صنعاء 19C امطار خفيفة

انطباعات موجزة عن السعودية ومصر والتواجد اليمني فيهما! (2)

من خلال قيامي بجولات ميدانية في بعض المدن السعودية التي زُرتها مؤخرًا، هالني حجم التغيير الشامل في شتى ميادين الحياة، دون رفع شعارات ولا دعايات مُسبقة! بخاصة التغييرات في الجوانب الاقتصادية والتنموية، واستخدام التكنولوجيا في كل مرافق الحياة، وعبر خطط ومفاهيم حديثة يرافق ذلك تغييرات في عقول ومفاهيم وتوجهات الشعب السعودي نفسه! مع اهتمام خاص بشريحة الشباب السعودي من الجنسين، ممن لديهم القُدرة على العطاء والانسجام مع عَالم اليوم، حرصًا على القضاء على البطالة، وتحفيزهم على القيام بممارسة مجمل المهام والأعمال المختلفة، بما فيها بعض الجوانب الخَدَمية التي كان بعض الشباب السعوديين يَعَافُ ممارستها حتى الأمس القريب! وكل ذلك يُعد جزءًا من تنفيذ "رؤية 2030م" التي يتطلع رائدها الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، إلى نجاحها كاملة، والذي لا عيب فيه، إلا أنه يملك قدرة استثنائية في استعباد أحرار وطنه، وقدرته على جمع ما قد يتفرق من شمل الفضائل..

 ولذا، ومن خلال ما أوجزتُ قوله آنفًا، فإنه يتطلع إلى تحويل المملكة من دور شبه تقليدي إلى دولة مؤثرة بعرضها وجوهرها، ولتصبح لاعبًا رئيسيًا ومُؤَثِّرًا وفاعلًا في ميزان القوى الكبرى، ورقمًا هامًا ورئيسيًا في صناعة المنطقة، وبصورة أشمل وأوسع وأعمق مما كانت عليه! ودون الإخلال بقيم وثوابت المجتمع السعودي، أو هكذا يأمل أمثالي!

وكعادتي عند زيارة المملكة، أقوم بزيارة بعض الزملاء والأصدقاء ومنهم بعض زملاء الفصل والدراسة بجدة، ثم زيارتي في الرياض للزميل القدير الدكتور عبدالعزيز بن محمد عبدالله السُّبَيّل، أمين عام جائزة الملك فيصل العالمية، وزمالتنا بدأت بمكة المكرمة أيام والده الفاضل إمام وخطيب الحرم المكي الشريف، فضيلة الشيخ محمد بن عبدالله السُّبَيّل، وزميله بالحرم المكي الوالد الشيخ طه بن عبدالواسع البركاني، رحمهما الله، وطيب ثراهما، ثم بجامعة الملك عبدالعزيز -فرع مكة المكرمة، وصولًا إلى التواصل بولاية "إنديانا" بالولايات المتحدة الأمريكية.. ولأنها زمالة صادقة وأخوة راسخة قائمة على الحُب في الله، فقد ظلت ولاتزال وستظل هذه العلاقة بعون الله، مع وجود بعض القواسم المُشتركة بأوجه عديدة.. إضافة إلى تميز "أبي حسان" بتوجهه العربي عامة، وحبه مع حرصه على وطنه الثاني (اليمن)، واستمرار استفساراته على أحواله وشجونه، بخاصة مع الظروف الحالية التي يَمُر بها اليمن، وارتباطه بعلاقات مع بعض الأدباء والشعراء اليمنيين، وعلى رأسهم الفقيد الراحل الدكتور عبدالعزيز المقالح، إذ رثاه في مقالة نشرت في إحدى المجلات الثقافية وبعض المواقع.

بل إن حبه لليمن ولبعض أُدبائه وشعرائه، وصل إلى الحديث عن الأديب اليمني المعروف محمد عبدالولي، في رسالته للدكتوراه التي حصل عليها من جامعة "إنديانا" الأمريكية العريقة، والتي عنوانها: "الاتجاهات الواقعية في القصة القصيرة في الجزيرة العربية"، تناول فيها أيضًا أعمال الأديب محمد عبدالولي، خصوصًا ما يتصل بالهجرة وأبعادها وتأثيراتها الاجتماعية والوطنية، ضمن مفهوم الواقعية النقدية التي ينتمي إليها محمد عبدالولي، رحمه الله.

كم أتمنى لو تمت ترجمة الرسالة أو حتى بنفس اللغة الإنكليزية، ووجدت بعض نسخ منها في كليتي الآداب بجامعتي صنعاء وعدن، بالذات، وفي مركز الدراسات والبحوث اليمني، لتكون في متناول بعض أدباء اليمن، بخاصة من المهتمين بأدب محمد عبدالولي ومؤلفاته! ودون أن أنسى هنا الإشادة بمتابعاته الأخوية التي ظلت شبه يومية مع بعض الأقرباء المقيمين بالمملكة وبغيرهم، للمحنة التي مررتُ بها مع الولدين حمزة وذي يزن في سجن الأمن الحوثي (القومي) سابقًا.

لذلك، لا غرابة من تكرار الزيارة لشخصه الكريم، مع التواصل التليفوني وغيره، والمستمر.. وهي الزيارة التي تكررت خلال رحلتي الأخيرة، إذ زرتُه إلى مقر الجائزة بمؤسسة الملك فيصل الخيرية وسط الرياض.. وفي كل مرة أزوره إلى مقر عمله، أجده قد أوجد جديدًا في الجوانب الإدارية والتنظيمية الخاصة بجائزة الملك فيصل العالمية -ومن ذلك تقليص الموظفين والاهتمام بحاملي المؤهلات العلمية الرفيعة من الجنسين- وبما يتناسب مع مهام ومكان ومكانة الجائزة، إضافة إلى تخصيص كل غرفة من غرف الأدوار التي تشغلها الجائزة بمقر مؤسسة الملك فيصل الخيرية، لجائزة من الجوائز الخمس، مع اسم الفائز بكل جائزة، وخلفيته الثقافية والفكرية والعلمية، وتقديم بعض المعلومات النظرية بالصوت والصورة، وخلفية كاملة عن كل جائزة للزوار، وهم كثر.. مع خلفية عن نشأة الجائزة وأهدافها منذ قيام مجلس أُمناء مؤسسة الملك فيصل الخيرية بإنشائها عام 1977م، وأسماء الفائزين بفروع الجائزة الخمسة منذ بداية منحها عام 1979م وحتى عام 2024م، والذين يبلغ عددهم 295 من 45 دولة.. إضافة إلى قيام أمين عام الجائزة بتحويل المؤسسة إلى مؤسسة علمية وبحثية، بعد أن كان عملها محصورًا بالجائزة وبالفائزين بها فحسب!

أحسب أن الحديث عن جائزة الملك فيصل العالمية وإنجازات أمينها العام وكل ما له علاقة بها بما فيها (مراحل اختيار الفائزين)، وغير ذلك من كل ما له صلة بها، يحتاج لسرد مفصل خاص بها، وهو ما قد أكتبه مستقبلًا بعون الله، أو عند أية مناسبة تخص بعض فعاليات الجائزة نفسها!

ثم، ماذا عن التواجد اليمني الرسمي والشعبي في المملكة؟!

فلقد كان لعاصفة الحزم دور كبير ومؤثر في تحرير بعض مناطق اليمن من الاحتلال الإيراني الحوثي، ولايزال وسيظل هذا الدور حتى تحرير كل شبر لايزال تحت الاحتلال!

إنه من خلال لقائي بفخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، بالرياض، وهو الرجل الذي خَبَرتُه عن قرب منذ سنوات مضت، فوجدته وقد بات اليوم هو الرجل الأول المَعني باليمن أرضًا وإنسانًا، وفي ظل ظروف صعبة غير مسبوقة، كما وجدته بالماضي القريب، وبمختلف مهامه ومناصبه التي تقلدها بكونه الرجل العاري من الكبر، القابل للعذر، المتحري للصواب، المضطلع بمهامه بكل صبر وتجلد وثقة، رغم كل ما وَمن حوله!

أقول، من خلال لقائي بفخامته، بجانب لقائي ببعض المَعنِيين بالملف اليمني، خصوصًا من الأشقاء السعوديين، تأكد لي حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين، ممثلة بولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ثم بشقيقه الأمير خالد بن سلمان، وزير الدفاع، على استمرار الوقوف مع "الشرعية"، وتطلعها المُستمر إلى تحقيق سلام حقيقي عادل ومشرف وقائم على المرجعيات وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة! وليس كما تروج له بعض مطابخ "الحوثة" وغيرها، عكس ذلك، أو الزعم بانصراف حكومة المملكة إلى الشأن السعودي فقط! وعلى حساب القضية اليمنية وشرعيتها، حسب رأي البعض! وإن كان من حق حكومة المملكة الانصراف للشأن السعودي، ولنجاح "رؤية 2030" بالدرجة الأُولى، لكن ذلك لم ولن يكون على حساب عدم الاهتمام بحل القضية اليمنية بحسب المرجعيات والقرارات الدولية التي كان للمملكة بالذات دور كبير في صدورها! ولأن المملكة قيادة وحكومة وشعبًا تعرف جيدًا أن الانصراف عن حل القضية اليمنية بالصورة التي يروجها أعداء البلدين الجارين والشعبين الشقيقين، ليس في صالحها بالدرجة الأُولى، بل ويتنافى تمامًا مع توجهات وأهداف ومكان ومكانة المملكة ومن كل الجوانب! إضافة إلى معرفتها المسبقة بتوجهات وأهداف وأطماع إيران الفارسية، والتي تتطلع إلى تحقيقها بصورة مباشرة أو غير مباشرة عبر وكلائها، وفي مقدمتهم المليشيات الحوثية، مهما ظهرت إيران بجوانب أُخرى سواء للمملكة أو لغيرها!

وبالنسبة لتواجد أبناء اليمن العاملين بالمملكة، والذين يزيد عددهم على مليونين، فإنهم يتمتعون بحرية العمل في إطار الأنظمة واللوائح الرسمية المعمول بها، ويمارسون مختلف المهن الخدمية والتجارية وغيرها، ثم -وهو الأهم- يعولون عدة ملايين داخل اليمن، والذين باتوا يعيشون في ظروف معيشية صعبة بسبب الانقلاب الحوثي الشنيع! وذلك هو ما يتجاهله زعيم "الحوثيين" وزنابيله، ولا يُقدرون ذلك للمملكة، بخاصة لكونهم مجرد مليشيات طارئة وزنابيل يعيش معظمهم على غيرهم من أبناء محافظات ومناطق ومدن اليمن الأُخرى المعروفة بتواجد بعض أبنائها بالمملكة وبغيرها، وذلك عكس محافظات ومناطق أُخرى! فالتواجد اليمني وبتلك الكثافة بالمملكة، يُمثل بحق فَرَادَة استثنائية تمتاز بها الشقيقة الكبرى عما عَدَاها من الدول الخليجية الأُخرى بالذات، وهو ما يستوجب الشكر والتقدير والامتنان والعرفان بالجميل من كل يمني حُر وأصيل للمملكة قيادة وحكومة وشعبًا.

وفي الوقت نفسه، فإن كل يمني مقيم بالمملكة بصورة نظامية وملتزم بالأنظمة والقوانين واللوائح المعمول بها رسميًا، يظل موضع تقدير واهتمام لدى الجهات الرسمية، شأنه بذلك شأن كل مواطن ومقيم ملتزمين بذلك، بخاصة مع صدور قرارات سهلت الكثير من الأنظمة ذات العلاقة بالعمالة الوافدة، بعد أن ظل بعض المقيمين اليمنيين وَغيرهم يواجهون بعض المضايقات والابتزازات التي ظلت تؤرقهم في حياتهم العامة!

كذلك لم ولن أنسى تسهيلات المملكة للعديد من اليمنيين ممن لجأوا إلى المملكة هروبًا من بطش وقهر وإذلال الحوثيين، ليجدوا بها الأمن بعد الخوف والرخاء بعد الشدة، والغنى بعد الفقر!

إن الحديث عن بعض ما شاهدته وتعايشتُ معه بالمملكة مؤخرًا، ومن كل الجوانب، يحتاج إلى سرد مفصل وإسهاب أكثر.. ومهما كتبتُ، وقلتُ وأشدتُ، فلم ولن يفي المملكة حقها.. وأحسب أنها في غنى عن سرد الكلمات والجمل الإنشائية، لكن ذلك لا بد لأمثالي قوله ولو من باب "من لا يشكر الناس لا يشكر الله".

ومن الحديث عن بعض ما رأيتُ قوله عن المملكة، وعن التواجد اليمني بها، وهو ما قد أوجزتُه آنفًا، إلى الحديث عن مصر وعن التواجد اليمني بها أيضًا!

 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً