صنعاء 19C امطار خفيفة

سجن نافع وخليّة السماء

السجون ليست مجرد جدران وأسوار، بل هي تجسيد للقيود التي يفرضها السجان على حرية الفرد وأحلامه. ورغم أن الروح قد تتحرر من عبء الجسد في السجون، فإن السجن يظل سجنًا مادام يقيّد حرية الإنسان، ويقف ضد إرادته في العيش كما يريد.

 
في سجون "الغُرف الصخرية" الحميرية في اليمن القديم، كان السجن عبارة عن كهف أو غرفة مربعة منحوتة في الصخر، مفتوحة على منحدر شاهق. لم يكن هناك قضبان أو أبواب، بل فتحة تؤدي إلى الهاوية، وفتحة صغيرة في الأعلى لإيصال الماء والطعام. كان السجين مخيّرًا بين البقاء في الغرفة الصخرية مع حرية حركة نسبية، أو محاولة الهرب إن استطاع، أو الانتحار برمي نفسه من المنحدر اللامتناهي (كما في سجون حمير بجبل العَود).
 
في المقابل، كان سجن "خليّة السماء" (Sky Cell) في مسلسل "صراع العروش" (Game of Thrones) أيضًا بدون قضبان، مجرد غرفة فارغة أحد جدرانها مفتوح. من أراد الهروب فليهرب، ولكن إلى أين؟ فالخارج عبارة عن غابة موحشة وجبال جليدية لا ترحم، والهروب يعني الموت المحقق. صُمم سجن "Sky Cell" بناءً على مفهوم "الخطر" لاحتجاز السجناء، حيث نُحت السجن في جرف عالٍ يطل على هاوية، مما قد يدفع البعض لاتخاذ قرارات حاسمة بشأن مصيرهم.
 
استمرت هندسة السجون بناءً على مفهوم الخطر في أوروبا حتى العصور الوسطى، حيث كانت تبنى في أقبية القصور أو أسفل القلاع، أو على حدود الصحارى، أو فوق الجبال الشاهقة، أو بالقرب من بحيرات عميقة وسبخة، أو في الغابات الكثيفة. نجد هذا المفهوم أيضًا عند الأئمة من بيت حميد الدين، مع مبالغة قاسية، حيث تم الجمع بين ثلاثة أشكال من السجون في سجن واحد: القلاع الشاهقة المحصنة التي يصعب الهروب منها (مثل قلعة المحابشة في محافظة حجة، التي يصل ارتفاعها إلى 2000 متر عن سطح البحر)، ومباني السجون المحصنة والصماء ذات الفتحات الضيقة لدخول الضوء فقط، وأخيرًا سجون القيود الثقيلة التي تجعل الحركة شبه مستحيلة، حيث يكون وزنها مساويًا لوزن حاملها، مع إضافة ثقَّالة مرتبطة بها، وهي كرة حديدية ثقيلة تهدف إلى إبطاء حركة السجين وتقييدها كما في الصورة المرفقة. أشهر السجون الإمامية هو سجن نافع في محافظة حجة، الذي يتكون من ثلاثة طوابق. وكان مظلمًا وقذرًا، يعج بالحشرات والروائح الكريهة بسبب عدم وجود حمامات فيه، حيث كان السجناء يقضون حاجتهم في ما يعرف بـ"المسالح" (المخارئ)، وهي أماكن جلوس لقضاء الحاجة مفتوحة على منحدر الجبل دون ماء أو أية وسائل تنظيف. ويوجد في منتصف السجن مكان يسمى "المدقة" تُفك وتُربط فيه القيود. سجن نافع لم يكن له نوافذ، وبابه كان دهليزًا مظلمًا يشبه المغارة، مليئًا بالسجناء من القتلة واللصوص والمجانين (ينظر، مذكرات الرئيس الإرياني).

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً