صنعاء 19C امطار خفيفة

هاني!

2024-09-01
هاني!
هاني الشيباني (فيسبوك)

شن البعض حملة مسعورة عليه، ولكنني أقول مشيدًا: شكرًا د. قائد غيلان على مقالك في صفحتك بـ " فيسبوك" وتحليلك عبر طرقك النقدي البناء، الفني الثقافي الموضوعي في إثراء الأغنية اليمنية من قبل الفنان المحبوب هاني الشيباني ولون غنائه الممتع الذي توّجه بصوته الجميل، ومزج الثقافات، والذي وقفت مدافعًا عنه وعن إسهاماته.

والحقيقة أنه يصعب على البعض من الأفراد الإقرار بأن هاني الاستثنائي هو من استطاع اختراق الموروث وتحريكه وبث الدماء النوعية الجديدة فيه لإنعاشه. كما يتعسر عليهم مجاراته، بل الوصول إليه، أو التفرد بإبداع يتوارد جديده مع ومن مزيجه الفني الذي يشق طريقه كمدرسة لا يتيسر اقتحامها من غيره من مطنطني الفن المكرر الخالي من التنوع والإطراب.

ولا شك أن لدى هاني قدرة عجيبة على انتزاع الإعجاب والتفاعل معه بهدوء قوة الإلقاء الغنائي، ولتناغم طبقات صوته وتقمصه في هيئته لفرادة ذاته، فهو فنان يؤثر ويتأثر. لقد لفت نظري ذلك الحضور الكبير في إحدى الحفلات بالقاهرة، التي جاء إليها أناس من مختلف الأعمار والشرائح: رجال ونساء وأطفال، ومن شتى مناطق المجتمع اليمني والمصري للاستمتاع بصوته الشجي وموهبته النادرة المتراقصة الأداء والمتجاوبة مع إيقاعات أنغام كلمات ومخارج نغمات أغانيه وألحانها الآسرة الجاذبة التي أضاف إليها لمسة الحداثة بثيابه المختارة وفقًا لهواه المتوجة بالبساطة والعطاء والحضور بين محبيه. وقد هرع إليه فور انتهاء الحفلة معظم، إن لم يكن كل من حضروا الحفل، لالتقاط صور تذكارية معه اعتزازًا واعترافًا بفنه الراقي. وقتها خُيِّل لي أنهم يتهافتون عليه كفنان مرموق مختلف بفن موسيقي رفيع لما يتنفس به عذوبة الغناء اليمني بطابع من تجديده بدون دعاية، بل وفقًا لما يريد.

فعلاً، لقد انتزع هاني زمام المبادرة لتحديث الأغنية اليمنية بقالب آخر، محدثًا نقلة فنية لم يستطع الآخر تمالك أعصابه من نجاحه، فهرع البعض إلى النقد اللاموضوعي الذاتي الدال على غيرتهم من نجاحه. أما ألحانه، فهو صانعها ومن شكلها، وما يقال عن الموسيقى الأفريقية فهو أمر مفروغ منه، علمًا أن البرع ورقصتها ودقات طبولها هي في الأصل رقصة إفريقية، فيكفي تنمرًا. وما أكثر الرقصات على إيقاعات الطبول والمرافع والطوس في الثقافات الإفريقية.

لم يُشهد لهاني يومًا ظهوره في أية مناسبة يسهم بها فنيًا ممتلئًا فمه بالقات، ومصرًا على الغناء، أو يطلب أجرًا مقابل تقديمه لفقرته المرسومة التي ينظر إليها وينتظرها بلهفة الجيل الجديد من أبناء وبنات اليمن، كبارًا وصغارًا، المقدرين والتواقين والذواقين لفنه الرفيع.

إن الحملة المشبوهة التي لا تعرف معنى مفاهيم المواطنة والتعايش، والأكثر من ذلك قيمة التنوع، بخاصة وأن الأخيرة هي مصدر قوة الدول.

إن الحملة الشرسة التي استهدفت الفنان المبدع هاني، بمجملها قد جاءت بردود عكسية؛ كونها استفزت جيلًا كاملًا، جيلًا جديدًا لا يعرف دخول أعراق التفرقة العنصرية أو الطائفية أو المناطقية كعوامل في المعادلة الإبداعية للفن. ولكن من واصلوا الحملة للأسف لم يجدوا من هول صدمتهم لنجاحه ما يقال فيه، إلا أن ذلك يكشف عن قدرته على زعزعة مكانتهم، وعجزهم عن إيقاف عجلة عطائه التي تسحب البساط من تحت أقدام جهلة معنى المنافسة الخلاقة وتقديم كل جديد للفن بما يرفع الذوق العام للأجيال إلى الأفضل.

ومع ذلك، أشكر كل من كتب بوعي أو بغير وعي ضد هاني، ناقدًا أو شامتًا أو معارضًا، لأنه في عمله المشبوه هذا لن تخرج المحصلة الأخيرة عن إيقاظ وعي أبنائه وبناته بأن هناك فنانًا صاعدًا مغايرًا قدّم اليمن وأغانيها بمختلف المحافل بشكل حضاري معاصر، وبدون الحاجة لوقوف ماكينة الإعلام الرسمية خلفه. نعم، أبناء وبنات الجيل الجديد من اليمنيين يتقمصون في محاكاتهم الحضارية اليوم وغدًا شخصية وغناء وثياب وهيئة وحركات أداء هاني. امضِ قدمًا يا هاني، فالنباح لن يتوقف إلا عندما تشيخ مصادر سعيره مستسلمة لركاكة حجتها ولأفول دورها ووعيها الضيق الذي تتجاوزه حركة زمن نجاحك المتواصلة والمتراكمة، لأنهم تمامًا يعرفون مستشعرين إمكانياتك بأنك في طريقك إلى العالمية يومًا ما.

 

فيرفاكس، فرجينيا

 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً