في مثل هذا اليوم الـ28 من شهر سبتمبر عام 1970م، رحل زعيم الأمة العربية جمال عبدالناصر، فبالرغم من مضي أربعة وخمسين عامًا على رحيل الرئيس جمال عبدالناصر، إلا أن صدى ذلك الرحيل لايزال ماثلًا أمامنا بحضوره الطاغي في الحياة العربية؛ ذلك الغياب الذي لم تزده السنون إلا حضورًا، وبخاصة ونحن نشاهد المهرولين إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ذلك الكيان الذي تآمر مع المهرولين على الصحوة القومية التي استطاع ناصر أن يحييها في وجدان كل مواطن عربي، ذلك الزعيم الذي رفض استعادة الأرض العربية المحتلة مقابل الاعتراف، فقال كلمته التي زلزلت الأرض من تحت أقدام الغاصبين: "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، وأعلن اللاءات الثلاث.
جمال عبد الناصر، رائد القومية العربية، ترك بصمة عميقة في تاريخ الأمة العربية. كان قائدًا شجاعًا، إذ بدأ حرب الاستنزاف كاستعداد للحرب الشاملة التي قادها أنور السادات لاحقًا. وقد غيّر مسار الصراع العربي الإسرائيلي من حرب تحرير إلى "تحريك موقف"، مما يعكس عمق رؤيته السياسية.
لايزال تأثير عبدالناصر حاضرًا في وجدان العرب، من المحيط إلى الخليج، بل وحتى على مستوى العالم. تجربته التاريخية، بما فيها إنجازاته وإخفاقاته، تثير الكثير من النقاشات الثقافية حول كيفية استلهام الدروس من مسيرته.
في ذكرى رحيل أعظم قائد في مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، وبهذه المناسبة يطيب لي أن أتقدم بتحية إجلال وإكبار لهذا الزعيم الذي أطلق أنبل المعاني في خطاباته، وواجه التحديات بشجاعة. لقد خاض معارك شريفة، وسجل مشاهد عدل خالدة في الذاكرة العربية والإنسانية.
وفعلا فعبدالناصر لم يلقِ الكلام على عواهنه، بل بدأ بحرب الاستنزاف استعدادًا للحرب الشاملة التي نفذها السادات، وغير مسارها من حرب تحرير إلى حرب "تحريك موقف".
ولذلك مازال حضور عبدالناصر طاغيًا في وجدان الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، بل لايزال طاغيًا ليس على مستوى الوطن العربي فحسب، بل على مستوى العالم.
فيما يستمر الجدل الثقافي حول تجربته التاريخية وإنجازاته وإخفاقاته، وإمكانية استلهام بعض الدروس من هذه التجربة المحفورة بوشم الإخلاص في الذاكرة الثقافية العربية التي لطالما عمل من أجلها وصولًا للغد الأفضل لشعبه وأمته.
تحية إجلال وإكبار لهذا الزعيم رائد القومية العربية، أحد الأبطال التاريخيين للأمة، في ذكرى رحيله الثانية والخمسين؛ إنها تحية إجلال وإكبار لمن أطلق أنبل المعاني في خطاباته المرتجلة، وخاض أشرف المعارك؛ وكتب مشاهد عدل خالدة في الذاكرة العربية والإنسانية.
تحية إجلال وإكبار لقائد عظيم لم يزده الغياب إلا حضورًا.
جمال عبدالناصر، كأحد أبرز القادة العرب في القرن العشرين، حقق العديد من الإنجازات التي لاتزال تؤثر على العالم العربي حتى اليوم. من أبرز هذه الإنجازات:
تأميم قناة السويس: في عام 1956، قام عبدالناصر بتأميم قناة السويس، مما أدى إلى تعزيز السيادة الوطنية وزيادة الموارد الاقتصادية لمصر. هذه الخطوة كانت رمزًا لمقاومة الاستعمار.
دعم الحركات التحررية: كان عبدالناصر داعمًا رئيسيًا لحركات التحرر في إفريقيا وآسيا، مما أسهم في تعزيز الشعور القومي لدى الشعوب المستعمَرة.
مشروعات التنمية الاقتصادية: أطلق عبدالناصر مشروعات تنموية ضخمة مثل مشروع السد العالي، الذي أسهم في تحسين الزراعة وتوليد الطاقة الكهربائية، مما كان له تأثير كبير على الاقتصاد المصري.
الوحدة العربية: دعا عبدالناصر إلى الوحدة العربية، وأسس الاتحاد بين مصر وسوريا (الجمهورية العربية المتحدة) في عام 1958. رغم أن الاتحاد لم يستمر طويلًا، إلا أنه ترك أثرًا في الحركات الوحدوية في العالم العربي.
الخطاب القومي: أسهم عبدالناصر في صياغة الخطاب القومي العربي، إذ أرسى مفاهيم السيادة والعدالة الاجتماعية، مما أثر على الحركات السياسية والفكرية في المنطقة.
مناهضة الاستعمار: كان لعبدالناصر دور كبير في مواجهة القوى الاستعمارية، مما ألهم العديد من الدول العربية والإفريقية للوقوف ضد الاستعمار والهيمنة الأجنبية.
تستمر تأثيرات هذه الإنجازات في تشكيل السياسات والتوجهات في العالم العربي، مما يجعل عبدالناصر شخصية محورية في التاريخ العربي الحديث.
مشروعات التنمية التي أطلقها جمال عبد الناصر كان لها دور كبير في تحسين حياة المصريين في فترة حكمه، ومن أبرز هذه المشروعات:
أولًا: السد العالي:
تحقيق الأمن المائي: أسهم السد العالي في تنظيم تدفق مياه النيل، مما أدى إلى تقليل مخاطر الفيضانات والجفاف.
وهذا أدى بدوره إلى زيادة الإنتاج الزراعي: بفضل توفير المياه بشكل مستدام، ارتفعت مساحة الأراضي الزراعية وزادت الإنتاجية، مما ساعد في تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي.
ثانيًا: مشروعات الكهرباء:
توليد الطاقة: أدى بناء السد العالي إلى توليد كميات كبيرة من الكهرباء، مما أسهم في إضاءة المدن والقرى ودعم الصناعات.
وهذا أثر إيجابًا في تحسين مستوى المعيشة: أتاح توفر الكهرباء تحسين مستوى الحياة اليومية للمصريين من خلال تسهيل الوصول إلى الخدمات الأساسية.
ثالثًا: التصنيع والتوسع الصناعي:
إنشاء المصانع: تم إنشاء العديد من المصانع في مختلف القطاعات، مما ساعد في توفير فرص العمل ورفع مستوى الدخل للأسر.
وكذلك تطوير البنية التحتية: تم تحسين الطرق والمواصلات، مما ساعد في تسهيل حركة البضائع والأفراد.
رابعًا: التعليم والصحة:
زيادة الوصول إلى التعليم: تم إنشاء مدارس وجامعات جديدة، مما زاد من معدلات التعليم في البلاد.
وكذلك تحسين خدمات الصحة: تم إنشاء مستشفيات ومراكز صحية جديدة، مما أسهم في تحسين الخدمات الصحية والحد من الأمراض.
خامسًا: الإسكان:
مشروعات الإسكان الاجتماعي: تم تنفيذ مشروعات إسكان لتوفير مساكن للطبقات الفقيرة والمتوسطة، مما أسهم في تحسين ظروف الحياة.
تطبيق اشتراكية كان من نتيجتها الإصلاح الزراعي، وعندما طلب منه أن يسمي الاشتراكية إسلامية رد قائلًا: هي اشتراكيتنا العربية، فإن حققنا العدالة الاجتماعية التي أمر بها ديننا، فهي إسلامية، أما إذا أخفقنا فإنها تجربتنا اجتهدنا وبذلنا ما في الوسع لتحقيق الرفاهية لمجتمعنا العربي.
وعندما فشلت الوحدة بين مصر وسوريا، طلب منه القادة العسكريون استخدام القوة، لكنه رفض وقال إن الوحدة لا يجب أن تتم إلا بالرضا والتفاهم، ولم يرفع شعار "الوحدة أو الموت".
وكل تلك الإنجازات التي حققها ناصر تُعتبر هذه المشروعات جزءًا من رؤية عبدالناصر للتنمية الشاملة، وقد أدت إلى تحسين مستويات المعيشة وتعزيز الشعور بالانتماء الوطني بين المصريين.
وقد ظل منارة لفكر محور المقاومة، وبهذه المناسبة نسأل المولى عز وجل أن ينزل على روح الزعيم عبدالناصر شآبيب رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته جوار الأنبياء والشهداء والصديقين.
تزامن ذكرى رحيل الزعيم جمال عبدالناصر مع استشهاد سماحة السيد حسن نصر الله، يشكل لحظة تأمل واعتزاز بالرموز التي أسهمت في نضال الأمة العربية.
جمال عبدالناصر، الذي كان رمزًا للقومية العربية، وأسهم في دعم حركات التحرر، يظل حاضرًا في الذاكرة الثقافية والسياسية. أما سماحة السيد حسن نصر الله، فقد كان له دور بارز في مقاومة الاحتلال والدفاع عن حقوق الشعوب في المنطقة.
إن تزامن هذين الحدثين يذكرنا بأهمية القيم التي ناضل من أجلها كل منهما، ويؤكد على الإرث الذي تركه عبدالناصر في دعم المقاومة والتحرر، وهو إرث يستمر في إلهام الأجيال الجديدة.
نسأل الله أن يتغمد روحيهما برحمته ويسكنهما فسيح جناته، ويعطي الأمل لشعوبنا في تحقيق العدالة والحرية.