مدخل للحديث:
لم يعد خافيًا على أحد أن بلادنا بوضعها الحالي المتسم بالضعف والانقسام الداخلي واستمرار حالة الحرب، وإن تبدت أنها غير عسكرية، إلا أنها حالة أشد ضراوة من حالة الحرب عبر مداميك الأسلحة وتكدس ترسانتها لدى أطراف حياض الدولة المغيبة.
البلاد تعيش حالة تفتت الإرادات إن لم نقل تنازعها حتى النزع الأخير، مما جعلها ونخبها المسيطرة لقمة سائغة لمفاعيل القوة، وليس عبر قبول ساحة واسعة من التوافق الوطني على مستوى الجنوب والشمال، فالشمال مشمول بقبضة مذهبية بعلاقة محورية مع طرف أساسي من أطراف صراع المحاور إقليميًا ودوليًا: إيران، وطرف يمثل الشرعية شكلًا وجوهرًا تتناقض سياسات وأهداف وارتباطات أطرافه بشكل يهدد أي مشروع تسوية وطنية وفق رؤية وطنية كلية للبلد.
للأسف، الأوضاع مفتتة، وزادتها الحرب التي تلت مرحلة إفشال مؤتمر الحوار الوطني، وأدت لتكون مكونات وكانتونات تربطها علاقات مع أطراف خارجية أقوى من ترابطها الوطني بمعنى: الحوثي له ارتباطاته خارج النهج الوطني فلسفة ونظامًا... أطراف الشرعية والتحالف مرت عبر سنوات التحالف بمسارات بدلًا من تعزيز خطاب موحد للتحالف والشرعية معًا، سارت الأمور باتجاه آخر، بخاصة بعد قيام المجلس الرئاسي، والأمر واضح لكل ذي بصيرة سياسية.
أخطر ما مثله هذا الشكل من الانقسام والتقاسم المناطقي، أنه أضعف من تكوين إطار سياسي وطني موحد فعلًا إرادة ومؤسسة وآليات عمل ومنظور سياسي مدروس جيدًا ومتوافق عليه وطنيًا... ذلك لم يتم ولم يسمح له بالتكون، حيث ظلت العلاقات بين قوى التحالف المؤازر للشرعية يبحث ويشرعن لمسارات لها قوى على الأرض أبعد ما تكون مع منظور وطني يرى مكمن الخطر والتناقض الأساسي مع قوة الأمر الواقع في صنعاء، بخاصة بعد أن أصبح التعاطي معه يحمل دلالات لا تخفى على كل ذي عقل سياسي لبيب.
نعم مركز الأمر الواقع في صنعاء يمثل خطرًا على وطن لا نريد له مطلقًا أسسًا مناطقية وأسسًا مذهبية سلالية كالتي يدعو لها ويمارسها الحوثي بعيدًا عن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي تم الانقلاب عليها... وهو ذات الموقف الذي نؤكد عليه لقوى الشرعية وداعميها، مع تأكيدنا الجازم بهذا المضمار على ما يلي:
- سيادة المنظور الوطني له الاعتبار الأول.
- الدعم من الحليف لا بد أن يكن مساندًا وداعمًا للشرعية ككيان موحد نابذًا للتفتيت.
- أن كل ما يلوح دوليًا من تسويات تقودها الأطراف الدولية: أمريكا، أساسًا، الممسكة بخيوط الأزمات الإقليمية التي صنعتها ومولتها وصلت لرؤى تقوم على مبادئ
- الحل السياسي بات ضرورة مفروضة.
- بقاء السلاح بيد الدولة، والسؤال: أية دولة نقصد؟ دولة وطنية ذات سيادة كاملة.
- في بلادنا لا تسوية مع كتل ورؤوس متصارعة تملك السلاح ويأتيها التمويل في وقت فيه وهن وإضعاف عمدي لقوى الشرعية الضعيفة.
- تداخل الأزمات خلال مرحلة الحرب وما تلاها من هدن لا معنى لها ومؤتمرات دولية كانت فاشلة، بل تم استخدام بعضها لإضعاف الشرعية: اتفاق ستوكهولم للأسف مع ما يجري من مهادنات وتلطيف أجواء مع الحوثي ليس حبًا فيه، ولكن لحسابات تصب في خانة تسوية الملف الإيراني، والخشية أن يكون على حساب المشروع الوطني بملامحه وأسسه الوطنية بعيد حل أبرز ما فيه من تناقضات جوهرية، أهمها على الإطلاق الوصول لحل وطني مقبول للقضية الجنوبية.
ما ذكرناه ينبع مصدره خوفًا مما يجري من أمور تسترعي الانتباه ليس فقط في بلادنا ومنطقتنا، بل يشمل خارطة واسعة يجري تسويرها بمنطقة الشرق الأوسط بسياج صهيوأمريكي الذي له بشرق أوسط جديد بعد ما جرى من حرب ومواجهات إسرائيلية إيرانية وبالقلب منها دور أساسي أمريكي.
ما يجري من ترتيبات بلادنا ليست بمنأى عنها وما يجري ويحاك معها من تحركات سياسية...
لبنان، سوريا لهما ترتيبات جوهرها نزع سلاح حزب الله.
تحييد وضع سوريا تمهيدًا للتطبيع.
إيران نزع خياشيمها النووية وتفتيت ما عرف بالأذرع الإيرانية.
في الأفق مغازلة إيرانية لدول الخليج تعزز التفاهم الإيراني السعودي، برعاية الصين.
ما يدور في كواليس الخفاء السياسي من إشارات ذات معنى جوهرها ما يلي:
بات الحوثي وجودًا وقوة مرتبطًا بما سيصل إليه الحوار الأمريكي الإيراني، وبينهما عيون إسرائيلية نافذة للأسف.
كثرت الآونة الأخيرة أحاديث الغمز واللمز عن تغيرات ستطال مقام وهيكل بل وبقاء مجلس الرئاسة في بلادنا.
لعل أخطر مؤشر جرى بالعلن تسويقه تمثل بإبراز عنوان واسم أحمد علي عبدالله صالح بكل ما يمثله من إرث.
تحركات وإيماءات الأخ طارق رئيس المكتب السياسي للمقاومة، وما يعنيه الأمران معًا فإنما هناك توافق سعودي إماراتي أو عدم توافق.
أحمد علي عبدالله صالح ومن حين عين سفيرًا لبلادنا في الإمارات، وهو مقيم بدولة الإمارات.
فهل توافق الغريمان السعودي والإماراتي عليه كحل وسط يحقق رؤيتهما للحل الشامل للأزمة اليمنية؟ وهل ذلك الحل بعيد أم متداخل مع وجود الحوثي طالما ومنهج الحل يلتزم الحل السياسي وليس غيره؟
الأمور رهن التبلور، وعلى أي أسس ومبادئ سيجري اعتماد آلياتها لمعالجة ملفات أزمة بلادنا على أسسها؟ وتلك الأسس هي ما يلي:
مغادرة ساحة الحرب.
أيلولة السلاح لدولة يجري الحديث عن إعادة مداميكها.
تسويق فخ منقار الغراب الإبراهيمي، والإمارات تلعب دورًا أساسيًا فيه، بينما المملكة السعودية تربطه عبر موقف حازم يقوم على ضرورة قيام الدولة الفلسطينية أولًا، وبعده الحديث عن التطبيع.
نقول أخيرًا الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، ولنا هنا ملاحظات تصب في جوهر قضيتنا الوطنية، نوجزها في ما يلي:
أولًا: إلى أي مدى سيكون مقبولًا عودة من كانوا أساس المشكلة عنوانًا لحلها؟!
ثانيًا: كيف سيتم التعامل مع مخرجات مؤتمر الحوار؟ هل سيتم تطويرها أم تجاوزها؟ أضف إلى ذلك ما صدر من قرارات دولية وتوافقات وطنية واتفاق الرياض.
ثالثًا: كيف سيتم التعامل مع ضرورة التوافق على متطلبات المرحلة الانتقالية؟ وهل سيتم بنفس أدوات وآليات ما سلف وكان سببًا لما وصلنا إليه.
رابعًا: ماذا عن نزع أسلحة الحوثي وكافة أسلحة المليشيات وتسليمها لوزارة دفاع وطنية؟
خامسًا: ماذا بشأن المعالجات الفورية لأزمة البلاد الاقتصادية؟
سادًسا: ماذا بشأن ضمانات دولية لإعادة إعمار ما دمرته الحرب على كافة الأصعدة؟
تلك رؤية نأمل أن تغنيها وتضيف إليها النقاشات.