صنعاء 19C امطار خفيفة

ضغوط اقتصادية ونفسية.. ارتفاع حالات الطلاق في زمن الحرب

ضغوط اقتصادية ونفسية.. ارتفاع حالات الطلاق في زمن الحرب
انفصال الزوجين- منصات التواصل الاجتماعي

لم تكن "أم ياسر"، القادمة من إحدى القرى النائية جنوبي اليمن، تعلم أن حياتها ستنقلب رأسًا على عقب بعد عدة سنوات من الزواج بشخص يعيش في المدينة.

 
انتقلت "أم ياسر" للعيش في صنعاء مع زوجها في العام 2000، وأنجبت منه أربعة أطفال. كان مستواهما المعيشي متوسطًا، وكان زوجها يعمل في وظيفة حكومية. لكن بعد اندلاع الحرب عام 2015، اضطرت للعودة إلى القرية مع أطفالها، بينما بقي زوجها في صنعاء للعمل.
 
ظل الزوج في صنعاء حتى انقطعت المرتبات في 2016، وحاول بعدها العثور على وظيفة بديلة دون جدوى. عاد إلى القرية محملًا بالهموم، وبدأت المشاكل بينه وبين "أم ياسر". تغيرت نفسيته تمامًا بعد فترة طويلة من الجلوس في البيت دون عمل، مما انعكس سلبًا على معاملته لأسرته، إذ أصبح سريع الغضب بشكل لم تعتد عليه زوجته.
 
تقول "أم ياسر" لـ"النداء": "بعد انقطاع مرتب زوجي وعودته إلى القرية، بدأت معاملته تتغير. كان يتعصب من كل شيء، لدرجة أنه كان يمد يده عليّ وعلى أطفاله، ويشتمنا بشكل مستمر".
 
لم تتحمل الزوجة حياتها التي تحولت إلى بؤس وشقاء، وقررت طلب الطلاق من زوجها. بعد ضغوط كبيرة من أسرتها، طلقها الزوج، تاركًا لها أربعة أطفال، أكبرهم يبلغ من العمر 20 عامًا، وهو الذي عمل لاحقًا لتوفير احتياجات الأسرة.
 
كان للوضع الاقتصادي المتدهور الذي أعقب الحرب في مارس 2015، تأثير سلبي على الأسر اليمنية. العوامل النفسية التي يعاني منها الكثير من اليمنيين بسبب الحرب والنزوح والفقر وانقطاع المرتبات، أدت إلى توتر العلاقات بين الزوجين، مما أدى إلى زيادة حالات الطلاق.
 

دوافع الاقتصادية

لا توجد مؤشرات رقمية أو كمية تدل على ارتفاع معدلات الطلاق، وهو ما يشير إليه دكتور علم الاجتماع عادل الشرجبي، قائلًا: "لقد أصيبت مؤسسات إنتاج البيانات الإحصائية بالشلل منذ بداية الحرب، وفي مقدمتها الجهاز المركزي للإحصاء. وعلى الرغم من أنه يصدر كتاب الإحصاء السنوي بشكل غير دوري، إلا أن البيانات التي يتضمنها هي مجرد تقديرات وإسقاطات، لا يُعتد بها في بعض القضايا الاجتماعية".
 
ويؤكد الشرجبي في حديثه لـ"النداء" أن الأسباب والدوافع الاقتصادية باتت تحتل المرتبة الأولى في قائمة أسباب الطلاق، بعد توقف صرف المرتبات لموظفي الدولة، واستغناء القطاع الخاص عن الكثير من عماله وموظفيه، وارتفاع معدلات البطالة، وانتشار الفقر في أوساط المجتمع اليمني.
الدكتور عادل الشرجبي- منصات التواصل الإجتماعي

 

ويرى  أن انهيار سعر صرف العملة اليمنية، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، وكل هذه التحولات جعلت كثيرًا من أرباب الأسر غير قادرين على تحمل نفقات إعالة أسرهم، فلجأ بعضهم لطلاق زوجاتهم، وبعض الزوجات طلبن خلع أزواجهن لنفس الأسباب.
 
ويؤكد أن طلاق الوالدين هو أحد أسباب تنامي ظواهر عمالة الأطفال وأطفال الشوارع والتشرد والتسرب من التعليم، وتزايد جرائم الأحداث، وانتشار عصابات المراهقين، لا سيما في الأحياء الفقيرة والعشوائية.
 
ويضيف الشرجبي أن تلك الأسباب تشكل أحد عوامل التفكك الاجتماعي وتفكك التماسك الاجتماعي، وتنامي حالة من عدم الثقة بين فئات السكان.
 
تشاركه في الرأي المحامية رغدة المقطري، التي تؤكد في حديثها لـ"النداء" أن استمرار الحرب والانقسام السياسي كان لهما الدور الكبير في تدهور الاقتصاد اليمني وارتفاع معدلات البطالة والفقر وانخفاض مستوى الدخل، وهو ما زاد الضغوط على الأسر، وأثر على قدرتهم في تلبية الاحتياجات، مما أدى إلى زيادة الخلافات الزوجية التي تنتهي في نهاية المطاف بالانفصال.
 

التكنولوجيا

على الرغم من أن الوضع الاقتصادي المتدهور كان سببًا رئيسيًا في التفكك الأسري، إلا أنه لم يكن السبب الوحيد كما قد يعتقد البعض. بل تعددت الأسباب، إذ أفرزت التغيرات الاجتماعية والتطورات التكنولوجية تحديات ومشكلات واسعة أدت إلى انهيار الأسرة التي تعد لبنة البناء الأولى في المجتمعات.
 
وتعد وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تدخل إلى كل بيت بفعل التطورات التكنولوجية، واحدة من الوسائل الفاعلة في التفكك الأسري، إذ انتشرت من خلالها الخيانات الزوجية التي تؤدي بدورها إلى الانفصال.
 
وفي رصد لإحدى الصفحات النسائية على منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ظهرت عدد من المنشورات النسوية التي تعرض فيها قضاياهن، منها الخيانات الزوجية التي يتم اكتشافها على حسابات أزواجهن في منصات التواصل، والتي تنتهي إما بالطلاق أو الخلع. كما أن بعض المتزوجين يريدون أن تكون حياتهم في الواقع كالحياة التي يظهرها البعض على المنصات، حياة كلها هدايا وورد واحتفالات وكأنهم يعيشون في المدينة الفاضلة، وعند الاصطدام بالواقع تبدأ المشاكل وتنتهي بالانفصال.
 

الاغتراب

كما هو معروف في اليمن، وخصوصًا في السنوات الأخيرة التي أعقبت الحرب، فضل العديد من اليمنيين الاغتراب من أجل لقمة العيش التي أصبحت صعبة المنال داخل اليمن.
 
 وعلى الرغم من أن ذلك يعمل على تحسين الوضع الاقتصادي للأسر، إلا أنه في الوقت نفسه يخلق مشاكل بين الزوجين. هذا ما تؤكده المدربة التحفيزية والمستشارة الأسرية ابتهال الأغبري، إذ تقول: "غربة الرجل وترك زوجته وأطفاله في عمر صغير، يخلق مشكلة كبيرة بين الطرفين، لأن المرأة لها احتياجات عاطفية وجنسية، وهو الحال بالنسبة للزوج. وبسبب غربة الزوج يلجأ البعض إلى الخيانات التي تنتهي بالانفصال بين الطرفين في كثير من الأحيان".
 

العنف الأسري

تعد السلطة الذكورية التي تربى عليها الرجال في المجتمع، أحد الأسباب في التفكك الأسري، إذ يجد الرجل نفسه بعد الزواج المتحكم والآمر الناهي في حياة زوجته، فيحرمها من أشياء كثيرة، على رأسها التعليم والعمل. هذا يتسبب في اشتداد التوترات التي تتحول بعد ذلك إلى العنف، سواء كان جسديًا أو لفظيًا، مما يجعل الحياة بين الطرفين مستحيلة.
ابتهال الأغبري- منصات التواصل الإجتماعي

 

وتؤكد الأغبري أن أغلب العنف الأسري، المتمثل في العنف الجسدي واللفظي والجنسي، ناتج عن التربية الخاطئة التي تربى عليها الأبناء. وتقول في حديثها لـ"النداء": "عندما يقوم الرجل بضرب زوجته أو إهانتها أو طردها من المنزل أمام أطفالها، تتكون لديهم صورة ذهنية أن هذه هي الرجولة، وهو ما ينعكس في ما بعد على سلوكهم بعد الزواج، ويسبب فجوة بين الزوجين".
 

الاحتقان العاطفي

يعتمد المجتمع اليمني على أساليب تنشئة تربوية ضعيفة ناتجة عن قلة وعي الوالدين بأهمية إشباع أبنائهم بالاحتياجات النفسية. هذا ما تشير إليه الأغبري، إذ ترى أن تلك التنشئة تجعل كلًا من الرجل والمرأة في حالة تعطش، وبالتالي يصعب أن يكون كل طرف مكملًا للآخر. وتقول: "عندما يكون هناك نقص في الاحتياجات النفسية للطرفين واستحالة إشباعها من الطرفين، ينمو جوع ونهم نفسي وعاطفي. وعند وجود الزوجين تحت سقف واحد تبدأ المشاكل بالظهور، لأن كل طرف غير قادر على إشباع احتياجاته النفسية والعاطفية، خصوصًا مع تأثير المسلسلات والأفلام التي ترسم صورة خيالية".
 
وتتابع: "تزيد المشكلات بين الزوجين بعد إنجاب الأطفال وتزايد الانشغالات. هنا تتراكم المشكلات النفسية بسبب قلة إشباعها، وتبدأ الفجوة تكبر بين الطرفين، مما ينتهي أحيانًا إلى الطلاق".
من جهة أخرى، تؤكد المحامية المقطري أن غياب النصوص القانونية التي تحمي المرأة من العنف، هو أحد الأسباب في زيادة معدلات الطلاق. وتدعو إلى ضرورة إنشاء مراكز دعم نفسي للأسر بشكل خاص، وذلك لتخفيف الضغط النفسي الذي يعاني منه اليمنيون منذ اندلاع الحرب وتأثيراتها السلبية على حياة المواطنين.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً