صنعاء 19C امطار خفيفة

قراءة في مقال "كيف صنع التحالف سلطة الحوثي وحافظ عليها؟"

مقال استفسار ي للكاتب أ. مطلق مثنى حسين، بعنوان "كيف صنع التحالف سلطة الحوثي وحافظ عليها؟"، السؤال الذي ما برح يتردد مضمونه في أقلام بعض الإعلاميين على اختلاف انتماءاتهم وتباين وجهات نظرهم. وشئت أن أسهم وأقدم قراءتي بموضوعية، فوجدت أني في حيرة من أمري حتى أجد مدخلًا للرد على هذا المقال الاستفساري الجدلي، ولم أجد بدًا سوى أن أبدأ قراءتي بردود استفسارية مماثلة، اقتبستها من استفسارات الجمهور، على النحو الآتي:

 
أين كان جيش الدولة، المشمول بالحرس الجمهوري، والحرس الخاص، والأمن المركزي، والنجدة، والألوية، والكتائب، والمعسكرات من "صعدة" حتى "صنعاء" وما بعد صنعاء حتى "عدن"؟ أين كان هذا الجيش الجرار الذي يبلغ قوامه ما بين 50 و70 لواء، وذاب مع قبائل الطوق، كفص ملح في أول مواجهة جادة أمام زحف أقل من خمسين ألف مسلح من "أنصار الله"؟ وأين كانت الفرقة الأولى مدرع، المستهدفة باعتبارها الجناح العسكري للتجمع اليمني للإصلاح؟
العجيب في الأمر، يكمن في السرعة المذهلة التي قطع فيها "أنصار الله، مسافة تزيد عن 200 كيلومتر من "صعدة" إلى "دماج"، وهزيمة جماعة الوادعي "أنصار السنة"، ثم إلى "عمران"، وتصفية العميد الركن "حميد القشيبي" قائد اللواء 310 مدرع، الموالي للفريق الركن علي محسن الأحمر. بعدئذ توجهوا إلى "صنعاء"، واقتحموها بدون مقاومة في 21 سبتمبر 2014م، والذي تزامن مع فرار جماعي لمنسوبي "التجمع اليمني للإصلاح" وكذا "الفرقه الأولى مدرع" إلى مأرب ومناطق أخرى، وإلى خارج البلاد، وبخاصة بعد أن فتح الرئيس السابق علي عبدالله صالح أبواب المعسكرات التابعة له إلى جماعة "أنصار الله"، للتخلص من غرمائه "التجمع اليمني للإصلاح" و"الفرقة أولى مدرع" تحت مسمى إخوان مسلمين، ودواعش وقاعدة.
 

وكانت ذريعة جماعة "أنصار الله" المعلنة في هذا الاجتياح، تتعلق بمسألة الجرعة الإضافية في أسعار البترول ومشتقاته، والغاز، وغلاء الأسعار، ثم تطورت الفكرة إلى محاربة الدواعش والقاعدة.

 
جدير بالذكر، حدث حراك سياسي في هذه الأثناء، تمثل -حسب مراقبين- في زيارة أجراها زعماء "التجمع اليمني للإصلاح" أ. عبدالوهاب الآنسي، وأ. محمد اليدومي، إلى "صعدة"، لمقابلة زعيم "أنصار الله" السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، ولم نعلم بنتائجها التي خضعت حينئذ للتفسيرات. وبالتالي، لم تعد بذات نفع.
وبعد مضي ثلاثة أشهر من سيطرة "أنصار الله" على صنعاء، تعرض منزل رئيس الجمهورية "عبد ربه منصور هادي" للاقتحام وقتل حراس المنزل.
حقيقة الأمر، كان "الرئيس عبد ربه منصور هادي" لا يمتلك قوة تدافع حتى عن منزله، الكل تخلى عنه بحيث لم ينفذ قادة المعسكرات أوامره. وقد سبق أن توجه إلى "عمران"، لتهدئة الأمور هناك -حسب عسكريين- وكان جل همه ألا يتقدم الزحف نحو "صنعاء"، تجنبًا لإراقة الدماء وتدمير صنعاء.
 ما زاد الطين بلة، أن وزير الدفاع "محمد ناصر أحمد" لم يتحمل مسؤوليته العسكرية، وكان أكثر بعدًا عن الرئيس هادي، بدليل تصرفاته المخالفة لمهمته كوزير دفاع.
تغيرت المعادلة بعد أن استتب الوضع لأنصار الله في صنعاء، وتمكنهم من احتواء المعسكرات، ويعتبر مراقبون أنه تحصيل حاصل لما حدث سابقًا منذ بداية زحف أنصار الله من صعدة إلى صنعاء، وماحدث لاحقًا من تحركات شملت المحافظات الأخرى شرقًا وجنوبًا حتى عدن.
وبعد أن دانت لهم مقاليد الأمور، تبين أنهم أصحاب قضية، ومشروع لم يكن وليد الصدفة، وإنما كان مرسومًا له -حسب مراقبين- منذ أربعة عقود.
 

وكان الدور الإيراني المساند لجماعة "أنصار الله" يقتصر في البداية على تقديم مساعدات إنسانية، وطبية، ومنح دراسية لشح المنطقة من الخدمات، ولا ندري إذا ما كانت الحكومة اليمنية على علم بذلك، ثم تطورت المساعدات بعد سيطرة أنصار الله على صنعاء، في 21 سبتمبر 2014م، وبخاصة الدعم العسكري، لتعزيز قدراتهم في مواجهات قادمة.

 
في واقع الأمر، إن هدف جماعة "أنصار الله" منذ تحركهم من صعدة، كان يتضمن مشروع حكم اليمن، فبعد صنعاء زحفوا نحو المحافظات شرقًا وجنوبًا على أساس محاربة "الدواعش والقاعدة"، بدعم وتعاون المعسكرات في جميع المناطق، حتى وصولهم إلى "عدن".
خلال تلك الفترة، قام العميد الركن "أحمد علي عبدالله صالح"، قائد الحرس الجمهوري السابق، والسفير في "أبوظبي"، بزيارة مفاجئة إلى "الرياض"، لمقابلة صاحب السمو الملكي ولي العهد "محمد بن سلمان"، وكان اللقاء قصيرًا، ربما تم في صالة استقبال الضيوف في المطار، ووصف دبلوماسيون الزيارة بغير الموفقة. ويقال إنه تم تحذيره بأن "عدن" خط أحمر. علمًا أنه لم نحصل على أخبار تعزز هذا الرأي.
حقيقة الأمر، اتضح أن "أنصار الله" كان لهم مشروعهم، والرئيس السابق علي صالح له مشروعه، ناهيك عن الأطماع الإقليمية والدولية في اليمن.
من الجدير بالذكر، دأبت السعودية -حسب مصادر إعلامية- على إخراج الرئيس عبد ربه منصور هادي، المحاصر في منزله في صنعاء، خشية من اغتياله. غادر "الرئيس هادي" إلى "عدن"، لكن طيران صنعاء الحربي طارده وقصف مقره في قصر معاشيق بصاروخين، حسب شهود عيان.
 

وقد تمكن "الرئيس هادي" من مغادرة "عدن"، الساعة الرابعة عصر يوم الخميس، 25 مارس 2015م، وفي فجر اليوم التالي 26 مارس، وصل إلى "الرياض"، وفي نفس اليوم، بدأ قصف التحالف العربي بقيادة السعودية للمعسكرات ومخابئ الأسلحة في صنعاء، لإعادة الشرعية ومواجهة النفوذ الإيراني في اليمن، بموجب طلب رسمي من الرئيس عبد ربه منصور هادي.

 

من جانب آخر، استمرت المقاومة وإسناد التحالف في "عدن" حتى انسحاب أنصار الله وقوات الرئيس السابق في 17 يوليو 2015م.

 
في واقع الأمر، لم تكن كل تلك الأمور لتحدث، وفقًا لسياسيين، لولا طموح الرئيس السابق علي عبدالله صالح لاستعادة السلطة وتوريثها بأية وسيلة، عملًا بمقولة "أنا وبعدي الطوفان".
وبالمقابل، تعامل "أنصار الله" بحذر، بحكم معرفتهم عن كثب بالرئيس علي صالح لسنوات طويلة، ولسان الحال يقول: "يا نحن يا أنتم".
 وبناء عليه، تمكن "أنصار الله" من إحكام سيطرتهم على كل موقع في العاصمة "صنعاء" وما حولها، وكانت النتيجة نهاية الشراكة.
وتفرق أنصار الرئس السابق شذر مذر، داخل البلاد وخارجها، يعضون أصابعهم تحسرًا، وحاملين معهم "ما خف وزنه وغلا ثمنه" إلى العواصم: أبوظبي، والرياض، والقاهرة، وعمان، وأديس أبابا، ودول أوروبية، وآسيوية، ومنهم من بقي في صنعاء أمام الأمر الواقع.
للأسف الشديد، شُنت حروب داخلية -داخلية، وخارجية -داخلية استمرت زهاء سبع سنوات، وتسببت في نزوح وتشريد مئات الآلاف من السكان داخل البلاد وخارجها، ولوحظ مدى الدمار والخراب والضحايا التي أحدثتها الحرب العبثية.
على صعيد آخر، تشكلت خلال الفترة مليشيات محلية تابعة للإمارات العربية المتحدة، على النحو الآتي: مليشيات المجلس الانتقالي بقيادة اللواء عيدروس الزبيدي، في الجنوب، ومليشيات في "تعز" بقيادة "أبو العباس"، ومليشيات في جنوب الحديدة حتى باب المندب، يقودها العميد الركن طارق محمد صالح، تحت مسمى "حراس الجمهورية"، ومليشيات باسم "العمالقة" يقودها العميد الركن عبدالرحمن المحرمي، في الجنوب، وكذا تواجد عسكري سعودي في المهرة، إلى جانب تواجد عسكري أجنبي في سواحل شبوة، وتواجد عسكري إماراتي ومليشيات محلية تابعة في أرخبيل سقطرى، وجزيرة ميون الاستراتيجية في باب المندب، والمخا، وموانئ جنوبية من عدن حتى شبوة وحضرموت، وبما يخالف قرار مجلس الأمن 2216 الصادر فى 14 أبريل 2015م، والقاضي بالحفاظ على سيادة اليمن، ووحدته، وسلامة أراضيه واستقلاله...
وتذكرني هذه الأحداث بقول الشاعر:
 المستجير بعمرو عند كربته
 كالمستجير من الرمضاء بالنارِ
يقينًا، إن اليمن تحولت إلى ساحة لصراعات وأطماع إقليمية ودولية بامتياز، ولا يخفى البعد الدولي المتمثل بمشروع القرن الأميركي الصهيوني، في إذكاء الصراعات في المنطقة بهدف السيطرة على الممرات البحرية الاستراتيجية والموانئ، والجزر في البحرين: الأحمر والعربي، بغية الحد من التنافس الاقتصادي للصين ومجموعتي شنغهاي والبريكس، والضغط أيضًا على المنطقة.
حقيق، إن دول العالم لها أطماع، وليس هناك عيب، وإنما العيب يكمن في أنفسنا في حال تنازلنا عن سيادتنا أو عن أي شبر من مياهنا وأراضينا.
مسك الختام، أود أن أناشد مسؤولي وشعب اليمن من رواسي صعدة حتى ربوع المهرة، الحفاظ على الأراضي اليمنية ووحدة اليمن، مع ترحيب يمني بالأشقاء والأصدقاء للاستثمار في اليمن بموجب قانون الاستثمار اليمني، فأهلًا وسهلًا بهم.
وما من حل يرتجى في هذا الوقت العسير سوى نبذ الخلافات، وتغليب المصلحة الوطنية، والعودة إلى طاولة المفاوضات، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مخرجات الحوار الوطني، والاستفتاء على مشروع الدستور ، وإن لم يتحقق ذلك، فباتفاق آخر، يصون البلاد أمنًا وأمانًا واستقرارًا، ويضمن للجميع حقه في السلطة والثروة، والمواطنة المتساوية، والعدالة، إيذانًا بقيام "اليمن الجديد"؛ هدف الشعب اليمني، الذي ناضل من أجله من صعدة وتهامة حتى حضرموت والمهرة. اليمن يمن الجميع والحكمة يمانية، حفظ الله اليمن وأهله.
إلى هنا، كفى حروبًا، كفى إهراق الدماء الزكية بين الإخوة، كفى تدخلات خارجية في شؤون اليمن، كفى تواجدًا خارجيًا في المياه الإقليمية اليمنية والموانئ، والجزر، وكل الأراضي اليمنية. والله المستعان.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً