صنعاء 19C امطار خفيفة

رعود وأمطار ولوامع مسبوقة بالرياح.. هكذا يأتي الخريف في اليمن

أمطار الخريف في اليمن تسبقها الرياح، وتأتي كمهرجان: زجيم الرعود وتتابع اللوامع والبروق وعادة ما تنهمر مساءً.

 
"ما في النجوم إلا سهيل"
هكذا قال علي ولد زايد.
و"سهيل" في اليمن نجم النجوم، حيث الأمطار الغزيرة والسيول، وهو أبرز معالم الخريف.
رعود وبروق ولوامع ضمن ليالٍ سخية الأمطار.
ويبدأ نجم "سهيل" العظيم في 1 أغسطس/ آب لمدة 14 يومًا، ضمن معالم فصل الخريف الأربعة التي يستهل مقدمه بمعلم "عَلِب" في 19 يوليو، ثم "سهيل" (1-14 أغسطس)، ثم الروابع على مرحلتين حتى 13 أكتوبر/ تشرين الأول.
ذاك موسم الخريف في اليمن، وتلك أبرز نجومه ومواقيته المطرية، إذ يتفاءل بها الناس في اليمن، وتنشرح فيه صدور المزارعين في الأرض السعيدة.
كان الناس قديمًا (ولايزالون) ينصحون بتأجيل السفر في هذا التوقيت:
 

أوصيك يا جمّال لا تسافر

عند مطلع "سهيل"

أو في مغيب "الظافر"

 
[سهيل والظافر: معلمان زراعيان تشهد فيهما البلاد غزارة الأمطار وكثافة السيول، يبدأ سهيل الخريف في 1 أغسطس/ آب، وينتهي في الـ14 من الشهر ذاته، أما الظافر فهو معلم يدل على بداية السنة الزراعية في اليمن، وفيه يستبشر الناس ببداية أمطار الصيف، ويكون في 14 نيسان/ أبريل].
والزراعة والمطر في اليمن علم راسخ ارتبطا بالنجوم وحركات واتجاه الريح وتكوّم السُّحب وبأصوات الطيور أيضًا.
فإذا كان الفلاح اليمني يفرح إذا ما هبّت الرياح من ناحية الغرب بميلان من الشمال أو الجنوب، ويعتبرها إشارة خير لموسم الخريف، فإنه صيفًا لا يستبشر بها إلا إذا جاءت من جهة المشرق فقط.
 

يقول علي ولد زايد:

ريح الخريف العوالي

والصيف شرقي هليلة

 
[العوالي: الرياح التي تأتي من جهة الغرب بقبلة أو الغربية الجنوبية].
 
في الصيف تهب الرياح من جهة الشرق، وتصطدم بالسحب الممطرة القادمة من الغرب، بينما يتبدل الحال عند موسم الخريف في حسابات المزارع اليمني: الرياح تهب من الغرب أو الجنوب، والأمطار في جوقة احتدام اللوامع والرعود تأتي من جهة الشرق.
 
وإذا كانت علامة الخير في رياح الصيف عندما تأتي هادئة خفيفة وساكنة، فإن الخير في رياح الخريف عندما تكون شديدة ومسرعة مساءً.
 

وفي ذلك يقول المثل:

نويد بعد الغداء خلف

زاب الخريف العوالي

والصيف شرقي هليلة

نويد: رياح.

بعد الغداء: أي بعد الظهر.

خلف: تغير الاتجاه.

زاب: زيادة سرعة هبوب الرياح.

 
(وفقًا لكتاب المواقيت الزراعية في اليمن، يحيى بن يحيى العنسي).
وفي شبوة يقولون:
 

إذا هبّت العليا

توخى العصر حشّات السحاب

وإن هبت القبلي

توخى نجم في دق الحساب

 
نحن الآن في معلم "سهيل" بدءًا من اليوم، ويعرف وفقًا للتقويم الحميري بـ"ذي مذران".
يسبق سهيل نجم "العلب" الذي مدته 12 يومًا، وبدايته 19 يوليو/ تموز. وتكثر فيه الريح، وتشتد حرارة الشمس، ويستقبل في الرعية وأصحاب الأرض فصل الخريف، إذ يتجهون فيه إلى الأودية لإصلاح السواقي، وتدعيم مصدات السيل في حلوق الوديان، ويهيئون الحقول لاستقبال السيل.
وكان اليمنيون قديمًا في "علب" يتفقدون السدود، ويعمدون إلى صيانتها وتنظيفها، وتدعيم حواجزها تحسبًا لقدوم موسم الأمطار والسيول العظيمة.
 
و"علب" عادة ما يكون ستة على ستة، فهو 12 يومًا، أيامه الستة الأولى تشتد الحرارة والجفاف، والستة الثانية تأتي فيها الريح وبشائر المطر تمهيدًا لمقدم أبي النجوم كلها: سهيل.
في "علب" يجدد المزارعون الأصلاء حراثة الأرض، وفي ذلك يقولون في آنس:
 

شِز مالك علب

يشرب وإلا فلا شرب

 
وفي تريم حضرموت يقول المثل عندما يهل هذا الموسم:
عفّر الكنب في الشول والنعائم
اسمع مقالي لا تكون نائم
[الكنب: نوع من الحبوب لون الحبة أسود، وحجمها مثل حبوب السمسم، وفقًا للمرجع الزراعي يحيى العنسي].
وفي "علب" يستطيع الناس وخبراء الأرض والزراعة أن يثمنوا جودة الحقول الأصيلة من الأقل جودة، حيث تكشف شدة الحرارة والرياح فيه وتبيّن الأرض الخصبة وغيرها من خلال مقاومة الزرع للعطش وللحرارة الشديدة.
وفي ذلك يقول الزرّاع على لسان هذا النجم:
 

أنا علب ألب

شمسي ونودي تلتهب

 
ثم يأتي سهيل بسيوله ورعوده القاصفة، وبرياحه التي لا مثيل لها، إذ رائحة المطر تسبق وصوله لمسافات.
وفي ذلك يقول زرّاع جبال الأهنوم:
في سهيل في كل يومّ فيه سيل
وتقول الحداء ومزارعو شرق جهران ووادي زراجة:
إذا دخل سهيل لقّم جربتك السيل والغيل
أي افتح المساقي، وسارع في إصلاح وتهيئة مجاري السيول لإرواء أرضك.
 

وفي ذلك تقول إب ومزارعو سحول بن ناجي:

سهيل معشّي الجُهيّل

يا رب سيلٍ بعد سيل

وفي الأغابرة والأعروق:

إذا جاء سهيل

وحولك ما يغمرش الثُّعيل

يا ويلك الويل

 
والحول: قطعة الأرض التي يفترض أن تكون زراعتها قد شبّت وارتفعت بمقدار ما يغطي ويغمر الثعيل: الثعلب.
 
وتكون الزراعة في سهيل كثيفة ووفيرة، إذ يقول المزارعون في المناطق الوسطى، تأكيدًا لهذه الخاصية الموسمية:
مَتلَم سُهيل ثقيل الحَجْف
وعندما يسمع الفلاح رعود سهيل، يبتسم، ويتجه نحو الثور، قائلًا:
 

يا ثور يا ابيض يا جليل الساعد

مد القدم واسمع زجيم الراعد

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً