دومًا لا تتحرك عقارب الساعة للوراء، إلا إن حركها عابث أو محتال أو مستفيد من الظاهر والباطن، وما أكثرهم في حالتنا!
الزمن يتحرك دومًا للإمام... تاركًا على الأرض فرقاء يتعاركون يتجاذبون أطراف النقاش بأصوات تتباين حدتها تبعًا لموقف كل طرف وفهمه وتحليله لطبيعة الظرف... الظروف التي يتحرك من خلالها الزمن، والزمن يراقب عن كثب على الأرض أطرافًا تتقاتل ثم تتعارك ينتابها الإنهاك والتعب، ثم تتهادن دون رؤية ليست لها مقرر... لكن من ينهك وتثقل كاهله بالويلات هم الناس الذين تصليهم وتصيبهم آثار الحرب والمواجهات، وهم من يدفعون الثمن الباهظ لها دمًا وتشردًا وفقرًا وصراعات طائفية مناطقية...
إذن ما العمل؟ ما الذي جرى؟ ولماذا بكل منعطف أو منحدر أو تطور نحو الصواب يصاب الجمع بحالة من الهذيان، كل يفكر على ليلاه، وكل يشد اللجام نحو سربه وقطيعه... ويفرد ساعديه، ويرفع من عقيرة صوته إما مرحبًا أو منددًا بحدة منتقدًا شاهرًا سيفه... أو من يتأنى مرحبًا على استحياء بالمستجد على الأرض من تطورات شكلت خروجًا عن المألوف أو شقًا لعصا الطاعة... وفي تقديرنا المتواضع هذا الإرباك في قراءة متغيرات المشهد وما طرأ على جغرافيا اللحظة من لزوم وضرورة التحرك للإمام، إنما فرضته عوامل أغلبها خارج إرادات من ظلوا يتماحكون طلوعًا نزولًا مع متطلبات ضرورات مغادرة ساحة الحرب التي أنتجتها جملة تناقضات داخلية وخارجية أسها الأساس كامن في نافورة الانقلاب التي وضعت البلاد أمام استحقاقات جديدة ليس من ضمنها مصلحة الناس والبلاد نتيجة للانقلاب المشار إليه، والذي أطاح للأسف بما أنجزته سفينة الحوار الوطني... مخرجات الحوار الوطني... تحركت أنامل الحرب الخشنة بداية تحمل أسماء وخرائط وعواصف ما أنزل الله بها من سلطان لم تنجز منجزًا تاريخيًا لصالح الناس والبلد طيلة سنوات الحرب، بل سلكت نوعًا من العبث المجنون أعادت عبره أطراف الحرب هندسة مصالحها الضيقة على حساب البلد أيضًا بما كان لها من آثار مدمرة تمثلت بـ:
- تعقد حياة الناس السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
- تشرذم الشعب والبلد شيعًا وقبائل وأطرافًا تتقاتل.
- تدمير ما تبقى من مظاهر اقتصاد وطني هش ظل يتآكل وتتضارب مصالح أطرافه الموحدة إلى جزيئات تتنافر وزاد من حدتها ما يلي من مظاهر مدمرة:
- بروز ظاهرة ثنائية عملة موحدة اسمًا... ريال... متناقضة قيمة ومسمى... وسيادة سعرين لعملة ينظر لها بأنها عملة وطنية، ولكن بسعرين، وذاك أمر مستغرب غريب.
- تمادي الأمر لأبعد من ذلك مثل تعابيره الخطرة.
- بدايات تشكل كيانين سياسيين، وهو أمر مرفوض شكلًا ومضمونًا.
- غياب توافق وطني كلي يرسي مداميك ومتطلبات حل للقضية الجنوبية التي ستظل هاجسًا مقلقًا ما لم تعر ما يلزم ويتطلب من اهتمام جدي بعيدًا أيضًا عن المزايدات.
- بدايات انهيار وحدة السوق الوطني الواحد بما يعنيه من تغول على مبدأ السيادة الوطنية.
- ظلت لغة الحرب هي الأساس وكل محطات التلاقي كان ينقصها عنصر الأكسجين للقرار الوطني القادر المستقل البعيد عن تأثير الارتباط والتبعية الخارجية.
طال بنا الزمن وطالت الحرب، وتدمرت كل مرافق وعوامل البقاء والعمل والإنتاج داخل البلد الذي حولته الحرب إلى كانتونات تتواجه خلافًا لما ينبغي عليه الحال في بلد مستقر أو ينشد الاستقرار، وأصلًا أمر كهذا لم يكن متاحًا ولن يسمح به، فما يجري بالإقليم العربي برمته كنا جزءًا أساسيًا منه، ولذلك أسبابه يدركها القارئ الفطن.. الصراع في الإقليم كان جوهره واحدًا... التفتيت والتقسيم والتقاتل الداخلي على شرعنة الوجود الوطني قادته دول وقوى ليست بطابعها قوى دولة، إنما جرى زرعها لتعلب دور المخلب المخرب الممول والمسلح جيدًا يصب في نهاية المطاف خارج مهام مفهوم الدولة الوطنية، بل تدمير نواتها ليكون البديل ما نحن فيه.
عشر من السنوات وأكثر خلقت على الأرض أسماء وقوى وتشكيلات في إطار التعبيرات السياسية التي يعول عليها كوسائط للحل، لكنها كما اتضح لا تملك المقدرة ولا الرغبة، ولا تملك قرارها المستقل أولًا... وثانيًا هي غائية الهدف ذاتية التوجه متناقضة مع نفسها ومع محيطها، ونقول للأسف خاصة قوى الشرعية... وثالثًا لأنها قوى تحلق في فضاء غير وطني، لأن من يدير اللعبة حقًا إنما يديرها وفق رؤية ونهج ومنهج هدفه تدمير ما بناه الشعب رغبة في التحول إلى مفهوم سياسي ينظم حياة ومصالح الناس بديلًا عن مفاهيم عفا عليها الزمن، مفاهيم ما قبل دولة القانون والمواطنة، وأتى آخر الدهر من يريد فرض مفهوم مغاير شكلًا وجوهرًا بالقوة وعبر ألاعيب بعيدة عن مصلحة الشعب والبلد.
ضمن هذه القراءة، وفي ضوء ما جرى ويجري من مفاجآت، يلعب عنصر الخارج كان ومايزال عنصرًا محركًا أساسيًا، ولهذا نقرأ من يجري بالبحر الأحمر من استعراض لسيرك من أبطال العرض فيه إنما يمثل بهلوانية عرجاء لطرف لا يريد حل قضية غزة فلسطين إلا عبر هزيمتها... أمريكا بريطانيا أساسًا... وطرف آخر يلهو بالبحر كي يكسب في ملفات أخرى... النووي الإيراني... العقوبات... ترتيب علاقات سعودية حاملًا مضمون تموضع لدور إيراني فاعل في المنطقة وعبر وكيل غادر الساحة الوطنية لم يعرها اهتمامًا بل جرحها كثيرًا ودفعها ثمنًا باهظًا... والباقي تفاصيل مما يلعبه أنصار الله... الحوثي من جانب... وجزء تلعبه الشرعية من جانب آخر بضعفها وتناقضاتها الداخلية رغم أنها كانت تمثل البديل الوطني ولاتزال كذلك إن أحسنت إمساك ملفاتها، وأهل مكة يعرفون أين المفاتيح...
وهنا بيت القصيد حيث نشير إلى:
- قرارات البنك المركزي خطوة صائبة وإن تأخرت، لكن لا بد من الدفع بها للأمام بدراية وعناية كاملتين، وبما لا ينتج عنها أي آثار سالبة على حياة الناس وسوقهم واقتصادهم الوطني.
- استكمال مهمات تاريخية أمام المجلس الرئاسي يتطلب الظرف الشروع بها بعيدًا عن مماحكات ملفات وأولويات كل طرف من أطراف المجلس الثمانية.
- أخيرًا نأتي إلى ضرورة الدفع للأمام بما تولد من قرارات البنك المركزي، وما استجد من حيثيات تتعلق بضرورات فتح الطرقات كل الطرق دونما تخوف وخلق مبررات.
- فتح الطرق في مصلحة الوطن والناس.
تحرك الشعب صاحب المصلحة الأساس سيقود لا محالة كافة الأطراف للدخول في مساحة من المسؤولية الوطنية المغيبة لوضع نهاية لحرب مدمرة عبر مشروع حل سياسي متكامل يتوافق عليه الوطنيون اليمنيون، وأعتقد أنهم يملكون السبيل لذلك لو أرادوا، والأيام حبلى بهذا أو ذاك الاتجاه، وهنا يكون الفرز وطنيًا.