أيام خروج الإنجليز من عدن، اشتريت بثلاثمائة شلن جهاز تليفزيون يابانيًا من نوع هيتاشي 14 بوصة، من واحد إنجليزي مسافر، لغرفتي في البيت، بالإضافة إلى تلفزيون البيت 20 بوصة، نوع فيليبس سييرا أبو لمبات!
كانت برامج التلفزيون تستحق اقتناء الأجهزة، مع أنها كانت لاتزال بالأسود والأبيض.. وانتقلت إلى كريتر عدن في بداية السبعينيات، وأخذته معي، وكان يعمل بكل كفاءة إلى ما قبل انتصاف السبعينيات، حين تعطل.. وسلمته لياسين مصوعي، مهندس يعمل في التلفزيون.. وطلب قطعة غيار من وكالة عبدالجبار راشد، وكيل هيتاشي في عدن، واستبدلنا القطعة الغالية، وليتنا لم نفعل، فقد كانت برامج التلفزيون في حالة بائسة وقتها، وتستحق الرثاء!
المهم، مرت على حكومة الثورة أوقات من الإفلاس جعلتها تتلبج بحثًا عن مورد إضافي للدخل! وأعيتها الحيل، فلجأت كعادتها إلى المواطن المسكين لدفع الثمن.. خطرت لها فكرة شريرة لا نعلم من أين استوحتها، لكي تأمر من يملك جهاز تليفزيون بدفع فاتورة شهرية كرسوم على اقتناء تليفزيون وتلقي خدماته.. كان التوقيت أبعد ما يكون عن التوفيق.. كانت برامج التلفزيون قد بلغت أدنى درجات التدهور..
سنت واحد مش رايحين نسلم.. قال الناس لحكومة الثورة.. وقالوا: لو تشتوا تصادروا أجهزتنا صادروها وباتخارجونا من برامجكم البايخة شديدة البواخة.. وباتسكهونا من خبابيركم! وحسب علمي ولا مخلوق دفع سنت أحمر كرسوم تليفزيونية للحكومة.. وكنت أيضًا واحدًا من تلك الخلق.. وبطبيعة الحال لم يبذل أي جهد لتحسين برامج التلفزيون.. وتخلصت من تليفزيوني الهيتاشي العبدالجبار راشدي، ببيعة للدريوال حق وزير أمن الدولة محمد سعيد عبدالله، بين قوسين محسن! وانتظرت بلا تليفزيون إلى أن دخلت الألوان على البث.. ولا خسارة في ذلك، لأن برامج التلفزيون كانت من حق أم الجن.. والخلاص منها غنيمة كبرى.. ولأول مرة في تاريخنا المجيد ينتصر الناس على حكومة الثورة بعصيان أوامرها.