صنعاء 19C امطار خفيفة

المولد النبوي الشريف.. بين السياسي والسلالي والطائفي

عشنا وتربينا دينيًا وثقافيًا ووجدانيًا وروحيًا على محبة الرسول الكريم محمد، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومنذ طفولتنا الأولى كنا ومانزال نحتفل بالمولد النبوي الشريف باعتباره جزءًا لا يتجزأ من طقوس حياتنا الخاصة والعامة لنا كأفراد ومجتمع، بعيدًا عن التوظيف السياسي والسلطوي لذكرى المولد النبوي العظيم، وبدون تحويل الذكرى لمناسبة سياسية، وأيديولوجية، لخدمة طرف سياسي مذهبي/ عرقي ضد آخر، والأهم أننا نحتفل ونحتفي بالذكرى باعتبارها نقلت البشرية من الظلام إلى النور، ومن العبودية إلى آفاق الحرية الإنسانية، ذلك أن المولد النبوي يذكرنا بالعدالة والمساواة بين الناس جميعا، وليس المسلمين خاصة، المولد النبوي ذكرى عطرة للدفاع عن الحق، وعن الكرامة الشخصية للبشرية الإنسانية قاطبة.. ذكرى المولد النبوي تدلنا وتذكرنا بطرق ووسائل مقاومة الاستبداد والتمييز العنصري، وأن لا فرق بين الناس، إلا بـ"التقوى"، وفقًا للنص القرآني الكريم.

 
قصيدة حسان بن ثابت، وشعر عبدالله بن رواحة، من أجمل نصوص الاحتفاء بالمولد النبوي، من ذلك الزمان النبوي حتى يوم الناس هذا، جميع المسلمين، يرددون مع عبدالله بن رواحة: "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع...
وهي كلمات احتفائية مانزال نرددها في جميع مناسباتنا الدينية.
 
وقصيدة "البردة"، الميمية، للشاعر محمد بن حماد بن سعيد البوصيري، التي يقول في مطلعها:
أمن تذكر جيران بذي سلمِ
مزجت دمعًا جرى من مقلةٍ بدمِ
والبردة في تاريخ الشعر العربي/ النبوي، أي في المديح/ المدائح النبوية، باقية وخالدة في ذاكرة الأجيال منذ ذلك القول حتى يومنا هذا، وإلى ما سيأتي من الأيام.
وصولًا إلى المئات، إن لم تكن الآلاف من القصائد الاحتفائية بذكرى المولد النبوي، يرددها جميع المسلمين من مختلف المذاهب والطوائف الدينية الإسلامية في جميع أقطار العالم الإسلامي.
 
قصائد عظيمة حولت الذكرى إلى مناسبة تربوية، وتعليمية وثقافية ودينية إنسانية، لتعميم نشر مكارم الأخلاق، وهي جوهر الرسالة المحمدية، وما بعثت إلا متممًا لمكارم الأخلاق.
واليوم الأخلاق الدينية تحولت إلى مذهبية سياسية طائفية/ وسلالية، بعد أن تحول الاحتفال بالعيد/ المولد النبوي الكريم، إلى مناسبة للترزق، وتوسيع نطاق "الجبايات" على فقراء المسلمين في بلادنا المقطوعة رواتب الموظفين منهم منذ حوالي عشر سنوات.
 
فأين بردة البوصيري الشعرية الخالدة، مما نراه في بلادنا، ونهج بردة أمير الشعراء، أحمد شوقي، من احتفالات سياسية تحولت إلى طقوس لفرض أيديولوجية مذهبية تعكس قناعة ورؤية سلطة الأمر الواقع.
 
اليوم لم يبقَ من الدين الإسلامي، ومن ذكرى الرسول العظيم عليه أفضل الصلاة والتسليم، سوى الطقوس السياسية.
فعندما يتحول الدين إلى مذهبية، وطائفية مقيتة، وإلى سلالية (عنصرية)، نكون أمام أول بداية دمار الدنيا، وضعف التمسك بالدين، ولا أتفق مع ما ذهب إليه العالم والمفكر العظيم، ابن خلدون، في مقدمته، للقول إن "العرب لا يستطيعون الحكم إذا ابتعدوا عن الدين" (المقدمة، ص104).
حتى لا يقودنا هذا المعنى للحديث عن وحدة الدين بالسياسة والسلطة والدولة، ومن أن الدين الإسلامي "عقيدة وشريعة"، كما يذهب إلى ذلك الاتجاه العام في الإخوان المسلمين، وفي التيارات الشيعية المغالية، بمن فيهم تجربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقبلها "الوهابية السياسية".
 
صحيح أن القرآن الكريم أُنزل بلسان عربي مبين، ولكن للإنسانية جمعاء، وهو ما يقوله النص القرآني، والسيرة المحمدية العظيمة؛ من دستور "صحيفة المدينة" أو "صحيفة الرسول"، حتى رؤية الرسول ورسالته المفتوحة للإنسانية كلها، يوم "فتح مكة".
 
لقد تحول الاحتفاء بالمولد النبوي في بلادنا اليوم، إلى قضية عائلية/ عرقية/ سلالية، وليس لمعنى إنساني عظيم، مرتبط بالدعوة إلى الحرية والعدالة والمساواة والتنمية الإنسانية العامة لكل المجتمع، صار المولد النبوي حالة احتكارية خاصة بجماعة مذهبية/ عرقية معينة.. إن شكل ومحتوى الاحتفال بالمولد النبوي في بلادنا يوسع من نطاق التفرقة المذهبية والاجتماعية والوطنية، وليس لإنتاج مشترك ديني، واجتماعي ووطني، جعل من الدولة قوة سياسية لرعاية وحماية طقوس مذهبية معينة، على حساب الواقع المذهبي المتعدد والمتنوع، بل وعلى حساب المفهوم الإسلامي، والديني الواسع الذي يحتوي ويوحد الجميع في نطاقه.
 
الاحتفاء والاحتفال اليوم بالمولد النبوي العظيم مع سلطة الأمر الواقع في صنعاء، لا يؤسس لبناء وإقامة علاقات مجتمعية ودينية صحيحة وسليمة، بل يعزل اليمنيين عن بعضهم البعض، ويحول "أهل البيت"، إلى جماعة تقف فوق ناس المجتمع كله، بذريعة" الولاية"، وبالنتيجة معزولة عن المجتمع، بل وضده.
 
لقد عاش اليمنيون قرونًا متطاولة في مختلف مناطق البلاد، يحتفلون بالمناسبات المختلفة: ميلاد الرسول الكريم، عاشوراء، الشعبانية، الإسراء والمعراج... إلخ، من المناسبات الدينية التي صارت جزءًا لا يتجزأ من حياتهم الاعتيادية، دون أي توظيف أيديولوجي أو سياسي لهذه المناسبات، وما يجري هو حرف وتشويه لهذا المعنى في الفكر والممارسة، بل تشويه للتاريخ الديني الإسلامي.
 
حتى اليوم تردد قصائد المديح/ المدائح في الرسول العظيم، من شعر حسان بن ثابت، الصحابي الجليل، حتى "بردة" البوصيري، إلى عشرات ومئات من القصائد النبوية، التي صار بعضها جزءًا لا يتجزأ من الدرس التعليمي والثقافي لطلاب المدارس.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً