الهوية البصرية كمخرج للصحيفة الورقيه، يساعده الزميلان الرائعان سليم الخطيب وعلي الخطيب. وفي القلب من هؤلاء جميعا الخطاط أحمد منصر الذي وضع في ربيع 2004 التصور الأولي لترويسة النداء، وجعل الفنان الراحل عبدالله المجاهد (ابو سهيل) من التصور الأولي جسما نابضا بالحياة؛ ترويسة النداء.
ماذا كسبت "النداء"؟
صدقيتها وثقة القارئ واحترام الجميع.
كذلك، فإني حيال العروض التي جاءت لـ"النداء" من السلطة أو من غيرها، كنت أعتذر عن عدم قبولها، لأنني في الاجتماع الأسبوعي ملزم أخلاقيًا بطرح أي مستجد على أسرة التحرير. وذلك كان كفيلًا بإقناع الطامحين وممثلي الأطراف كافة بأن "النداء" عصية على الشراء.
لا أريد أن أقدم "النداء" كنموذج مثالي، لكن تعين علينا، زملائي وأنا، أن نكرس سلوكًا مهنيًا يضع "النداء" في موقع متفرد يمكنها من العمل دون أي إملاءات.
ويحضرني هنا ما قاله الشيخ حميد الأحمر، القيادي في اللقاء المشترك، في فبراير 2008. عندما جاء لتعزيتي في وفاة والدي، يرحمه الله. كان جالسًا إلى يميني، وبعد عبارات العزاء فاجأني بالقول: نعرف أن الرئيس علي عبدالله صالح ونظامه حاولوا بكل السبل شراء "النداء"، وفشلوا، ونحن بدورنا حاولنا، ولم نتمكن.
استطرادًا، قال زميل بصوت مسموع بينما كنا مشاركين في لقاء بعدن، إن الشيخ حميد الأحمر يقول إن الصحيفة المستقلة التي يحترمها هي "النداء". ثم أن الزميل سألني، ربما بحسن نية: ما سر هذا الإعجاب؟
قلت له: لأننا لا نقبض منه!
———
للاستقلالية ضريبة فادحة، لكننا، أسرة "النداء"، سددناها عن طيب خاطر.
وقد توالت المفاجآت في أبريل ومايو 2011 (عام الثورة المجهضة)، قبل أن يقرر "أنصار الشرعية" -قبل أن يتكاثر الأنصار لاحقًا- فرض حصار على مقر "النداء"، ثم اقتحامها ونهب محتوياتها.
واليوم في الذكرى الـ20 لصدورها، تواجه "النداء" تحديات حالة تستوجب استجابة سريعة. ولما كان الإعلان محجوبًا عن "النداء"، فالتاجر اليمني لا يعلن بغرض الترويج عن سلعة، بل بدافع استمالة الصحفي أو تجنب الصداع الذي تتسبب به صحيفة.
وفي الغالب هو مستعد أحيانًا لدعمك من دون أن يعلن عن منتجه! وهذا مدعاة لبحث الأسباب التي تدفع أصحاب الأعمال إلى الدفع (لوجه الله) عوضًا عن أن يعلن!
وخلال عامين من العمل في الموقع (أكتوبر 2022 -نوفمبر 2024)، تمكنا -بالكاد- من العودة تدريجيًا إلى الجمهور في بيئة مختلفة كليًا عما ألفناه في فترة الإصدار الورقي. وبدلًا من سلطة مقيدة بحد أدنى من الأخلاقيات والالتزامات تجاه الشعب والمجتمع الدولي، بتنا في قبضة مليشيات لا تحتكم إلا لنزعات قادتها، وإلا لتعاليم الأشقاء الأقربين والأباعد.
"هذي نداء للناس" كما وعدنا في افتتاحية العدد الأول في 13 أكتوبر 2004، وقد التزمت أسرة "النداء" وعدها الذي قطعته للقراء؛ لم تخضع يومًا لسلطة أو حزب أو جماعة أو مليشيا، ولم تنصع إلا إلى سلطة مطلقة ووحيدة، هي سلطة الضمير، ولم تحتكم إلا لقواعد السلوك المهني التي انتظمت في "ميثاق شرف" أقرته في أغسطس 2006، ونشر في الصحيفة في 14 أغسطس 2006.
لن نتوقف عن أداء مهمتنا، هذا قدرنا.
لن نحيد عن ميثاقنا، وفاء للناس.
سنواصل العمل من أجل تحسين أداء الموقع، والبحث عن فرص مشروعة لضمان استمرار الموقع.
إلى ذلك، سنشرك قراء "النداء" في الحل عبر فتح نافذة في الموقع في دعم الموقع (الصحيفة) عبر التبرعات الصغيرة، من كل حسب رغبته وطاقته، عبر حسابات "النداء" المبينة في الرابط الآتي: هنا
هذي "نداء الناس المظلومين" كما كتبت في افتتاحية الصحيفة في 25 أبريل 2007، وهي بالحتم "نداء الناس الطيبين"!