صنعاء 19C امطار خفيفة

الغيبوبة العربية إزاء عدوين دائمين

بادئ ذي بدء لقد تدهور الموقف العربي إلى أسفل السافلين، ولم يعد يجرؤ العرب على الجهر باسم أمريكا وبريطانيا وألمانيا كأطراف ثلاثة في حرب الإبادة الجماعية في غزة، التي تنكرها أمريكا، ويسميها عرب "المجتمع الدولي" عند استخدام سلاحهم غير الفعال، المناشدة، عوضًا عن تسمية الأشياء بأسمائها، ومطالبتها كشريك في العدوان، بالتوقف عن دعمه، وبأمر وكيلها بإيقافه.

 
كانت فلسطين قضية العرب الأولى قبل أن يتعب بعض عربها، ويضيق بها، ويهرول في اتجاه معاكس لبوصلتها.
ولو لم تجرد الولايات المتحدة العديد من الدول العربية من استقلالها الاقتصادي، لكان الموقف العربي مختلفًا ١٨٠ درجة. السُّلط العربية تعي الحقائق التالية:
١. أن دولة الاحتلال تقتل الفلسطينيين في غزة والضفة المحتلة وجنوب لبنان، بأسلحة أمريكية، من بينها أسلحة ذكية تعد من أسلحة الدمار الشامل.
٢. تعلم علم اليقين أن خبراء أمريكيين يشاركون في العدوان الإسرائيلي على غزة، ولا ترفع إصبعًا.
٣. تعلم أنه لولا التسليح الأمريكي لما استمرت حرب العدو على قطاع غزة لعشرة أشهر، والتي لن تتوقف طالما أن الأسلحة الأمريكية في متناول جيش العدو.
٤. تعلم أن معظم الشهداء والمصابين الذين يقترب عددهم من المائة وثلاثين ألفًا في عشرة أشهر، قتل وأصيب معظمهم بأسلحة أمريكية بعض قنابلها تزن ٩٠٠ رطل.
٥. تعلم أن استراتيجية إسرائيل "غزة المحروقة" التي طبقتها أمريكا في فيتنام، تتم بموافقة أمريكية.
٦. تعلم أن مدنيين وعسكريين أمريكيين يقاتلون مع جيش العدو، وأنهم من اليهود الأمريكيين والمرتزقة والمسيحيين الصهاينة، ولا تظهر أي احتجاج.
٧. تعلم أن واشنطن توفر الحماية الدبلوماسية الشاملة للعدو في مجلس الأمن، وتصمت عندما يزدريها ممثله في المنظمة الدولية، ويحتقرها، ويمزق ميثاقها، ويتهم أمينها العام بمعاداة السامية لربطه المحكم بين هجمات ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وبين معاناة الفلسطينيين على أيدي الفاشية الجديدة، وقوله الجريء بأن ما حدث في ٧ أكتوبر لم يأتِ من فراغ، ولا تقول للأمين العام شكرًا، لأنه لم يقل غير الحقيقة. وتعلم أيضًا أن أمريكا تصوت منذ عقود ضد كل قرار لصالح الشعب الفلسطيني، ولا تستنكر جرائمها السياسية، أو تحاول فتح حوار معها لتغيير موقفها العدائي.
٨. لم تحتج أية دولة عربية ولا من كانت إلى حد ما جامعة العرب، على دعوة الكونجرس لمجرم الحرب نتنياهو لإلقاء خطاب فيه في ٢٤ يوليو، وعلى استقبال مجرم الحرب الآخر بايدن له قبل إلقاء خطابه، وغزة تحت وابل صواريخ ودبابات وطائرات أمريكا ودولة الاحتلال.
٩. تعلم أن إسرائيل تريد احتلالًا مريحًا لا تدفع تكلفته، توطئة لتصفية القضية الفلسطينية، وأن الفلسطيني الجيد لديها هو الخانع والمستسلم الذي لا يمارس حقه المشروع في مقاومة الاحتلال أو الميت، وتدير ظهرها للمقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وتخاف أن تقول إن المقاومة حق مشروع.
إزاء كل هذه الحقائق المُرة، يستقبل العرب فرحين وممتنين بتفضل وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن، ومدير مخابراتها المركزية وليم بيرنز، اللذين يشاركان إسرائيل في إدارة الحرب، وطول أمدها بزياراتهما لهم، وهم لا يجهلون انحياز بلدهما لدولة العدوان التي تجعل من تصفية القضية هدفًا استراتيجيًا، وتدمر لبنان بالحصار الاقتصادي لتركع للإرادتين الأمريكية والإسرائيلية.
 
بعد كل ما سبق، لم نعلم أن دولة عربية استنكرت في وجهيهما الدعم العسكري والسياسي للعدو، أو طالبتهما بوقف تسليح العدو، والضغط الحقيقي على إسرائيل لوقف مجازرها في غزة والضفة وجنوب لبنان.
 
في حقبة الهوان العربي التي قضت فيها واشنطن على الإرادة العربية المستقلة، وخنقت اقتصادات بعض دولها، لم يعد يجرؤ أحد على الخروج من بيت الطاعة.
 
إن كل أمريكي يدفع لإسرائيل الغنية جدًا ٨٥ دولارًا سنويًا، ولم تفكر أية وزارة خارجية عربية أو قمة عربية بطلب وقف هذا الدعم، أو أن تشيد بالأمريكيين المعترضين عليه. هذا الدعم يؤبد الاحتلال، ويمول الاستيطان، ويقتل كل فرصة للسلام وتطلعات الشعب الفلسطيني في الاستقلال والدولة.
 
في ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٠، بُعيد انتخاب بايدن رئيسًا، تفاءل وزير الخارجية السعودي السابق عادل الجبير، بانتخابه قائلًا: "أنا واثق بأنه سينتهج سياسات تسهم في الاستقرار". التصريح تضمن تفاؤلًا في غير محله، وإدانة لسلفه ترامب الذي جعل السلام والاستقرار بعيدين بسلامه اللاإبراهيمي، وبنقل سفارة بلاده إلى القدس الفلسطينية المحتلة، وحتى تاريخه، لم تتغير السياسة العدوانية الأمريكية، سياسة المؤسسات، وليس الفرد. لقد صمت العرب، وبيتهم أيضًا إزاء قضيتين مهمتين، أولاهما تهديد إسرائيل وصمت أمريكا وكل الغرب عنه، لتدمير لبنان بإعادته إلى العصر الحجري، وثانيتهما التصريحات الوزارية الصهيونية باستخدام القنبلة النووية في غزة. الاعتراف الرسمي الجديد بامتلاك الكيان قنابل نووية، والرغبة في استخدامها، ليس الأول من نوعه، فقد هددت جولدا مائير باستخدامها في حرب أكتوبر ١٩٧٣، خيار شمشون ضد مصر، وللأسف لاذ العرب بالصمت، ولم يوظفوا الاعتراف الجديد بطلب اجتماع لوكالة الطاقة الذرية لتجديد مطالبهم التي تراجعت بجعل منطقتنا خالية من السلاح النووي، ونزع سلاح الكيان النووي، وبالأمس تحدث إيهود باراك عن عدم جدوى الاعتماد على مفاعل ديمونة لتحقيق الاستقرار للكيان. ديمونة لا ينتج طاقة سلمية، بل قنابل نووية.
 
أما السيد جروسي، مدير وكالة الطاقة الذرية، ففي فمه ماء من وزن الماء النووي الثقيل، ولم يقل كلمة واحدة، أو يذهب إلى إسرائيل لمراقبة مفاعل ديمونة، ولم يدعُ إسرائيل للتخلص من هذا السلاح لجعل منطقة الشرق الأوسط كلها منطقة خالية من الأسلحة النووية، كما يفعل مرارًا وتكرارًا مع إيران، ويضع ديمونة تحت رقابة وكالة الطاقة الذرية، ونزع سلاح إسرائيل النووي. لماذا؟ لأن إسرائيل في عقيدة الغرب كله دولة ديمقراطية، والدولة الديمقراطية لا تعتدي!

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً