نعم لعنة إسبرطة حلت على جغرافيا بلادنا، وتلك حكاية لها شأن عجب!
إخوة أشقاء لكن على طريقة إخوة يوسف، مأساة يوسف وإخوته.
وما صلة الوصل بين نبي وشرذمة من جند إسبرطة زينت لهم قوة التحدي أن بالإمكان الوصول إلى ما كان محرمًا الوصول إليه.. تلك غطرسة القوة زمان المتناقضات في فهم قيم القوة وتوجهات مقاليعها.. نوع من الجنون، نوع من الحب القاتل المسموم المليء بالأطماع وهوس التمدد، وتملك ولو من باب العدم عناوين قوة ومكانة إمبراطورية إسبرطة، ولو بعد حين.
وشتان بين ما لا جامع بينهما غير مفاهيم عالم مستجد عناوينه لا تثير الجدل، لكن تثير الغثيان عن قوة المال في صياغة معاني الوجود... أصابنا نحن أهل اليمن حب وعشق فريد من جار وأخ وحليف رأينا من أفاعيله ما لم نره من عدو ولا من شقيق.
وكيف ذلك؟
يا له من حب قاتل والبئر مازالت شاهدًا على ما لحق بيوسف حين رماه إخوته، وواروه خلف الشمس، ولفقوا لأبيهم واقعة افتراس الذئب لأخيهم يوسف.
إخوتنا المستجدون أتونا بجحافل إسبرطة يشدون الرحال نحو الموانئ والجزر، وهمنا ومشكلتنا باتت مع جند إسبرطة الجدد، ولم تعد مع من كان سببًا من أجله أتينا بجند إسبرطة كي يعيد علينا مأساة يوسف وإخوته.
أي عالم مجنون يحكم عالم البشر...! حتى عالم البراءة عالم الإخوة عند هيمنة المصلحة كروح شريرة على روح الأخوة، تنتهي البراءة، وتتمظهر المصالح، لينتهي يوسف مرميًا باليم... يموت ينتهي جسدًا، وتظل روحه حية، يظل أبوه، ولدينا يظل شعبنا مدركًا بأعماق مشاعره التي لا تكذب ما فعله إخوة إسبرطة بأخيهم يوسف الشهيد.
رموه... يا للهول!
أجهزوا عليه
رموه بفج عميق
ببئر سحيقة
تلك مأساة يوسف البريء زينة العصر وفاكهة الزمان جمالًا خلقًا سمعة طيبة، أبى أن يستجيب حين راودته عن نفسها امرأة العزيز، وهى من هي جمالًا وإغراءً ومالًا وفتنة ومكانًا ومكانة، كان أنقى، كان أطهر، ينظر للبعيد، ولكن يا يوسف أيها الصادق العفيف، ماذا عسانا نقول وقد أتانا آخر الدهر من يأتي أمر يوسف أشنع مما كان وصار آية الزمان... أخو إسبرطة رمى خلف ظهره ما صار ليوسف، تملكه حلم إسبرطة تمددًا واتساعًا ولو على حساب يوسف الجديد، الوطن الذي به استعان، لكنه يقضي عليه، ينهي ما بينهما من إخاء وقيم ومشاعر الجوار وإمكانات لا تتوافر لأشقاء لإخوة آخرين...
كانت لغة إسبرطة من نوع التقية، قالوا ذات يوم نحن إخوة جيناكم بمدد وعتاد به تذودون عن حياض ديار يوسف، فيوسف لنا أخ كبير، بل أكثر وأكبر من شقيق، إنه بمنزلة الروح للجسد، بالروح بالدم سنحميه من ذئاب تحاول نهشه، لكن نحن له عدة، وعنه بالروح بالدم مدافعون، وقد كان ما كان من التحالف وقوفًا بجانب يوسف أخًا شقيقًا... نعم والله كان التحالف مع فارق همزتين بين مصالح الإخوة الكامنة داخل طموح إسبرطة، وما يمتلكه يوسف من مقومات ومكانة وتاريخ وإمكانات تغري الآخرين، وهم الجار الشقيق وتحالف جيران لا يملكون موقعًا به ينافسون ما ليوسف من ميزات حبته بها طبيعة الموقع، وهم -أي إخوة إسبرطة- لا يمتلكون مزايا تشكل بديلًا لعصر ما بعد انقضاء زمن النفط البات قريبًا...
هنا وقعت الطامة الكبرى، صار يوسف اخ إسبرطة بوجه جديد، فقد بات ما لديه وما تحت يديه من ثروة تراكمت عبر السنين وسائل ليس فقط احتواء يوسف وتعطيل ما لديه من ميزات الموقع بدءًا برأس جبل علي بديلًا، وتملك الكثير من المنافذ والموانئ المجاورة، قصد حصار ميناء عدن بعد العبث به، بعد أن لاحت بشائر كونه مستقبلًا أحد مرتكزات طريق الحرير.. إخوة إسبرطة الآتون لنجدة يوسف بعد أن زلت قدماه تحت لعبة الحرب وصراعات أصحاب المصالح، أقرباء كانوا أو كانوا من الأبعدين، أدركوا مخاطر موقع يمتلكه اليمن السعيد، وأدركوا أن طريق الحرير، وفي ضوء التفاهمات التي عقدها الرئيس عبد ربه، تعني لإخوة إسبرطة خطرًا ماحقًا لا بد من التخلص منه، بل القضاء عليه، عبر ما تم من أساليب إخوة إسبرطة، والواقع يشهد، ولديه من الدلائل الكثير!
كم أنت مسكين أيها اليوسف، إخوتك من جوار لحم ودم من أتوا لنجدة يوسف، لنجدة اليمن السعيد من براثن كسرى أنو شروان بعد تمدده طولًا وعرضًا، وبات بصنعاء طولًا وعرضًا مقيمًا، مأساتك تتكرر... يا يوسف الحزين، هذه المرة كان الثمن من ذات ثمنك الغالي، فالجار العزيز وهو يبحر في عالم المصالح والبحار، ولأنه جار شقيق قد تلبسه حلم إمبراطورية، وعلى الطرف الآخر من يغذي فيه مشاعر الشعور بالعظمة، وهو يتمدد خارج موقعه المغمور الفاقد المقومات للتنافس على المزايا التي يمتلكها بحر يوسف والمحيط.
هنا الطامة الكبري يا يوسف، ها هو جارنا أخوك الشقيق الذي رماك باليم بالأمس، ها هو يتمدد بين الموانئ وعينه تتلفت شمالًا ويمينًا تخشى جل ما تخشى أن يكن ملكك يا يوسف لموقع فريد وموانئ وباب مندب وهلم جرى. وها هم الصينيون قادمون عبر مشروع القرن طريق الحرير يطرق الأبواب، تغير مؤشراته جغرافيا العالم الاقتصادية.
بلدك يا يوسف العزيز يمتلك ما لا يمتلكه جارك العزيز، بل إن كل مؤشرات المستقبل ونجاح مشروع الحرير الطريق بحاجة كي يكتمل نجاحه بحاجة تحديدًا لما تمتلكه بلادك من مقومات فريدة للموقع، تسهل بكل المعايير الاقتصادية كلفة حركة التجارة الدولية، إلى جانب ما يمكن أن يمثله وجود دولة قوية تحافظ على أمن واستقرار الملاحة بالبحر الأحمر، وحفظ الأمن بباب المندب، وصولًا لشريان أمن يرتبط مع قناة السويس بكل ما يعنيه ذلك من الحفاظ على الأمن القومي العربي.
إنه لأمر وطني عاجل أن تعيد يا يوسف رتق علاقات الصداقة من جمهورية الصين، وذلك عبر الخطوات التالية:
- العمل على إعادة تفعيل التفاهمات التي تمت مع الصين خلال وجود الرئيس عبد ربه بالسلطة.
- اليقين المطلق بأن إنهاء الحرب والوصول لخارطة عمل سياسي هو سبيل اليمن للخروج من نفق أزماته، وعلى الحلفاء والأشقاء لعب دور أخوي حقيقي يلغي ازدواجية المعايير، ويجبر الطرف المنقلب على الدولة على العودة لجادة الصواب، فذلك سيكون في صالح الإقليم والجوار.
- بات من الضرورة بمكان تعزيز وحدة مجلس الرئاسة تعزيزًا وطنيًا وفق رؤية تبحر به بعيدًا عن المكايدات للتفرغ لمهامه الاستراتيجية الوطنية، وعدا ذلك مجرد تلاقٍ مع ألاعيب إخوة إسبرطة.
- الحفاظ على إمكانات ميناء عدن الطبيعية وغيره من الموانئ اليمنية، والسعي لتطويرها، لتظل قادرة على المنافسة، مع الحفاظ على وجود ميناء عدن كأحد روابط الوصل الدولية للأنشطة المختلفة التي تسعى لإنجازها الصين الصديقة عبر مشروعها العملاق طريق الحرير، ويشكل موقع بلادنا وعبر بوابة باب المندب أحد معالم علم اقتصاد الغد بكل ما يحمله من معالم تغيير بيئة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي صاغتها دول الغرب بقيادة الولايات المتحدة.
إنه زمن استعادة يوسف لمعاني تضحياته، ولو كره إخوة إسبرطة المستجدون على جادة الطريق، ونأمل أن نصل إليها قريبًا، بعيدًا عن المزيد من هدر الأموال والدماء، وتفويت الفرص التي لا تنتظر من يستفد منها بجدارة في الوقت المناسب.
واللهم إني بلغت.