بلادنا في مهب الريح.
ذهبت سريعًا لزيارة أسرع لجولة البط بحي خور مكسر... جولة البط تقع على مقربة من مستشفى الجمهورية، وعلى بعد أمتار من بقايا وزارة كانت تسمى وزارة الثقافة، الآن باتت مجرد أطلال تكاد لا تراها عين ولا تسمع لها أذن، لأنها حشرت وسط شارع كان زمان شارعًا راقيًا، حيًا للسفارات، وإذ به اليوم سوق عشواء لخبط لزق لكل ما يخطر على البال من موبقات.. والحال كذلك كان لزامًا أن تنحدر بنا الأمور العبثية لما هو أسوأ من ملهاة ومحنة أبي عشال الجعدني، وما هاج وماج حول بحرها من روايات أرسين لوبين... حكايات ألف ليلة وليلة، صراعات حرملك السلطان... مات العشال سفك دمه... سحل اختفى.. وعلى السطح تمظهرت أشباح لها صلة بالموضوع! وأصوات ترتفع عن مليونية تنتصر لروح بريئة أزهقت، وأصوات تحذر من عدم تسييس القضية، لأن أطرافًا تلعب بالساحة تريد إرباك ما هو مرتبك، وتهدف أصلًا لخلط الأوراق والتكسب منها كل حسب مشروعه الجهنمي... تلك زيارة سريعة تمت، لكن ذلك لم يكن كافيًا، ولا يفي بالغرض.
تلك الزيارة لم تكن لتشفي الغليل... فجولة البط تائهة في أمور أخرى لها علاقة بفوضى الأسواق... وغلاء أسعار القات... وكان لا بد من دليل يشفي الغليل، وإذ بنا نقف على أمهات رؤوسنا، ونحن نطالع اعترافات شخص مجهول جهول يدلي بتصريحات يخلط بها الأوراق.
هو -أي البطة- مجرد منفذ لجماعات لوبي ذات شأن، وأي شأن، وإذ نتابع أخبار البطة التي تحركت بسرعة البرق، قالوا تلقفتها أيادٍ في تعز، لتنقلها إلى صنعاء، لتحتفي بها جماعة الأنصار هناك، وتتواتر الأخبار لمزيد من البلبلة بأن البطة قد سلم نفسه لأخيه... يا لهذا الخيال المسرحي الركيك.
هي لعبة أطياف تجرجر معها أنفاس البلد المطحون بقضايا مصير حياته... فإذا به يفاجأ بملفات ساخنة من العيار الثقيل تقع على أم رأسه قد بات حيرانًا ماذا يتتبع؟
أخبار البطة، وما أدراك ما البطة! والغريب أن بط اليمن من النوع المتعاطي جيدًا للقات. بالله عليكم ألقوا نظرة على وجنتيها معبأة بأرتال من القات.
إن تركت البطة تجد نفسك تلهث وراء أخبار اليسران... يسران.. العسران... وكلام عن تجميده وإيقافه عن العمل... سفره إلى الإمارات، وعودته مهددًا متوعدًا.
بالله عليكم انظروا إلى أين أودى بنا الزمن؟!
إلى بطة عرجاء ووادٍ سحيق يقلب المدينة رأسًا على عقب، ويحرق ما تبقى به من رمق، ويسران الذي أدخل أعصاب البلد خيمة العسر، لكن لا يسر معه في الأفق، فالرجل يهدد ويتوعد، وما نكاد نأخذ نفسًا حتى تداهمنا حكايات المركزي والمعبقي والكوفية الزنجباري عديمة الصلاحية، لأن من نصب له الشرك يريد له أن يكون الضحية، بينما هو بحكم وظيفته وواجباتها قد أتى فعلًا لا يؤثم عليه، بل يحمد عليه... أتى فعلًا صحيحًا، ويا ليت من تجاسر وحمله عبء إلغاء قرارات صحيحة، يريده كبش فداء لصالح من لا يهمه أمر البلاد والعباد.
بهكذا أجواء يعيش البلد، ومعها نتعايش مع كل باقي طاحونة الكهرباء وهلم جرى.
بطة عرجاء تحدث زلزالًا، وحولها من يشعل الحطب.
البلاد مصابة بعسر الهضم لكل مجريات ومخرجات سياسات اللانعم، وتدخلات من خارج بئر الزير سالم مهمته يصب المزيد من نار الاشتعال وإشعال الحرائق هنا وهناك.
وعلى الطريق تناثرت أخبار وتسريبات ملغومة عن مليونية ستتم... أجلت... صرفت من أجلها آلاف آلاف الدولارات، والحشد ينتظر، وكل يدلو بدلوه حسب توجيهات الممول والمستفيد من هكذا إرباك وتدمير.
ألم أقل لكم بأن جولة البط بنوافيرها التي كانت تدار ماءً زلالًا، باتت تدر رذاذًا قاتلًا، قد باتت جولة البط مسكنًا لبطة تثير الغثيان، تقلب كيان المدينة رأسًا على عقب، وعلى ما تبقى من هدوء وكيان للبلد...
قل أعوذ بالله
من شر بط إن حلق
في السماء
يحرق البلد