صنعاء 19C امطار خفيفة

لا تحاربوا.. ساعدوا.. استنكروا وقاطعوا فقط

ليس المطلوب في ظل الهيمنة الأمريكية الساحقة الماحقة في الوطن العربي، أن تخوض أية دولة عربية الحرب ضد دولة الإبادة الجماعية دعمًا للمقاومة في غزة والضفة وجنوب لبنان، بعد أن باتت محاربتها خطًا عربيًا أحمر، في ظل الهزيمة العربية التي بدأت باستهداف مصر عام ١٩٦٧، ثم العراق فسوريا وليبيا ولبنان.

 
لقد ضيعتنا تبعيتنا للولايات المتحدة وأحذيتها التي لن تقف مكتوفة الأيدي، وستحارب مع إسرائيل، وها هي الأساطيل بجوارنا. أما وسيطها غير النزيه، وزير تجسير الفجوات، بلينكن، فلا يهتم إلا بأسراه، وقد قال في دولته إسرائيل إنه كلما طال أمد الحرب زادت معاناتهم، وقد يموت بعضهم. حياة الفلسطيني واللبناني ليس لديه مهمة كحياة أبناء دينه وعقيدته الصهيونية.
 
إن المطلوب هو أولًا الحد الأقصى من التضامن الفعلي مع شعب فلسطين في غزة والضفة وجنوب لبنان، كجبهة مقاومة واحدة لا تتجزأ، بإنشاء مؤسسات شعبية عربية تجمع تبرعات نقدية وعينية، وتحشد أطباء للعمل في غزة لتمكين المقاومين من الصمود، ولإنقاذ القدس من التهويد، وتقليل أضرار الدمار الإسرائيلي في جبهتي المقاومة.
ثانيًا تجميد وليس قطع علاقات الدول التي طبعت مع دولة الإبادة، حتى تتوقف مجازرها في غزة والضفة المحتلة وجنوب لبنان، وتمتنع كلية عن المساس بوضع المسجد الأقصى وحق عربه المسلمين المقدس والحصري في الصلاة فيه بحرية بدون قيود، والمطالبة بتطبيق قرار الأمم المتحدة رقم ١٨١ الخاص بالقدس بكاملها الذي لا يرى في القدس الغربية إلا أنها محتلة وبالتبعية القدس الشرقية.
ثالثًا الحذو حذو كولومبيا التي أوقفت بيع الفحم للعدو الذي تصنع منه قنابل تقتل الفلسطينيين واللبنانيين، وإعادة تفعيل المقاطعة العربية التي كانت إحدى أدوات السياسة العربية الناجحة قبل وبعد إنشاء المحتل الغازي دولته عام ١٩٤٨، والتوقف عن تصدير النفط العربي والخضار والفواكه العربية والتركية إلى دولة الإبادة. المقاطعة استمرت بنجاح حتى اتفاق أوسلو عام ١٩٩٣ المختلف عليه فلسطينيًا، وقد كبدت إسرائيل خسائر كبيرة، وعندما كنا محترمين إلى حد ما لم تطلب منا الولايات المتحدة وأحذيتها إنهاءها، وقد أضرت المقاطعة من الدرجة الثانية بمصالح هذه الدول. ومن أجل مصالحنا من حقنا أن نحذو حذو أمريكا حتى في عقابها هي بما نملك من وسائل ضغط ليست هينة لوقف دعمها المفتوح لكيان الإبادة.
 
الولايات المتحدة اتبعت سياسة العقوبات لخدمة سياساتها ومصالحها منذ عام ١٩٢٩، وتوظفها اليوم لفرض عقوبات غير مشروعة على عشرات الدول وعشرات الشركات والبنوك والأفراد والأحزاب والمنظمات وبعض هذه العقوبات تفرض لصالح إسرائيل وحدها. لقد عوضت المقاطعة العربية غياب دور البندقية العربية في مواجهة كيان توسعي استئصالي، ولكن ويا للأسف ارتكب العرب خطأ تاريخيًا فادحًا بتجميدهم المقاطعة عام ١٩٩٣ بعد اتفاق أوسلو قبل أن يستعيد شعب فلسطين كامل حقوقه. لقد هرول البعض في هذا الاتجاه، ومنهم الجامعة العربية التي كلفتني عندما كنت أمثلها في الهند في الفترة من ١٩٩١ إلى ١٩٩٥، بالذهاب إلى مومباي عاصمة الهند الاقتصادية، لإغلاق مكتب المقاطعة العربية في الهند، وإرسال وثائقه إلى مقر الجامعة. كان المكتب في شقة صغيرة يديره مواطن هندي كبير السن كرس عمره لخدمة قضية فلسطين اقتصاديًا، وكانت تكلفة المكتب التشغيلية زهيدة جدًا جدًا. لم أعِ وقتها السر وراء الرغبة بنقل وثائق عمل ما يزيد عن أربعين سنة، إلى مقر الجامعة، وليس إلى بعثة الجامعة بنيودلهي، تحسبًا لاحتمال أن تتغير السياسة العربية، ويستفاد منها كمراجع للمكتب عندما يستأنف نشاطه.
 
كان للانقسام العربي دور في تجميد المقاطعة رغم البقاء الصوري لمكتبها في دمشق، وبسب غزو العراق للكويت عام ١٩٩٠ لم ينظر العرب وقتذاك إلى أبعد من أنوفهم، وتجاهلوا أن المشكلة التي أنشأت المقاطعة لاتزال باقية بدون حل، والأنكى أن البعض طبّع، وآخرين في الطابور الأمريكي.
 
الوسيط غير النزيه بلينكن أعلن بالأمس أنه ليس ضد احتلال غير دائم لغزة. سمعه العرب ولم يقل أي منهم إنه يرفض أو حتى يستنكر ما قاله، وسيتحول إلى أمر واقع إسرائيلي في الغد. ومنذ ٧ أكتوبر المجيد لم يستنكر العرب تزويد أمريكا لإسرائيل بأسلحة الدمار الشامل، وبعون عسكري بـ٤٥ مليار دولار، غير الدعم النقدي الرسمي والاستخباراتي، وقس على هذا الدور المشابه لأحذية أمريكا.
 

استئناف المقاطعة

كأضعف الإيمان يجب استئناف المقاطعة فورًا، وبصورة أقوى، وتوقف الحديث عن التطبيع مهما تكن الضغوط الأمريكية، حتى توقف إسرائيل تدميرها لغزة، وتنسحب منها كلية، وتوقف استعمار الضفة، وتقام الدولة، ويتحقق للعرب أمنهم.
إن الواقع يقول لنا إن العرب يملكون أوراقًا للضغط على أمريكا وأحذيتها، لتهذيب بعض سياساتهم.
 
ما سبق قد يعوضنا جزئيًا عن الإذلال والعجز اللذين لا يمكن نكرانهما، واللذين لن يُمحيا كعار عربي أزلي تتحمل مسؤوليتهما الحكومات والشعوب والأحزاب والنقابات، وما كان يسمى الشارع العربي.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً