ما الذي يجري ويحدث في بلدنا وضمن محيطنا من مفاجآت نراها من العيار الثقيل؟
ماذا كتب الدهر علينا لنرى في محطات حياتنا من حوادث ومفاجآت وتطورات تشمل المفاجأة فيه أمرًا مما يمكن اعتباره ضربًا من الخيال أو المحال يخالف القواعد التي تحكم إيقاع ما يصنع من مظاهر ونتائج على الأرض ما أنزل الله بها من سلطان!
كم هي المحطات الصعاب التي قطعناها على مدى تاريخنا الحديث لنفاجأ على الدوام، وضمن ديالكتيك خارج عن المألوف، نفاجأ بمفاجآت مما لا تشتهي سفن بها خضنا غمار مراحل صعاب كان التصدي خلالها يمهد لمشاريع دولة وطنية اكتنفتها العديد من المصاعب والتحديات داخلية وخارجية ظلت متلازمة التخادم بين هذين العاملين مصدرًا للتحدي والخطر، ولانزال حتى اللحظة ندفع ثمن ذلك التخادم، وها نحن نعيش محطات من الصراع الثقيل داخل مكوننا الوطني الذي جرى العبث بمكوناته ضمن تزكية صراعات مصالح حدودها أبعد من أنف الوطن الدولة التي كنا بها نحلم، وهنا لنا أن نسأل: ما الذي جرى وما الذي حدث؟! أهي لحظة من ضياع العقل والبصيرة، أم كانت لحظة هوان مقارباتها معبرًا عنها بتفاوت توزيع المصالح، كانت على الناس والبلد أثقل من وقع الحسام المهند يخر معه جسد المشروع الوطني صريعًا يعاني سكرات الموت يطلب الغيث ممن كان سببًا وعنصرًا فاعلًا لما بات علية الجسد الوطني تماسكًا وثقافة وتاريخًا، ليصبح مجرد ثوب كيان مهلهل!
إذن، ما الذي جرى؟ أهي لحظة يمكن تسميتها مكر السياسة، أم كانت تعبيرًا عن لحظة مكر التاريخ، أم أنها كانت نتيجة لتفاعلات الأمرين معًا؟
فمكر السياسة أمر وارد، إذ السياسة ليست ثباتًا للمبادئ، ولكنها تأبيد للمصالح، ومكر التاريخ، أي حيز الزمن الذي تدور بداخله صراع المتناقضات، يكاد لا يظهر على سطحه إلا قشور ما يجري من صراع، إذ مكر التاريخ -حسب هيجل- إنما تجري عناوين الصراع فيه عبر مستويين؛ الأول ظاهري تبدو معه القشور المزعجة، والمستوى الثاني المستوى الخفي. وكلما ظلت الحقائق غائبة، ويتم تجهيل المجتمعات بما يجري بداخلها، نكاد نصل لحالة مشابهة للحالة اليمنية التي نعيشها، إذ نحن كوطن ومواطنين نسمع لا نرى، نفاجأ ولا نجد مبررًا يقبله العقل، دومًا نجد أنفسنا أمام أنواع من مكر السياسة، ومكر التاريخ المزيف، ومكر المصالح التي يتربع على عرشها فوارس مرحلة التقاسم والصراع، بعيدًا عن المصالح العليا للوطن ومشاكل ومستقبل الوطن وشعبه، ومكمن الخطر هنا خطر ضخ المعلومات بشكل صحيح عما يجري، لأن التاريخ في مساره إنما يسير وفق منظور مستقل عن إرادة البشر والإنسان... المرء.. المواطن إن حجبت عنه المعلومة تحول إلى صنم متحرك تعبث به الرياح والمصالح، بخاصة بعد ما جرى من تجريف للسياسة والثقافة والتاريخ، وبتنا مجتمعًا عشوائيًا عوضًا عما ينبغي أن نكونه مجتمعًا سياسيًا يلعب أدوارًا مؤثرة لا تفرض فرضًا.
إنها غابة نعيش فيها، حيث لا معلومة صحيحة، فقط أمواج تتلاطم كأمواج البحر، لكن ماذا يجري تحت سطح الموج، فخارج علم المجتمع وناسه، وهنا الطامة الكبرى، يجري العبث بوعى وتشكيلة المجتمع وفق مصالح أبعد ما تكون تعبيرًا عن مصالح الوطن وناسه، إنها مماثلة للحالة البائسة التي يمر بها اليمن، حيث فجأة محادثات بالسلطنة، وحين تغيب عنها الشمس نفاجأ بدفق الحديث السيار عن خارطة الطريق التي ما أنزل الله بها من سلطان، لأن طرفيها الفاعلين لا يبثان إلا ما يزيد الغموض غموضًا، حتى وإن أتى به موفد الأمم المتحدة كعراب سينمار، هنا نقف أمام مكر السياسة التي تمارسها قوى على الأرض عبثت وأضعفت مكانة ودور العامل الوطني، وحولته لمجرد متلهف يلهث ليكون آخر الأمر مثل شعبه الذي يدعي تمثيله آخر من يعلم!
أيها السادة، التاريخ أمامنا بمكره ودهائه، والسياسة ندور ببحرها ولم نتعلم بعد كيف نجعلها سلاحًا بيد المشروع الوطني بعيدًا عن مكر سياسة المصالح للأطراف التي تتصارع على مصالحها ببلادنا أساسًا وامتدادات الإقليم ضمن مربع الصراع الضاري بين أطراف آخر ما يهمها مصلحة اليمن ومصلحة شعب اليمن، مرة نقف ونطل على ما تسمى خارطة طريق لا يعلم ما بها إلا من يلوح ويروج لها، وقبلها كنا بالسلطنة نعود منها كما ذهبنا ونعلن عن سياسات مصرفية سرعان من نتخلى عنها، فيا له من تلازم مكر زمان ومكر سياسة ومكر تاريخ تقطعت أوصاله كما تجري معه من عمليات لتقطيع أوصال الوطن اليمني شذر مذر.
وحتى لا تظل بلادنا وشعبنا مطية لمكر السياسة ومكر التاريخ وغيرهما، يتطلب الأمر من كافة القوى السياسية المغيبة استعادة الوعي، والاكتشاف المتجدد لإعادة تعزيز العلاقة مع الناس... إنها معركة القوى السياسية التي باتت بأغلبها تدور في فلك من يمارسون مكر السياسة على بلدنا وشعبنا. إنها لحظة استعادة الوعي والحضور لبناء جسور ثقة مع من فقدوا ثقتهم بكل شيء، بالتاريخ، بعد التعبئة الخاطئة، كما فقدوا ثقتهم بالسياسة والسياسيين الذين باتوا مجرد خيوط واهية يتم شدها نحو من يحرك بوصلة الصراع، وللأسف ليس كفاعل، ولكن كي يلعب دور شاهد زور.