لا شيء يبقى.. مناصب.. مكاسب.. ثروة، ويظل شيء واحد فقط.. الموقف، والتاريخ المشرف.
وهذا دأب رجل الاقتصاد، أحمد غالب المعبقي، الذي تعامل مع الوظيفة العامة، على أنها مسؤولية، يجب إيلاؤها جل اهتمامه، لا وسيلة للربح، وجني المال.
وعندما استدعاه واجبه الوطني، اتخذ إجراءات حتمية لمعالجة الاختلالات المصرفية، وإيقاف تدهور العملة، وتوحيد مراكز القرار، فقام بإصدارعدة قرارات مهمة، من شأنها توحيد العملة، وسعر الصرف، ونقل البنوك، ووقف ستة منها، حتى تنقل مراكزها، من صنعاء، إلى البنك المركزي الرئيسي في عدن.
هذه القرارات القوية، التي تستلزم لتطبيقها حكومة قوية، واستشعار الواجب الوطني، قد عرضته لضغوط عديدة، داخلية، وخارجة.
فمن الضغوط الداخلية، خروج أنصاره بمسيرات مؤيدة، ومناشدتهم إياه عدم التراجع عن قراراته، والعمل على تطبيقها باعتبارها قرارات سيادية، ويجب إنفاذ القانون، ويرون أن القرار عادل، ومنصف، وخطوة في المسار الصحيح. والمواطنون تحت سيطرة المليشيا، خرجوا بمسيرات احتجاجية، ولو أنهم مدفوعون من المليشيا، فهم يرونها حربًا ناعمة، تستهدفهم بالدرجة الأولى.
وهناك ضغوط كبيرة، من جهات خارجية، من المبعوث الأممي، إلى الراعي الخليجي، وتراخي المجلس الرئاسي، وتباكي الجماعة الحوثية، التي هددت، وتوعدت، والحقيقة أنها اهتزت، وحشرت في زاوية ضيقة.
لكنه... وأخيرًا، بعد عجزه عن الصمود، وهذا حقه، واصطدامه بتلك القوى المؤثرة على القرار، أُجبر على تقديم استقالته، بعد أن تم إسقاط قراراته السيادية.
لكنه، وبالرغم من هذا، أثبت للجميع، أنه صاحب رؤية صادقة وموقف.
صحيح علقنا على موقفه هذا آمالًا عريضة، وساندناه لعلمنا أنه لا يساوم على كل ما يمت للمال العام بصلة، فخسرنا الرهان، لكننا عرفنا أن بأيدينا أوراقًا قوية، تستطيع أن تكسر رقبة الحوثي، وتركعه، إن استخدمتها قيادتنا بشكل صحيح.
لكن لم تكن هذه أول مواقفه، فقد سبق أن اصطدم مع رجل الفساد الأول حميد الأحمر، في عام 2012، لرفضه إعفاءه من ضرائب شركة سبأفون، بمبلغ يقدر بأكثر من 7 مليارات ريال، اقتحم على إثرها حميد الأحمر، مبنى مصلحة الضرائب، بمسلحين، وحاصروها، ومع هذا صمد متسلحًا بضميره الحي، وقوة القانون، ولم يسمح بالسطو على المال العام. وعندما مورست عليه ضغوط، لإعفائه من ضرائب شركة سبأفون، من قبل سلطات عليا، قدم استقالته آنذاك، لكنه لم يخسر، فقد خسره الوطن.