صنعاء 19C امطار خفيفة

قحطان

2024-08-24
قحطان
قحطان الشعبي ريشة رقمية النداء

هذا رجل كان من نصيبه ونصيبنا أن يكون حامل أول معول لهدم الجنوب العربي في أولى خطوات التحرر الوطني.. قحطان محمد الشعبي، أول رئيس لجمهورية اليمن الجنوبية!

سامحوني.. هذا منشور قد يكون عدوانيًا.. قد.. لكن ذكراه حقيقة تقض مضاجعنا.. قحطان.. كما تدينون تدانون.. والجزاء من جنس العمل.. قحطان رحمه الله.. من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه!

 
أول الستينيات، بعد رجوعه من السودان، حيث تخرج كمهندس زراعي، عُين في لجنة القطن؛ ثروة البلاد الأولى حينها، وفي السياسة كان قد انخرط في عضوية حزب رابطة أبناء الجنوب.. عام 1962م قامت في الشمال ثورة 26 سبتمبر المجيدة.. وطابت أجواء الثورة والتحرر الوطني، وراجت الشعارات الكبيرة.. تخلى عن عضوية الرابطة.. واستولى على أموال لجنة القطن، وفر بها الى تعز في الشمال.. وبدلًا من العمل كمهندس زراعي، اختار العمل كمهندس سياسي.. اختلط هناك بالزمر الثورية.. وكانت مصر قد رمت بكل أثقالها في شمال اليمن.. وبدأ بجمع الأصحاب الثوريين.. واشترى بعض الأسلحة، وحصل على الكثير منها من مخابرات مصر.. ورجع إلى أرض الجنوب، ومن جبال ردفان الشماء، ومع شلة من رفاقه، أعلن عقب حادث قطع طريق هناك، عن قيام ثورة 14 أكتوبر المجيدة.
 
وبدأت الدماء تتدفق.. والتناحر بين منظمات التحرر يشتد، حتى تمكنت الجبهة القومية التي تزعمها قحطان، من إقصاء غيرها عن الساحة، بالقتل أو السجن أو التشريد، وبمساعدة الجيش انتصرت على كل خصومها، وسيطرت على كل البلاد.. وبعد مذابح وتصفيات وتقتيل نال من أهل البلاد أكثر مما نال من عساكر الإنجليز، أعلن الاستقلال الوطني، ورفعت الأعلام، وزمرت المزامير! تولت شلة الجبهة القومية بزعامة قحطان إحكام قبضتها على البلاد، ودارت بقوة أشد عجلة التنكيل بصورة لم يسبق لها مثيل.. من ليس معنا فهو ضدنا.. وهو عدونا.. ومن لم يدخل السجن أو القبر أخذ طريقه هربًا إلى طرق المنافي وأبواب النجاة.. وامتلأت كل السجون التي تركها البريطانيون، وتحولت المدارس ومقرات رسمية كثيرة إلى معتقلات.. وحتى مستشفى عفارة بالشيخ عثمان امتلأ بالمساجين، وسكك كثيرة أيضًا أبرزها بيوت السلاطين هناك، صارت معتقلات.. وأظن أن ربع سكان البلاد في عدن قد ذاق محنة الاعتقال.. وكان من نصيبي أن أشارك في تلك المحنة مرتين في عهد قحطان، بلا سبب واضح أو تهمة محددة، غير أنه من ليس معنا فهو ضدنا! لم تسجل أو تعلن من أية جهة إحصائيات، لكني أزعم أن تخميني كان متواضعًا.. إذن، لماذا أتذكر ذلك التاريخ المشؤوم؟ وما هي المناسبة؟ لا شيء، غير أن تلك البداية كانت هي أولى خطوات التدهور الذي بلغناه اليوم بعد كثير من التأمل والتفكر والتدبر والعمر الطويل.
 
لم يكمل الرئيس سنة ونصف السنة على حكمه المجيد، حتى أطيح به، ليلقى مصيره هو الآخر بالسجن الطويل... لكن خطوات التدهور لم تكف عن السير بخطىً حثيثة نحو الانهيار... وقبل المشارفة على الانهيار الشامل، سلمت البلاد الخالية على عروشها إلى وحدة اندماجية مع شطر الشمال.. ومن ثم هبت رياح جديدة على نهايات محتومة من الحصاد المر.
 
والجزاء من جنس العمل.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً