صنعاء 19C امطار خفيفة

"إميليا" الفنانة التي حاكت واقع المرأة اليمنية بسحر ريشتها

"إميليا" الفنانة التي حاكت واقع المرأة اليمنية بسحر ريشتها
زواج غير متكافئ- لوحة زيتية
"هي ليست موهبة، أنا أسميها شعورًا فائضًا، حساسية قوية تجاه هذه الحياة"، بهذه العبارة اختصرت الفنانة التشكيلية إميليا، حالة الفن التي استحوذت عليها مُنذ نعومة أظفارها.
 
إميليا محمد الحميري، مولودة في مدينة "تعز"، التي غادرتها وهي في عمر الرابعة، وتوجهت مع عائلتها إلى مدينة إب، حيث عاشت طفولتها وشبابها وسط طبيعة هذه المدينة الساحرة التي جعلت من حياتها لوحة فنية غاية الجمال مرسومة بريشة فنان.
 

بداية الشغف

تقول إيمليا إنه منذ نعومة أظفارها كان لديها شغف كبير في الرسم، وكانت أسرتها هي الداعم الأول لها بشكل مباشر وغير مباشر.
 
وترى في حديثها لــــ"النداء" أن ما تمتلكه من إبداع لا تسميه موهبة، بل هو من وجهة نظرها شعور فائض وحساسية قوية تجاه هذه الحياة، وعليها إفراغه عن طريق الفن.. ومن هنا نجد فلسفتها في الحياة وطريقتها في أن تجد مسمى يتناسب مع ما تشعر به وتحب أن تقدمه للآخرين.
إميليا الحميري

وتؤكد أن هذا الشعور الذي تتوالد منه لوحاتها، لم يأتِ من فراغ، بل أتى من طباع ترى العالم بشكل مختلف تمامًا.

ولم تتأثر إميليا في بدايتها برسومات ليوناردو دافنشي أو بابلو بيكاسو أو يوهانس فيرمير وغيرهم من الفنانين التشكيليين العالميين، كما هو حال الكثير من الفنانين المتأثرين بعدد من مدارس الفن التشكيلي، كالكلاسيكية، والواقعية، والرومانسية، والتجريدية، والسيريالية، وغيرها من المدارس التي ينتمي لها كبار الفنانين.
 
تقول: "في طفولتي كنت متأثرة جدًا بجارتنا الرسامة "بلقيس العرومي"، وبعد ذلك في كل مراحل التطور كان هناك رسام أتأثر به في تلك المرحلة، ولا يوجد فنان معين أتبعه إلى الأخير".
 
عملت إميليا جاهدة على تطوير نفسها ذاتيًا، وكانت في كل مرة تجرب وتخطئ، ولكنها لا تستسلم أبدًا، وتحاول بكل ما أوتيت من شغف أن تعيش مع الفن حالة من الجنون والعشوائية، حسب قولها.
 

تجربة عصامية

ويصف الفنان التشكيلي الدكتور ياسر العنسي، في قراءة نقدية لأعمال الفنانة، بأنها تجربتها عصامية. إذ يقول في منشور له على صفحته في "فيسبوك": "اعتمدت الفنانة على تطوير قدراتها المهارية من خلال البحث والتجريب المتمثل باشتغالها في بداياتها الفنية مجموعة من الأعمال المتنوعة والمختلفة، ثم اتجهت بشغفها تجاه الرسم للبحث عن ذاتها من خلال الاجتهاد الشخصي في الوصول إلى لغة إبداعية خاصة بعيدة عن النسخ والتقليد، لغة تمثل تجربتها ورؤيتها الفنية".
فوضى الزمان- لوحة زيتية

 

ترى إميليا أن الدراسة الأكاديمية -على الرغم من أنها لم تدرس الفن- تختصر طريق التجربة والتشتت، ولكنها في نفس الوقت تقول: "لا ننكر أن التجربة والتشتت هي التي تصقل المهارات.. بمعنى أن الحالة الإبداعية هي الأساس، وبعدها إذا كانت هناك دراسة أكاديمية صحيحة، لا بأس بذلك.. وإذا لم توجد فهذا لا يضر قدرات الفنان الحر بتاتًا".
 
بدأت ابنة اللواء الأخضر في تطوير مهارتها، والتركيز على موهبتها في 2017م، على الرغم من الصعوبات التي واجهتها.
وعند سؤالنا حول ماهية تلك الصعوبات، اكتفت بالقول إنها صعوبات لا تعد ولا تحصى، وهي التي جعلتها تستمر في الرسم.
 
وترى بأن الرسم بالنسبة لها ليس رفاهية، بل ضرورة من أجل اتزانها النفسي، مؤكدةً أن الفائض من الشعور والضغوط والألم تفرغه عن طريق الرسم الذي تعتبره ملاذها الأخير.
وتعد لوحة "بائع السروج" هي أول لوحة رسمتها إميليا، وهي محاكة للفنان الفرنسي المستشرق جان ليون جيروم.
 

طقوس الرسم

 

لكل فنان طقوسه في رسم لوحاته، وقد كان الفنان التشكيلي الإسباني بابلو بيكاسو يرسم بعد أن يفتح باب منزله على مصراعيه ونصفه الأعلى عارٍ، كما يفضل البعض أن يخرج إلى الطبيعة للرسم، فيما ترى الفنانة إميليا أن طقوسها المحددة للرسم هو عندما تكون في حالة من الضياع الوجودي أو حالة عدم الشعور بأي شيء يثير عقلها وتفكيرها.

تؤكد أنه في حالة حزنها أو سعادتها الشديدة لا تفضل الرسم، كونها لا تستطيع مسك فرشاتها وهي في تلك الحالة.

 

"حاملات الشريم"

يعد المعرض الذي حمل عنوان "حاملات الشريم" أول مشاركة محلية للفنانة، وبدعم كامل من البداية وحتى النهاية، من مطعم محلي ، هو الحلم الذي سعت من أجل تحقيقه، وعملت جاهدة على تجهيزه، ولولا هذا الدعم لما رأى هذا المشروع النور.
 
تقول إميليا: "استمر تجهيزي لهذا المشروع سنة وأكثر، وهو عبارة عن 14 لوحة استغرقت مني 7 أشهر، أما اللوحات الجانبية فقد بلغ عددها 60 لوحة متفاوتة الأحجام، وهي حصيلة عدة سنوات منذ 2019م".
الوعي المفاجئ- لوحة زيتية

وتردف بالقول: "وبالنسبة لاسم المعرض فهو مقتبس من أغنية الفنان القدير أيوب طارش، والمعنى المستوحى من هذه الأغنية أنهن نساء ثابتات لديهن مشروع في أرض تعبن في زراعتها والاهتمام بها، وهذه الأرض كافأتهن في موسم الحصاد، ومن هنا كانت المحاكاة الموجودة في لوحاتي أنهن نساء مستعدات لجني ثمرة تعبهن وصبرهن". مضيفةً أن لوحاتها الخاصة بالمشروع استلهمتها من قصص النساء المتواجدات في نفس المحيط الذي تعيش فيه.

 
وتتابع: "تجربتي في المعرض لا توصف، فقد كنت أشعر وأنا أتنقل من لوحة إلى أخرى مع إنصات واهتمام الزوار، وكأن أفكاري أمامي مباشرة متجسدة في كل لوحة.. شعرت أني فعلًا أقدم رسالة بطريقتي الخاصة التي لا تحتاج إلى شرح".
 
تشدد إميليا على ضرورة ألا تكتفي المرأة بالحياة العادية التي تفرضها عليها المدينة والعولمة بشكل عام. وتقول: "على المرأة أن تسعى لوضع معنى يضفي عمقًا إلى حياتها، وعليها أن تعرف واجباتها أولًا، وتقيمها على أكمل وجه، وذلك حتى تستطيع أن تطالب بحقوقها دون أن ينقدها أحد.. وعليها أن تكون قوية، صامدة، مقاتلة".
مجموعة لوح زيتية للفنانة

وتختتم حديثها لـ"النداء" بالدعوة إلى "ضرورة دعم مثل هذه الفعاليات أو الأفكار، حتى ننهض بمجتمعنا".. مؤكدةً أن الفن قوة ناعمة، وعلى الجميع توظيفها بالشكل الصحيح والمناسب.

يذكر أن المعرض الذي أقيم في قاعة المركزي الثقافي بمحافظة إب، واستمر لمدة أربعة أيام، سلط الضوء على معاناة المرأة، إذ استطاعت الفنانة من خلال لوحاتها أن تحاكي واقع المرأة على عدة أصعدة، منها: الإقصاء، والزواج غير المتكافئ، والمرأة النازحة، وذوات المهم.
 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً