نقابة شعارها يكون " شبيك لبيك عبدك بين يديك " .. هذه هي المواصفات التي خرجت عنها نقابتنا الصحفية خلال تجربة السماح التي منحها الحزب الحاكم لها، ليجري عليها باجمال تجاربه الناجحة لسابقتها.. بعد أن اشتهرت مقولته بإدخال القيادات الصحفية الى المؤتمر عبر مجلس النقابة.. !!
هاهي قد أزعجتهم نقابتنا، ولم يمر عليها إلا سنتان فقط، وهاهو باجمال يعلن فشل تجاربه على عدد من أعضاء المجلس المنتخب، أؤلئك الذين لا ينتمون الى وظيفة رسمية يخشون على ضياعها، أو مصلحة خاصة يبحثون عن تحقيقها.
ما يحدث اليوم لنقابة الصحفيين نتاج طبيعي لثقافة الاستبداد التي تفشل محاولاتها الكاذبة لأن تكون ثقافة ليبرالية حديثة، (فطبع العقرب، أنه لم يؤمن الضفدع إلا بضع دقائق لينقض عليه) كما هو معروف في المثل الشهير " الطبع غلب التطبع "
- لقد أوجعتهم النقابة بمواقفها تجاه منتهكي الحقوق، ليخططوا اليوم بعملية انقلابية، بزعم أنها فشلت، والحقيقة أنها فشلت ولكن بتبعيتها للنظام، وهذا من أهم المبررات لكل نظام مستبد لإيقاف استمرار تخلق الأشياء الداعية لانهياره.
كم هو الحزب الحاكم غبيا ليتبنى قضية فاشلة، يدفعه الى ذلك خوفه من وجود نقابة قوية خلال الانتخابات القادمة. وما يجعلني أقول ذلك هو أن المهم الذي بنته النقابة سيظل كما هو وإن أزيحت قياداتها.. إذ أن ذلك هو " الإرادة الرافضة لثقافة الانتهاكات "
كم هو الحزب الحاكم غبيا ليهدم ما كان بناه الحقوقيون، وما كان الخارج اعتبره انتصارا للديمقراطية.. !!
سيقول البعض – وقد قال – ليس للحزب الحاكم دخلا بما يجري، ولكن أين سنضع هجومه وحيدا على المجلس الحالي، وتشغيل قياداته الإعلامية للمقاولة بالكتابة، ضد المجلس، حتى أنهم أحرجوا وكتبوا ما كان واضحا أنه كلام " أبتر ".
- أصبح واضحا لمن يقرأ تلك المقالات، ويحاول أجهاد نفسه لإكمال قراءة تلك الأخبار على النقابة، بأن مخططا قد عقد العزم عليه، لقطع رقاب قد أينعت.
- إن الطريقة التي يتحدث بها أولئك النفر ، بعد استقالة النقيب ، من ضرورة أجراء انتخابات للمجلس بكاملة ، تجعلنا نحاججهم بالقول أنه ولا بد أن تجرى انتخابات برلمانية، مع الانتخابات الرئاسية القادمة - وهو الأمر الغير منطقي – وإن أرادوا رأي الجمعية العمومية
– التي هي الشعب هنا – عليهم أجراء استفتاء لهذا الأمر، ( مجرد زنقلة فقط )، حتى لا يشطح من بيدهم مقاليد الأمور، وإن كانت الأنظمة الاستبدادية تمنحهم ذلك، وتزكيه لهم.
· استقالة النقيب :
من غير المنطقي " لي " مبررات استقالة النقيب، على أنها طبيعية، كما أعلن، فالمنطق يقول ان النقيب لم يعد يمتلك فرصة أخرى للترشيح، وطالما أنه عجز عن مواجهة المجلس الحالي، وأصطدم معه أكثر من مرة، في قضايا أصلا لم يكن هناك داع للإصطدام حولها..،
فمن التخطيط أذا قطع هذا الاستمرار، وعدم الأنتظار الى حين انتهاء الفترة القانونية للمجلس، وطالما أن المجلس الحالي قد ربط علاقات كبيرة مع الخارج ( المنظمات الدولية الصحافية، والحقوقية، حتى وصلت علاقته أيضا بـ" لجنة حماية الصحفيين بنيويورك، وهي لجنة ذات ارتباط بالمانحين، وتأثير قوي على قراراهم ). فالأفضل هنا هو عدم التمادي بالانتظار أكثر، فربما يجدون علاقة النقابة تتوسع أكثر وأكثر حتى تعجز الدولة من الأقدام على شيء في المستقبل، أكثر من عجزها الحالي.
ولكن ربما ما لا يمكن السيطرة عليه، هو هذه الصحوة الصحفية، لا سيما لدى الكثير من زملائنا في الدوائر الرسمية، وإن كانت الانتخابات السابقة قد منحت الحزب الحاكم نصف العدد تقريبا، فإنه اليوم ومع ما قدمته النقابة لهم، من وقوف قوي ضد رؤسائهم في العمل – وهو ما لم يحدث مسبقا إذ كان من المستحيلات – من اجل حقوقهم، أو ضد تلك الانتهاكات التي طالتهم من جهات أمنية وحكومية..
فإنه يمكن القول بسهولة أن الانتخابات القادمة يجب أن تحد من وصول العدد الذي يسعى إليه الحزب الحاكم، للسيطرة على قرارات النقابة.
ومالا يمكن أن يفهمه المخططون للسيطرة، هو أن الصحفيون يدركون أنهم يستمدون قوتهم من مجلس قوي، كما هو حال المجلس الآن، الذي في عهدة تكسرت الكثير من الخطوط الحمراء، لأنهم ما أقدموا على تمثل حريتهم كاملة إلا حينما شعروا بقوة مجلسهم، بل وصل الأمر الى إجراء انتخابات لجان نقابيه في المؤسسات الرسمية، وهو ما زاد خطورة الأمر لدى من تربوا على الشمولية، والعيش على صناعة الخطوط الحمراء.
لقد أصبح واضحا اليوم لدى معظم الصحفيين، أنه من مصلحتهم، وجود مجلس قوي لا يرتهن أعضاؤه للوظيفة العامة أو المصلحة المستقبلية، وهذا هو ما سمعته من أحد المستقلين – يعمل مراسلا لوسيلة خارجية – حين اقترحت عليه الترشح، قال لي أنه ليس من مصلحة الصحفيين أن يرشح شخص مثله، لديه وسيلة صحفية مهمة، من ناحية أن عمله الصحفي يحتم عليه قضاء معظم وقته فيه، ومن ناحية أخرى، أنه سيخاف على وظيفته من الاستهداف – طبعا من الواضح أنه كان يتحدث وهو يضع في حسابه أن هذا النظام غير محترم ليربو بنفسه عن التدخل بأرزاق الآخرين، فهو نظام فيه شخصيات لا تتورع من استخدام وسائل قذرة، كما وصفها تقرير لجنة حماية الصحفيين الأمريكية الأخير –
· التعامل مع الخارج :
من المعروف أن بلادنا لم تدرج ضمن الدول التي أدرجت في برنامج دعم صندوق الألفية، ومن المعروف أن المدير الجديد للصندوق، لم يقتنع بتصرفات اليمن تجاه الكثير من القضايا التي يشترط الالتزام بها للدخول ضمن ما سمي ب " العتبة " – وهي مرحلة تمهيدية للدخول ضمن الدعم، وكان من أهم النقاط تلك هي حرية الصحافة، وإيجاد قانون جديد للصحافة، ملتزم بالمعايير الدولية، ومن المؤسف أن بلادنا لم تستطع عمل شيء إزاء هذا الأمر، كما أنه من المؤسف أيضا أن مجلس النقابة، ومعه الصحفيون أحرجوا الدولة التي أعلنت نيتها تغيير قانون الصحافة بناء على تلك المطالب الخارجية، ليقوموا برفض المشروع الذي خططت له الدولة، وكشف مثالبه اللاقانونية، والمقيدة للحريات الصحفية.
بل كانت النقابة تتعامل مع الخارج من أجل مناصرة أعضائها في حقوقهم، والدفاع عنهم، وكانت ترسل بياناتها للمنظمات الخارجية بخصوص كافة تلك الانتهاكات، عندما لا تجد تجاوبا داخليا معها من قبل المسئولين، وهو الأمر الذي كانت تتمسك به تلك المنظمات الخارجية لتقدمه للجهات المانحة كدليل على عدم التزام بلادنا بحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان.، وبدلا من أن تتجه الدولة للقضاء على تلك المظاهر المخلة بالديمقراطية لتتحصل على الدعم الخارجي، كأسهل الطرق، أعلنت عجزها، من خلال السعي للقضاء على النقابة معتبرة ان هذا هو الأسهل، غير مدركة ان الأمر توسع وظهرت منتديات ومنظمات ومراكز صحفية من شانها القيام بنفس دور النقابة.
ان الطريقة التي يستخدمها الحزب الحاكم للإطاحة بالنقابة، ستكون مدمرة للعمل النقابي الصحفي، لكنها أبدا لن تقتل الروح التي تكونت لدى الصحفيين، والذين سيصبحون قادرين على الدفاع عن حقهم بأنفسهم دون الحاجة لمن يقوم بهذا الدور، طالما وقد فتحت النقابة الباب أمام الجميع ليقوموا به.
كما أن القانون الذي يراد تمريره – بمواده الشمولية – أثناء فترة الصراع، لا أعتقد ان اجتماعا ت عدة سيعقدها الحزب الحاكم مع أعضائه الصحفيين، لأجل إقناعهم بمواده، أنها اجتماعات ستكون ذات جدوى بعد الآن، لأن الوقت قد تأخر كثيرا. إن الخوف الذي يجب ان يساور الصحفيين، ليس من مجلس وقف ضد انتهاكات الصحفيين من الأحزاب كلها، بل أنه الخوف مما يراد أن يكونه المجلس القادم، ربما سيستطيع فقط عقد الدورات المختلفة، لكنه سيكون عاجزا عن إصدار بيان نقابي، ضد مؤسسة الثورة مثلا، أو محافظ الضالع، أو حتى مدير عام، أو مرافق قاض متهور.
في اعتقادي أننا في مثل دولة كاليمن ما زالت تتخلق في تكويناتها الأولى من الديمقراطية،أننا
بحاجة الى من يسير بحقوقنا الى بر الأمان، أفضل ممن يؤهلنا في أعمالنا، مقابل أن يسلبنا
إرادتنا، ويمنعنا من تنفيذ ولو نصف ما تعلمانه..!!
· لماذا نقابة الصحفيين :
ليست نقابة الصحفيين هي المكان المناسب للسلطة، لعقد صفقاتها، ومحاولة كبح عجلة الديمقراطية عبر تقييد حرية الرأي، وتحويل الحقوق الى مجرد صراعات حزبية، تشويها للحقيقة، التي قد تؤثر سلبا على مصالح الكثير ممن استمراؤا العيش على قيادة الأزمات والتخطيط لها.
بالنسبة لنا لن نكون آسفين على أشخاص مجلس النقابة، بقدر أسفنا على تجربة بدأت بيضاء برضا السلطة، والصحفيين، وانتهت الى سواد تقوده السلطة فقط. علينا أن نحزن على أن محاولة حقيقية للعيش في أتون الديمقراطية، فشلت حين أعلن نجاحها لطرف الصحفيين ضد السلطة.
وفي اعتقادنا ان إصرار الحزب الحاكم، على تدمير النقابة الحالية، بعد صبر سنتين، أنما جاء لعدة عوامل، منها ما اشرنا لها في سياق حديثنا السابق ومنها ما سنوردها هنا مع تلخيص ما سبق بشكل نقاط :
- استشعار وهمي لخطورة الأقدام على المرحلة القادمة من الانتخابات الرئاسية والمحلية، بنقابة قوية، تقف في وجه المقدمين على ردع الصحفيين، خصوصا أولئك الذين دربتهم منظمة خارجية على تغطية الانتخابات القادمة.
- يزداد تخوف السلطة من النقطة السابقة مع احتدام صراعها مع المعارضة، سيما وان السلطة تعتبر أن غالبية مجلس النقابة من المعارضة، مع أن المعروف أن غالبية أولئك المتهمين بأحزابهم، هم على خلافات واضحة معها، وقد وقفوا ضد أحزابهم مع الصحفيين، ويؤكد ذلك مواقف عديدة للمجلس.
- السعي الى تمرير مشروع قانون الصحافة الذي رفضه الصحفيون، بعد أن فشلت السلطة على مواجهتهم ونقابتهم، للوصول الى حلول توافقية، تضر الصحفيين أكثر مما تخدمهم.
- إحداث انشقاقات بين الصحفيين الرسميين والمعارضين لإيصال رسالة الى المنظمات الخارجية الداعمة للنقابة، مضمونها فشل النقابة في إدارة الصراعات الحزبية بين أعضائها.
- يعتقد الكثيرون مثلي أن مجلس النقابة الحالي كان قويا في وجه كافة الانتهاكات التي طالت الصحفيين، مما شكل جوا مهنيا شجاعا للصحفي لقول كلمة الحق دون خوف من سجن أو اختطاف أو ضرب، أو حتى تهديد بالقتل، وهذا الأمر أنعكس على النظام بشكل استياء كبير مما يحدث من تصديق للحرية والديمقراطية، وإن بشكل بدائي.
- عدم قدرة الحكومة على مواجهة ضغوطات الإصلاح الخارجية، والداخلية، واعتبار أن الصحافة هي العدو الأول الذي يزيد من تلك الضغوطات، ويتضح ذلك من تصريحات المسئولين، فقد اتهم أبوبكر القربي الصحافة بتقديم معلومات مغلوطة للخارج، وقال أنهم أقنعوا الجانب الأمريكي بالجلوس والحوار لمناقشة مصداقية تلك الصحف التي استقى منها الأمريكان معلوماتهم.
· تهمة الحزبية حين تكون لمصلحة الحاكم فقط :
وأخيرا علينا أن نكون أكثر دقة في توصيفاتنا لما يود الحزب الحاكم عبر مواقعه وصحفه من إلصاق تهمة الحزبية للنقابة لمجرد أن مجلسها لم يتفق معه على طاولة واحدة للحوار كان الغرض منه المساومة على قضايا إجماع لدى الوسط الصحفي، فتلك تهمة لم يستطع إثباتها لا عبر استقالات أعضاء ينتمون إليه أولا قبل أي حزب أخر، حين بدأت تلك الاستقالات بمساومة على المواقع التنفيذية، وانتهت بالتخطيط لأضعاف دور النقابة وبث الانشقاقات، أو عبر مواقف حقيقية لأعضاء المجلس الذي يقتسمه لوحدة مع ثلاثة أحزاب مناصفة.
إن التهمة التي تتهم بها كافة النقابات النشطة مع حقوق أعضائها، لن تكون تهمة بأي حال طالما وأن السيطرة ستكون كلية للحزب الحاكم، الذي يعمل على وأد كافة النقابات التي تحت سيطرته، وإفراغها من عملها النقابي الحقيقي لتصبح فقط اسم دون جسم.
فنقابة الصحفيين – مثلا – موجودة منذ ما قبل 1990م ، لكنها لم تكن يوما بهذا الزخم الذي يزينها اليوم، لتصبح نقابة ذات صدى عالمي، وحضور دولي.
ومع أننا لسنا مع الأقحامات الحزبية والسياسية للعمل النقابي، إلا إننا نورد هنا مفارقة سيئة وقع بها الحزب الحاكم ، من خلال كيله الاتهامات لمجلس النقابة أنه ذو أكثرية حزبية مخالفة لمنطلقاته، ولذا فأنه يسعى الى أعادة هيكلتها لتصبح تابعة له. نقول في هذا أن لأحزاب اللقاء المشترك حقا كاملا أذن بمطالبتها تغير تشكيلة اللجنة العليا للانتخابات، لأنها ذات أغلبية للحزب الحاكم، والمسألة هنا أكثر دقة لأنها مرتبطة بالعملية الديمقراطية كلية، وليس لنقابة واحدة فقط، بل أن أحزاب المشترك تمتلك أدلة لتهم الحزبية التي توجهها للجنة بينما لا يمتلك الحزب الحاكم دليلا حقيقيا على مجلس النقابة، وما عداه فمجرد تخمينات ليس إلا.
الحزب الحاكم حين يسطو على الصحافة
2006-04-08