صنعاء 19C امطار خفيفة

ظلموا الشعب "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"

"مُلَّ المُقام فكم أعاشر أمّةً
أمرت بغير صلاحِها أمراؤُها

ظلموا الرّعيّة واستجازوا كيدَها
فعدوا مصالحها وهم أُجراؤُها"

أبو العلاء المعري

لقد استشرى الظلم في يمننا، وأصبحت سلطات الواقع تتسابق على ظلم المواطن، وكل يبتكر أقبح الوسائل التي تزيد من معاناة المواطن اليمني المغلوب على أمره، وعواقب الظلم وخيمة على المجتمعات، فهو من أشد الأمراض الفتاكة، وأبشع الجرائم، وقد قال أحد العلماء: "إن الله لينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ويهدم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة"، وقال عز من قائل: "يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار".

فعواقب الظلم على المجتمعات وخيمة، أهلكت على أثره أفراد ومجتمعات. وها نحن عاصرنا أشد الطغاة فتكًا بشعوبهم، صدام حسين الذي افتتح حكمه بمذبحة الرفاق الذين عارضوا الانقلاب على الرئيس أحمد حسن البكر، وبعدها أدخل العراق في حرب مع إيران أكلت الأخضر واليابس، دخل الحرب والدينار العراقي بسبعة دولار، وخرج منها والدولار بألف دينار، وكذلك معمر القذافي في ليبيا وعلي عبدالله صالح في اليمن الذي أخفى قسريًا، وقتل واغتال الآلاف، وأشعل عشرات الحروب، وقد شاهدنا عواقب ذلك حيث سحقت شعوب وأبيدت أمم وسلبت خيرات، ونزعت بركات..

لذلك بشر الله الذين لم يلبسوا إيمانهم بظلم، فقال عز من قائل: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون". وقد قال الرسول في حديث نسب إليه: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا".

فألد أعداء الإنسانية هم جلساء الظلمة وأعوانهم وبطانتهم، الذين يحققون للظلمة رغباتهم، وينفذون أوامرهم، وأقبح أولئك هم المفتون، فقد سمعت أحدهم يصرخ مطالبًا بحد الحرابة على شباب مظلومين،  عذبوا في السجون. ولكن الأشد منهم ظلمًا هم حكام المحاكم الجزائية المتخصصة التي تصدر أحكامها بالإعدام على أتفه الأسباب، وهي محاكم غير شرعية، وغير دستورية، أنشأها عفاش ليتخلص بواسطتها من خصومه السياسيين، لكنه وإنصافًا للتاريخ، لم ينفذ حكمًا واحدًا من أحكام هذه المحكمة غير الدستورية.

بينما منذ أن حل عهد انقلاب عفاش وحلفائه على العملية السياسية السلمية بقوة السلاح العشرات، بتنا نسمع عن أحكام الإعدام وتنفيذها، وبخاصة ذلك الحكم الجائر الذي تم ضد عشرة أشخاص قيل إنهم من وراء وضع شريحة في موكب الرئيس الصماد، وقلنا لهم إن القاعدة الشرعية تقول بأنه "يترك الممسك في حال وجود المباشر"، والمؤكد أن طيران التحالف هو المباشر وهو من استهدف موكب الشهيد الصماد، وأن النفس بالنفس، وأنه في أسوأ الفروض أن هناك من وضع شريحة فهو واحد وليس عشرة، ولا صحة لتلك المقولة المنسوبة لعمر بن الخطاب (ض): "لو تمالأ أهل صنعاء على قتل رجل لقتلتهم به"، كما أن عمر ليس مشرعًا، كما أن الزيدية يتشددون في قتل القاتل فلو أن عشرة أشخاص أطلقوا الرصاص على رجل، فيجب على القاضي البحث عن الرصاصة القاتلة والتحري للوقوف على السلاح الذي انطلقت منه الرصاصة القاتلة. فيتم القصاص على ضوء ذلك، ويحكم بأحكام مخففة على الباقين.

واليوم سجون سلطات الواقع في مأرب وصنعاء وعدن وحضرموت وتعز  مكتظة بالأبرياء، وبخاصة أولئك الذين هم على ذمة قضايا سياسية، وعلى السجانين أن يعلموا أنهم ألد أعداء الشعب، وأن يعلموا أنه ما شاع ظلم في أمة إلا أهلكها الله، ولا انتشر في بلدة إلا خربها، ولا حل في قرية إلا دمرها، قال تعالى: "وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا" (الكهف: 59)، وما حرم الله تعالى خُلقًا كالظّلم، وما توعّد أحدًا بمثل ما توعّد به الظالمين، فقال تعالى: "إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا" (الكهف: 29).

وللظّلم آثار وخيمة وعواقب سيّئة تعود على الأفراد والمجتمعات إذا ساد فيها وانتشر، فكم من أفراد وأمم اغترّت بقوتها، وتباهت بأعدادها، وخلطت الحقائق ظلمًا وعدوانًا، وبغيًا وتسلطًا، وسلبت تلك الأمم الظالمة إرادة الشعوب، وصادرت حريتها، وانتهكت كل الأعراف الإنسانية طغيانًا وعلوًا، ما كان له أثره في شيوع الإحباط والإلحاد ومحاولة الهروب من الواقع.

لذلك فعصمة المجتمع وتحصينه ووقايته من الظلم، بكل تمظهره، هي مسؤولية الجميع، يقول تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة..." (الأنفال: 25)؛ ووقاية المجتمع من الفتن والاضطراب والفوضى، إنما تتحقق باستنفار أفراده جميعًا، كل من موقعه، للمواجهة والاضطلاع بمسؤوليته، سواء في ذلك معالجة أسباب الظلم للوقاية منه، أو الأخذ على يد العابثين الظالمين في المجالات المتعددة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية، وممارسة الكهانات الدينية، وحماية السفينة (المجتمع) من الخرق والفسوق، الذي يغرق الجميع ويهلك الجميع، أو بالتصدي لمعالجة آثاره وتأثيراته، وعدم التوهم بأن النجاة إنما تتحقق بإيثار العافية والانسحاب من الحياة وأنشطتها وعدم ممارسته؛ ذلك أن رذاذه يصيب الجميع، بكل ما يتولد عنه من تداعيات وفتن.

فالفتن المتعاظمة المتولدة عن ممارسة الظلم، وما ينشأ عنها من ردود الأفعال، السوية وغير السوية، من قبل الناس، التي بات يعج بها المجتمع، وتكاد تتمركز بعالم المسلمين خصوصًا، لم يعد ينجو منها أحد؛ هي فتن لما تقتصر على المتسببين بها والنافخين بكيرها، وإنما باتت تعم الجميع، فالبلاء يعم والرحمة تخص، كما يقولون، فهلا تدرك الأمة بعمومها مسؤوليتها التقصيرية، وبخاصة الصالحين منها، الذين يشكلون الطائفة القائمة على الحق، ويمثلون خميرة العودة بالأمة إلى العدل والنهوض على أساس منهج الكتاب ومعيار الميزان التزامًا بقوله تعالى: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط" (الحديد: 25)؟

يعد الظلم من أهم أسباب هلاك الأمم والشعوب والدول والحضارات، وله مفهوم شامل عريض يؤدي إلى فقدان التوازن في مجالات الحياة كافة، وفي علاقة الإنسان مع نفسه ومع الله ومع غيره، وعن هذا تنبثق ظواهر نفسية واجتماعية واقتصادية مرضية وتصورات فاسدة عن الوجود كله، فيعم الفساد الحياة الإنسانية بأسرها (نوح والطوفان العظيم، الصلابي، ص325).

قال تعالى: "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون" (هود: 117). وقال تعالى: "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد" (هود: 102).

ويتجلى الظلم والجبروت والطغيان في شخصية فرعون كما جلاها القرآن في كثير من الآيات، يقول تعالى في حق فرعون، ويبدو أن الكلام لكل فرعون: "إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعًا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين" (القصص: 4)؛ ففرعون صاحب جبروت وظلم وطغيان، وقد سعى إلى تقسيم أهل مصر إلى فئات لكل منها معاملة خاصة تناسب علاقتها به، من دون أن تكون محكومة بالضرورة بمنطق العدل أو المساواة، فهناك الفئة التي استخفها فأطاعته، وانسجمت مع أهوائه ومطامعه ومطامحه، وارتضت أن يكون لها إلهًا رغبةً أو رهبة، فهؤلاء لديه من المقربين، وعنده من المكرمين، ومن هذه الفئات فئة استضعفها واستذلها وامتهنها، فهو يجور على أهلها أعظم الجور، ويورد القرآن صورتين من أعظم صور الظلم، هما:

الظلم مهما زاد واستشرى، فإن للظالمين نهاية وخيمة، ولن يفلتوا من عقوبة الله لهم في الدنيا فضلًا عما سينالهم في الآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق"، رواه الحاكم وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 1120، 18‏/04‏/2017.

الأعمال التي تهدد المجتمع، لأن الظلم هو نوع من الأذى الذي يصيب الأبرياء، ويساعد على هدم المجتمعات، وسلب حقوق الناس، وإيذائهم، مما يولد الحقد والحسد والبغضاء والانتقام والتشاحن بين الناس، وبهذا يؤدي إلى نشر الفساد والمفسدين ، وخراب البلاد والعباد، ولهذا نهى الله تعالى ورسوله:

قال تعالى: "وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا" (الكهف: 59)، وقال سبحانه: "وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين" (الزخرف: 76)، وقال: "والله لا يحب الظالمين" (آل عمران: 57)، وقال: "ولا يظلم ربُك أحدًا" (الكهف: 49)، وقال: "وما ربك بظلام للعبيد" (فصلت: 46)، وقال: "ألا إن الظالمين في عذاب مقيم" (الشورى: 45)، والآيات كثيرة في القرآن الكريم تبين ظلم العبد لنفسه، وأن هذا الظلم على نوعين: الشرك، وهو أعظم الظلم كما بينا، والمعاصي، قال تعالى: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير" (فاطر: 32)، أما ظلم العبد لغيره بالعدوان على المال والنفس وغيرها، فهو المذكور في مثل قوله تعالى: "إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون فى الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم" (الشورى: 42).

فارفعوا ظلمكم عن كاهل شعبكم، واتقوا الله في أنفسكم، وسيروا في الأرض لتعلموا أنكم سكنتم "في مساكن الذين ظلموا وتبين لكم كيف فعلنا بهم".

 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً