صديقي العزيز سامي غالب،
أكتب لك هذه الرسالة من هنا، من غرب مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، حيث الزمن توقف في لحظة ما بين الحياة والموت. أدرك أن الرسالة قد تكون تأخرت، لكنني كنت بحاجة لبعض الوقت لأجد الكلمات التي يمكن أن تصف هذا العبث. ليس من السهل أن يتحدث الإنسان عن الحرب، والأصعب أن يحاول أن يجد في وسط كل هذا العنف، صوتاً يخاطب به صديقه.
لا أعلم كيف تبدو الأمور من مكانك الآن، لكن هنا، في هذه الزاوية المنسية من العالم، نعيش حالة من الجمود المستمر. القصف لا يتوقف، والدمار يغزو كل شيء من حولنا، لكن الأصعب هو ذلك الشعور المتزايد بالعزلة. العالم بأسره يبدو كأنه أصبح بعيداً جداً، وكأننا معزولون عن كل ما كان يجعل حياتنا طبيعية.
أتذكر كيف كنا نتحدث عن المستقبل، عن خططنا وأحلامنا لبلادينا، وعن كل تلك التفاصيل التي كانت تشغلنا. اليوم، أصبح الحديث عن المستقبل شيئاً أقرب إلى الخيال. هنا، حيث كل شيء متوقف، يصبح التخطيط للمستقبل رفاهية لا نملكها. لكن رغم كل هذا، مازلت أحتفظ بتلك الذكريات، ليس كنوع من الهروب، بل كطريقة للتمسك بما يجعلني إنساناً وسط هذا الدمار.
سامي،
أحياناً، أجد نفسي غارقاً في التفكير في معنى كل هذا. ما هو الهدف من هذا الصراع الذي يبدو بلا نهاية؟ كيف يمكن أن نخرج منه سالمين؟ وكيف يمكن أن نحافظ على ما يجعلنا بشراً؟ هذه الأسئلة لا تغيب عن ذهني، لكنها أيضاً ما يدفعني للاستمرار. نحن هنا، نحاول أن ننجو ليس فقط بأجسادنا، بل بعقولنا، بقيمنا، بكل ما يجعلنا قادرين على الوقوف مجدداً بعد أن تنتهي هذه العاصفة.
أعلم أن التواصل بيننا كان متقطعاً في الأشهر الأخيرة، وربما شعرت أنني ابتعدت أو انشغلت. لكن الحقيقة هي أنني كنت أحاول التكيف مع واقع جديد، واقع فرض علينا أن نعيد التفكير في كل شيء. في بعض الأحيان، يكون من الصعب الحفاظ على التواصل مع العالم الخارجي عندما يصبح العالم الخارجي ذاته غريباً وبعيداً. لكنني لم أنسَ أبداً صداقتنا، ولم أنسَ الأحاديث التي كنا نتبادلها، تلك الأحاديث التي كانت تعطينا أملاً في مستقبل مختلف.
أكتب لك الآن ليس فقط لأخبرك بما يحدث هنا، بل لأشاركك هذه التجربة التي فرضتها علينا الظروف. أعتقد أننا بحاجة إلى هذه اللحظة من الصراحة، فمجرد طرح الأسئلة هو بحد ذاته فعل مقاومة، مقاومة لهذا الواقع الذي يحاول أن يفرض علينا أن نموت بصمت والاستسلام.
أتمنى أن تكون بخير، وأنك تجد في حياتك اليومية ما يمنحك القوة للاستمرار. نحن هنا نحاول أن نبقى على قيد الحياة، ليس فقط بالمعنى الجسدي، بل بالمعنى الأعمق، ذلك المعنى الذي يجعلنا نتمسك بأصدقائنا، بقيمنا، وبكل ما يجعلنا قادرين على رؤية النور في نهاية هذا النفق المظلم.
ربما يوماً ما، في مستقبل ليس ببعيد، سنجلس معاً، ونتحدث عن كل هذا، ليس كذكرى أليمة، بل كتجربة نتعلم منها ونستفيد من دروسها.
إلى حين ذلك، أتمنى أن تظل بخير، وأن نجد دائماً ما يجعلنا نتمسك بالأمل.
تحياتي الصادقة،