صنعاء 19C امطار خفيفة

وكل منجم أدرى بمنجمه!

رد الزمان على المنجمين بالقول الفصل: ما صدق المنجمون وإن صدفوا.

لم يقل الزمان وإن صدقوا، لأنهم -أي المنجمين- بمهنتهم أبعد ما يكونون عن الصدق ومهنية العلم، وإن حدث وشاءت الأقدار والصدف وأتوا صدفة قولًا تجوهر فعلًا في عالم الواقع واقعًا أو حقيقة، تلك لحظة ما كانت على البال ولا على الخاطر، لكن فإن للصدف في كثير من الأحيان المجيء بما يخالف المتعارف عليه، ويضع الجمع أمام واقع ومستجد يخالف ما كان أو صار معهودًا. مهما يكن، تلك مسألة لا يكررها الزمان، ولا بمقدور المنجم حتى ذاك الذي يدعي أنه يساكن ملك الجان، أن يكرر صدفته، هو لا يمتلك علمًا ولا معرفة... قاموسه يظل دائرًا داخل حلزون... ورب صدفة خير من ألف ميعاد.

 
لا علم بأسس متعارف عليها، ولكن طلاسم لا تصمد أمام إعجاز العلم وقواعده.
استرعى انتباهي كثرة الحديث عما يأتيه المنجمون من أقوال وأقاويل وتوقعات، وكثر هم المنجمون من الجنسين رجالًا ونساء، ويتوزعون عبر القارات والبلدان، ويشار لهم بالبنان، ويضعون الناس من غالب الفئات فريسة لما يطرحون من توقعات ويرجمون بالغيب عن صواعق وتبدلات تطيح بالسياسة بالجغرافيا بالمكان والزمان، تحيل العالم خرائب وأطلالًا إلى نمارق مشعة عبر تغيرات يشيرون لها. المنجمون هم نماذج تخاطب عوالم شتى ترضي غرور من يرغب تخاطب الأمراء والأسياد، منجمون يتوزعون بالهند أو جنوب شرق آسيا وحتى بعض بلدان سيادة العقل، تحتفظ بمكانة لديكارت وثورات العقل ضد ترهات الكنسية، ويأتي آخر الدهر منجم أو منجمة يحفر أخاديد الوجود، يستطلع النجوم، يقرأ الكف وما بين الأصابع، ويقلب صفحات تاريخ من يخاطب يستقي عنها معلومات أساسية يبني على ضوئها طلاسمه، ثم يرمي بحباله جبال هملايا، يستطلع ما خلف النجوم والنجوع، ويحرص على الرجوع إلى بيت الزاد... زاد المعلومات عن بنية الشيء المثير الذي يتلاقى مع أمواج من الرغبات للشخصيات التي يتطلع إليها، مثيرًا ما يسترعي الانتباه، ويحرك الساحة السياسية، ليتوافق مع ما يحتدم من صراعات داخلها بين رغبات تتقاتل وأفواج تقف بالمرصاد... تهيج الأجواء... تعمم ما أطلقه المنجم من قراءات، ويا سبحان الله كيف تتماشى الأمور خارج العقل والعمل على مصادرته، وتلك نراها مصادرة لواقع ينبغي أن تحل مشاكله عبر قوى تفكر وجموع تشارك بوعي ومشاركة حقيقية.
 
ألا ترون معي أن المنجمين قوم أو قل فئة منهم أو نفر ممن يبحثون عن الإثارة والتهييج، وأقول لماذا يلجؤون لذلك حين يتم العبث بالمجتمعات ومكوناتها، وتصبح مكانة المشعوذين والمنجمين مكانة مرموقة تحتل مكانًا بارزًا بالصدارة بعد مصادرة العقل والعقلاء... يأتي المنتفعون وضاربو الودع وممتهنو القوة يستطلعون النجوم بحثًا عن حلول لمشاكل الفقراء الناتجة عن عبث هذه الفئة المستجدة، وعبث الحروب التي ولدت مصالح ومنافع، وأحدثت إفسادًا بالبيئة الوطنية بصورة تحول المجتمعات إلى غابات تتقاتل داخلها قوى المجتمع، وتأتي قوى تعيد فبركة الوعي والمصالح حتى وإن أخذ صورة التنجيم والرجم بالغيب... هنا لنا حق أن نسأل: لمَ لم تذهب أمهات أفكار المنجمين صوب مشاكل الفقراء التي تغطي سطح الكرة الأرضية؟ لم نرَ منجمًا يدافع عما حل بالفقراء من مشاكل.. لم نرَ منهم أحدًا ينتقد أداء الأسواق وفق نهج السوق، حلزون العرض والطلب... لم نرَ لهم دورًا مشهودًا في حلحلة مشاكل كوفيد 19... لم نرَ لهم دورًا مشهودًا يتابع ويستطلع الأفلاك وقوفًا مع فقراء العالم في إفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط... أقول لكم الصدق بأن قراءات وتنجيمات المنجمين لا تأتي بتاتًا من فراغ، إن المنجم سواء خاطب أميرًا أو ذا جاه، هو لا يتحرك مطلقًا من ضمير حي يبحث عن الحل الناجز وطنيًا لما يعانيه هذا البلد أو ذاك بتاتًا، إن تحرك المنجم إنما هو مجرد مسوق ماهر لجواهر مزيفة، في أسواق تغتال الضعفاء، وتخلط أوراق اللعبة داخل البلدان المضطربة تمامًا مثل قارئة الفنجان، يأتينا آخر الدهر منجم يستعرض فقه تنجيمه لحل معضلة اليمن السعيد الذي أنهكته الحرب وصراعات المصالح، ولم نسمع منجمًا واحدًا قال خيرًا ودعا لنبذ الحرب، ذلك لم ولن يحصل أبدًا... لكن ستأتي لنا الأيام آخر الدهر بمنجم قد يكون هنديًا عفريتًا أو قد يأتينا من حيث لا نتوقع منجم أو كما فاجأنا الدهر بمنجمة من جبل لبنان... وما أجمل جمال لبنان في ربوعه تلك التي تطل على الدهر بجوار جارة القمر... فيروز... لكن فيروز تطربنا ولا ترجم بالغيب ولا تنجم... ولكن تغني يا عاقد الحاجبين إن كنت تقصد قتلي... تأتي تطل علينا تعني للشام لبيروت... للقدس... وليست كالمنجمين والمنجمات بتاتًا، ما قالوا ما أثاروا نقعًا ولا غبارًا... ما نجموا عن غزة خيرًا، ما قالوا شيئًا عن غزة... شهداء وأطفال تحت الركام... ما نجموا ولا تنبؤوا، فهذه ليست سوقهم التي يجنون منها ما خف وزنه وغلا ثمنه ذهبًا رنانًا.
 
لا نريد التعرض لليلى عبداللطيف وهي تمر على كثبان جزيرة العرب ورمالها التي تحركها ريح صرر، ها هي ترمي بحبالها قد يممت هذه المرة شطر يمننا الجريح، ها هي ترمي شباك أنجمها تتماهى مع تحرك الرمال التي حرك مجرها مجلس الأمن بعد طول سبات، وأتى فعلًا نادرًا غاب عنه سنوات، لكن للضرورة وللسياسة أحكامها ومفاجآتها... فها هو يلاعب الفصل السابع الراكد، ليخرج من تلابيبه من بات ضرورة لتحريك المياه الراكدة للساحة السياسية باليمن الجريح... إنها انتهازية السياسة... تتلاقى مع انتهازية المنجم حين يتحرك منجمًا حيثما يكون الدور مطلوبًا من جهة قد سبق التعامل معها ضمن سرايا الملوك أو من اقتضت المصلحة ذلك التعامل... بالطبع ليس مصلحة اليمن... مصلحة اليمن هنا مصلحة تابعة... بينما هي جوهرًا أعمق من ذلك، لكن تحرك رمال الصحراء... الرمال المتحركة دومًا تعزف على وتر يشده من يحرك الرمال السياسية ويراكمها، وحين يحين وقت تحريكها يتم معها تحريك كل أدوات اللعب والعزف على كافة الأوتار السليمة والمثقوبة. ومن هنا تأتي المفاجآت من العيار الثقيل المصاحبة لما أدلى به المنجم أو أدلت به المنجمة، وتبدأ أحاديث تعلو عن تسويات للملعب السياسي الملتهب، وجوقة الإطفاء حاضرة لإطفاء ما يجب وإنارة عناوين يشار لها بالبنان، ولكن ليس ضمن رؤية متكاملة تضمن حلًا للأزمة اليمنية من جذورها.
تبرز أسماء من العيار الثقيل تتحرك مع الرمال المتحركة، يشتعل الموقف، ولا بأس من إشعال الساحة برمالها المتحركة والمضطربة بما يزيدها اشتعالًا. هكذا وجدنا ليلى عبداللطيف تدلو بدلوها المملوء بنجوم التنجيم، وفلك بيت الفقيه الأكثر صدقًا من فلك شارع الحمراء الذي أتت علية السنون... لنا بهذا التنجيم قول مفيد، فقامة وطنية، بمقام أستاذنا الكبير أبو خالد محمد سالم باسندوة، ليس بحاجة لمنجم من جبل لبنان، ولا من فلك بيت الفقيه، ولا شخص مثله موله بدعوات الهاشمي والعيدروس أو دعوات ابن علوان... هو قامة لديها رصيد نضالي يسد رمق الشمس، ولديه قبول جماهيري ترجمة لتاريخ نضالي نظيف بشطري اليمن الكائن بأعماق وجدانه إيمانًا ونضالًا، عنها لا يحيد... هو أكبر من مقام ومقال من نجم ورمى بالغيب في يم مائه النظيف الذي انقطع مورده عن الناس الذين عنهم ناضل طويلًا، ومازال يسعى لخدمة أهل اليمن شمالًا وجنوبًا.
 
وعلى هدى ما أثارته ضجة المنجمين قامت الدنيا ولم تقعد وهي تطارد رمزًا وطنيًا آخر لتنهال عليه السهام تطاله كأنه أتى إثمًا، ذلكم هو عزيزنا الأخ الرئيس علي ناصر محمد تقاذفته الرياح سواء حط الرحال بموسكو وهو ليس عنها بغريب، أو طار لإسطنبول وقابل أساطين من بيدهم مفاتيح الوصول لسدرة المنتهى كما أشاعوا وقالوا، وحتى إن قفل عائدًا لبيروت أو عائدًا حيث يقيم بقاهرة المعز، غمزته العيون وترميه السهام، وكان -والحال كذلك- كمن حلت عليه لعنة التطلع لكرسي العرش... هكذا يتصورون، فالملعب بات جاهزًا، والكرسي شاغرًا ينتظر من يملأ فراغه، من يأتيه عبر المنجم أو عبر ضارب الودع أو ذاك الذي يقول للشيء كن فيكون، وللسياسة في بلادنا حكايات ومذابح ومنجمون.
 
يا سادتي منجمون وعداهم... أستاذنا باسندوة يكفيه رصيده التاريخي، ثقافته، بقاؤه نزيهًا كي يظل رمزًا، والساحة والناس هم من يقررون ويختارون، وكذا عزيزنا أبو جمال ليس بحاجة لمن يقرع له الطاسة، هو خبير يعلم وقد تعلم كثيرًا، وعلمته السنون والحياة والتجارب الكثير، وله على الأرض موطئ قدم يعرف أين ومتى يخطو... وكثيرون أمثاله وأمثال الأستاذ باسندوة يدخلون التاريخ كما دخلوه ذات مرة من أوسع وأنظف الأبواب، وليس عبر رقصات أم الفأل أو عبر مطبلي زفة الأعراس على إيقاع منجمي الدفع المقدم ذهبًا... رنانًا.
كلاهما تاريخ ونضال وسعة معارف واتصالات تحمل عبرها عبق تاريخ نظيف، فما الذي سيضيفه منجم هناك أو ضاربة ودع هناك؟ لا شيء، اللهم إشعال ساحة ملتهبة أدمتها الحرب، وباتت بحاجة لمشروع وطني متكامل سياسيًا اقتصاديًا أمنيًا، ضمن رؤية تمثل توافقًا وطنيًا يشمل ساحة وطن كاملة باتت بأمس الحاجة فعلًا لشخصية وطنية تحظى بالإجماع وطنيًا أولًا، وتليها أن تحظى بقبول لدى الأطراف الدولية والإقليمية ودول الجوار خاصة. تلك مسألة بدونها سيصعب على أية شخصية تحمل مسؤولية إعادة بناء وطن وأساساته تقريبًا من الصفر، ذلك يتطلب غطاءً وتمويلًا مضمونًا، وهنا تكمن المعضلة التي إن غاب توافرها المضمون لا يستطيع أي كان أن يخطو قيد أنملة، فالبلاد في حالة دمار شامل، واقتصادها مشلول، وعملتها منهارة، وأساس الدولة ومؤسساتها في حالة غيبوبة، هناك شروط للخروج من حالة الغيبوبة تلك.
 
هذه حالة البلد التي تتحدث عنها قارئة الفنجان، ولا يهمها بعيد أن رمت بحجرها الصوان ما الذي سينتج بعد ذلك، تلك مسألة لا تهمها كثيرًا، ولا تعيرها أدنى اهتمام... الوطن بحاجة لجهد حقيقي من كل من يكن لهذا الوطن الجريح أدنى تقدير واحترام، ولا نشك مطلقًا بكل جهد لكل أبناء الوطن الخيرين، فالظرف والواقع أصعب مما يتصوره أي إنسان أيًا كان، والأمر أصعب مما يتصوره المنجمون.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً