صنعاء 19C امطار خفيفة

الحوار والتوافق الوطني ضرورة ملحة

إن على كل القوى المثقفة، والسياسية داخل مكون أنصار الله -وهم على ما نعتقد كثيرون- أن يرشّدوا خطابهم الديني التعبوي الذي قد يفيدهم للبقاء في السلطة ردحًا من الزمن، لكنني أرى من خلاله وميض نار متجهًا إلى ذلك الركام من الحقد والبغض الذي يعتمل في النفوس، جراء استدعاء شرعية ولاية الإمام علي التي مضى عليها أربعة عشر قرنًا، وهي دعاوى تحريفية لجوهر الرسالة القرآنية، بل وإلى الإمام علي كرم الله وجهه نفسه.

فلست هنا بصدد دحض تلك التلفيقات والأكاذيب المعنعنة والمقلقلة التي وضعها أعداء الإسلام، بل أنا أقول لهم إن صواريخكم وصواريخ فرط صوت الروسية، ودباباتكم وطائراتكم المسيرة، لن تقيكم من هبات الشعب، فقد ظن عفاش أنه سيورث اليمن لغلمانه، وبدأ يطمح في تقليد جارة السوء التي أطلقت اسم مؤسسها على أشرف وأطهر بقاع الأرض، فبدأ ببناء مدن الصالح في كل المحافظات، تمهيدًا لجمهورية الصالح التي قاده جهله للحلم بها، ولربما أغرته التوسعية حين طالبهم بتطبيق المادة المتعلقة بالاعتراف المتبادل بين الإمام يحيى وابن سعود، بأن يعترف كل منهما بالآخر وأبنائه كحكام أبديين لليمن.

أقول إن ذلك الركام من بارود الحق الذي يعتمل في نفس أغلب أبناء الشعب منذ الانقلاب على العملية السياسية السلمية من قبل عفاش، وحتى يومنا هذا، يقلل من فرصة وجود مكان آمن لأولادنا نحن الهاشميين في المستقبل، فمصادرة الممتلكات، وأحكام الإعدامات، وأموال المودعين في البنوك وأذونات الخزينة وصناديق البريد، رغم الجبايات القديمة فإن أسر القتلى الذين نزين هذا اللفظ بلفظ "شهيد"، سيقولون في الغد إنكم المتسببون في ما جرى لليمني واليمنيين...

إذن، فعلى هذه القوى المستنيرة العاقلة في مكون أنصار الله أن تفي بذلك العهد الذي ألقاه قائد مسيرتهم القرآنية، بشأن بناء الدولة المدنية التي يغيب عنها الخطاب الديني، وذلك لأن بناء الدولة المدنية المستندة إلى المواطنة والمساواة، هو الحل الأمثل للیمن. وأن هذا الهدف النبيل هو ذات الهدف الذي برر أنصار الله ثورتهم المضادة للثورة السلمية بتحالفهم مع عفاش، لنقض العهد والميثاق الذي وقعته الأمة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي كان المطلب الثاني من مطالبهم، إلغاء الجرعة، تنفيذ مخرجات الحوار تغيير الحكومة، ولهذا فهم مطالبون اليوم بالرجوع عن خطابهم المذهبي، والعودة إلى خطاب الدولة المدنية الذي تغيته تلك المخرجات، ومسودة الدستور، وهذا ما ينبغي أن يلتزم به جميع المكونات السياسية اليمنية، بما في ذلك أنصار الله.

إن إقصاء الخطابات المذهبية والدينية من مؤسسات الدولة، أمر ضروري لتحقيق هذا الهدف. فالدولة المدنية تقوم على احترام التنوع الفكري والمذهبي، وعدم استغلال الدين لأهداف سياسية، أو تديين الدولة، أو استغلال إمكانيات الدولة لتكريس خطاب مذهبي أو عرقي أو جهوي، كما يجب أن تكون المؤسسات الحكومية والتشريعية والقضائية نموذجًا للتسامح والمساواة دون تمييز، واستقلالية كل مؤسسة عن الأخرى، هو من مزايا الدولة المدنية.

ومما سبق، فاليمن يستوعب كل أبنائه بكل طوائفه وأحزابه وجهاته وأعراقه ومذاهبه، فالكل شركاء، ويجب إشراك جميع المكونات المجتمعية في بناء الدولة المدنية، بما في ذلك أنصار الله، وهذا أمر بالغ الأهمية. فالحوار والتوافق الوطني هو الطريق الأفضل لتجاوز الخلافات والمصالحة الحقيقية. وينبغي أن يكون هذا الحوار مبنيًا على المصالح المشتركة، وليس على الهويات المذهبية أو الدينية.

وذلك لأن بناء الدولة المدنية الديمقراطية في اليمن هو تحدٍّ كبير، لكنه ليس مستحيلًا إذا توفرت الإرادة السياسية الحقيقية والالتزام الوطني من جميع الأطراف. وأنا على ثقة بأن اليمنيين قادرون على تحقيق هذا الهدف النبيل.

إن التوافق الوطني الشامل هو الخطوة الأساسية لبناء سلام مستدام، وتحقيق التنمية المستدامة في اليمن. بعض النقاط الرئيسية في هذا الصدد من التوافق الذي يشمل جميع المكونات السياسية والاجتماعية في اليمن، بما في ذلك السلطات الفعلية على الأرض. إقصاء أي طرف سيضعف هذا التوافق. وبما يجب أن يتضمن التوافق ضمانات وآليات واضحة لضمان الانتقال السلمي إلى حالة السلام المستدام. وهذا يتطلب التوافق على آليات للمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية.

كما يجب أن يكون هدف هذا التوافق الوطني هو بناء دولة مدنية قوية قادرة على تحقيق التنمية المستدامة لجميع المواطنين. وهذا يتطلب الاتفاق على رؤية واستراتيجية تنموية شاملة، والانتقال من حالة "لا حرب ولا سلام" إلى سلام مستدام قائم على العدالة والمصالحة الوطنية. وهذا يتطلب وقف إطلاق النار وسحب المليشيات والقوات المتنازعة من المناطق المحتلة.

 وعليه، وقبل الدخول في الضمانات والوسائل، نؤكد على أهمية التوافق الوطني الشامل، فهو أساس بناء الدولة المدنية في اليمن، وتحقيق السلام والتنمية المستدامة. وهذا يتطلب مرونة وتنازلات من جميع الأطراف المعنية عن مصالحهم ومشاريعهم الصغيرة من أجل بناء يمن موحد تحكمه دولة مدنية اتحادية، لا يسيطر فيها إقليم على إقليم آخر، وكل إقليم يستغل موارده الاستغلال الأمثل، مع الالتزام بدفع نسبة منها لمصلحة الدولة الاتحادية. ولتحقيق التوافق الوطني الشامل المنشود في اليمن، هناك بعض الخطوات المحددة التي يمكن اتخاذها:

 * إشراك جميع الأطراف السياسية والاجتماعية في المفاوضات والحوار الوطني:

- ضمان تمثيل كافة الشرائح والتيارات السياسية والمكونات الاجتماعية في هذه المفاوضات.

 * إشراك الحوثيين والحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي وغيرهم.

 * التوافق على آليات المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية:

- وضع آليات واضحة للمصالحة بين الأطراف المتنازعة.

- الاتفاق على برامج للعدالة الانتقالية والتعويضات للضحايا.

 * البناء على الاتفاقيات والمبادرات السابقة:

- الاستفادة من التجارب والاتفاقيات السابقة مثل اتفاق الرياض. وتطوير هذه الاتفاقيات لتشمل كافة الأطراف والقضايا الرئيسية.

 * وضع خريطة طريق زمنية محددة للانتقال السياسي:

- الاتفاق على جدول زمني واضح للمرحلة الانتقالية.

- تحديد الخطوات المطلوبة في كل مرحلة.

 * توفير الضمانات الدولية والإقليمية لتنفيذ الاتفاق:

- ضمان الدعم الدولي والإقليمي لتنفيذ التوافق الوطني.

- إشراك الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في عملية التفاوض والرقابة.

 * التزام دول التحالف -التي تحولت إلى دول عدوان حين استهدفت كل البنى التحتية والمساكن والمناطق الأثرية- بإعادة الاعمار وتقديم التعويضات العامة والخاصة، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل العدوان.

 * وهناك خطوات لتحقيق التوافق الوطني تقدمت مبادرات يمنية داخلية/ محلية وعربية وإقليمية ودولية تصب في ذات التوجه، بما في ذلك تلك المساعي الحميدة التي تقوم بها هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والهيئات الحكومية الدولية الأخرى. وثمة ضمانات دولية وإقليمية مطلوبة لتنفيذ اتفاق التوافق الوطني في اليمن بنجاح:

* الدعم السياسي والدبلوماسي من الأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن:

* ضمان إصدار قرارات مجلس الأمن الداعمة لعملية التسوية السياسية.

- متابعة تنفيذ الاتفاق من قبل المبعوث الأممي لليمن.

 ** المساعدات الاقتصادية والإنمائية من المجتمع الدولي:

- توفير المساعدات اللازمة لإعادة الإعمار والتنمية في اليمن.

- ربط هذه المساعدات بالتقدم المحرز في تنفيذ الاتفاق.

  ** العقوبات الدولية على الأطراف المعرقلة للاتفاق:

- فرض عقوبات على الأطراف التي تنتهك بنود الاتفاق أو تعرقل تنفيذه.

- هذا يشمل حظر السفر وتجميد الأصول وغيرها.

  ** الضمانات الإقليمية من دول الجوار والمنظمات الإقليمية:

- ضمان دعم دول الخليج والجامعة العربية لعملية التسوية السياسية.

- إشراك هذه الدول في آليات المراقبة والتنفيذ.

  ** تشكيل قوة عسكرية دولية للمساعدة في فرض الأمن والاستقرار:

- نشر قوة حفظ سلام دولية لحماية المدنيين وتأمين المناطق الحساسة.

- المساعدة في نزع السلاح وإعادة بناء المؤسسات الأمنية.

هذه بعض الضمانات الرئيسية التي ستساعد في تنفيذ اتفاق التوافق الوطني في اليمن بشكل فعال وشامل. التزام المجتمع الدولي والإقليمي أمر حاسم لنجاح هذه العملية.

 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً