إيران تقاوم جنون القوة الامريكي - أبوبكر السقاف
«خطير جداً أن تسلح أمة واحدة نفسها بمخزون من السلاح النووي داخل حمام العداء الذي تدعو دول الشرق الأوسط إليه، فهي بذلك توحي لدول اخرى ان تفعل هذا ايضاً. إن اسرائيل لا تسدي جميلاَ عظيماً إلى نفسها إذا ما تجاهلت هذا الأمر»
لي باتلر، رئيس القيادة الاستراتيجية السابق للجيش الامريكي. (من حديث لتشومسكي نشر في «يدعوت احرانوت» الاسرائيلية)
رغم ما تتسم به خطابات وتصريحات الرئيس الإيراني نجاد من جموح يصل إلى الديماجوجية احياناً، إلا أن فيها قضايا محورية محق في الدفاع عنها(1). إذ لا يشك من له أبسط إطلاع على السياسة الدولية أن العدالة هي الغائب الأكبر، لا سيما منذ صعود المحافظين الجدد، الذين لا يقنِّعون نزوعهم الامبريالي الجامح، بل ويطلقون له العنان ليعربد في أرجاء الكرة الأرضية. تحدث نجاد محقاً عن غياب العدالة في السياسة الدولية.
إن أمريكا تضع نفسها فوق القانون الدولي الذي تدعي حمايته، فقد غزت العراق لإعادة استعماره رغم ما يشبه الإجماع العالمي الذي لم يسبق له مثيل منذ ايام حرب فيتنام والذي رفض اي عمل عسكري لحل ما سمي ازمة اسلحة الدمار الشامل، والتي تبين انها كانت أكذوبة منسوجة بعناية فائقة. تواصل امريكا الامبريالية بهذا النهج مبدأ الاستثنائية الأمريكية في كل ما له علاقة بالسياسة الدولية. وأحد أشهر الكتب في تاريخ الفكر السياسي فيها عنوانه «الاستثنائية الامريكية» وهو نفسه ما يدور الحديث عليه في كتب المحافظين الجدد، الذين بدأ حتى فوكوياما في نقدهم بعد الجنون الذي شاهده منهم في العراق وأمريكا. ومن الواضح أن نقده هذا ليس دفاعاً عن الضحايا ولكنه حرص على سلامة السياسة الأمبريالية لوطنه.
عندما قال نجاد إن العدالة غائبة في العلاقات الدولية، فقد كان محقاً. فإذا ما كان القانون الدولي ليس محايداً أو حكماً بين الدول فإن من حق كل دولة أن تدافع عن نفسها بامتلاك السلاح المناسب لردع او تخويف او خلق توازن رعب يحول بين العدو/الأعداء وغزوها*، وهذا ببساطة ما تفعله ايران وفعلته قبل ذلك روسيا السوفييتية وفرنسا والصين والهند وباكستان.. إذ لا يمكن الاعتماد في الواقع عن الحقوق القومية والانسانية على هيئة الأمم التي ورثت فشل عصبة الأمم فلم تحلالثانية بين العالم الغربي والحرب العالمية الثالثة، بينما الأولى قدمت غطاء سياسياً لحلول ظالمه تناقض أبسط قواعد العدالة في فلسطين وكوريا وفي عشرات من الدول.
إن سلوك امريكا الامبريالية ومعا تابعها البريطاني يذكر بالتعريف الذكي الذي اطلقه تراسيماخوس، في احدى محاورات أفلاطون، في وجه سقراط: «العدالة مصلحة الأقوى». فرغم النقد الذي وجهه سقراط وهو محق فيه أحياناً وما يمكن أن نقوله اليوم في الدفاع عن حياد القانون والقضاء الدولي في عصر حقوق الانسان والمحاكم الأوروبية (ستراسبوج) والمحكمة الدولية الجزائية، إلا أن غطرسة وجنون أمريكا لا ينطبق عليها إلا تعريف السوفسطائي اليوناني. وهي لا تملك لا الحق القانوني الدولي، ولا الحق الأخلاقي في حربها السياسية الاعلامية والنفسية التي تشنها على إيران. فطبيعة القانون رافعة وقد تحدث فيها كتاب ومفكرون من كل انحاء العالم، وكان المناضل اليساري ناعوم تشومسكي، عالم اللسانيات المشهور أعلاهم صوتا في هذا الشأن بعد أحداث 11/9/2001 وقبلها. ولكن تبقى القضية الأخلاقية. إذ يدعي منظرو السياسة الأمريكية أنهم يخشون من لاأخلاقية الأنظمة في كل ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل، وتردد حتى اسرائيل هذا القول دون كلل، بل قد ذهب وزير خارجيتها السابق سلطاان شالوم بالأمس تعليقا على انتاج إيران الماء الثقيل، إلى أنه يخشى ان تقوم إيران باستعمار الأقطار العربية بوساطة الشيعة العرب وأنه يخاف جنون ولاية الفقيه. وهذا ليس حديثاً عابراً أو جاء في مناسبة محددة، إنه لحن تعزفه الصحافة الإسرائيلية منذ عدوان العدو على لبنان، وتجتره صحف اليمين والوسط واليسار مؤكدة أن اسرائيل هي الحليف المناسب والمأمون الجانب للسنة العرب. ويتحدثون في الأردن عن «النظام العربي السني» وكأن النظام العربي موجود.
أمريكا إذاً تتعامل، لا مع الدول وحقها، بل مع الأنظمة التي تختلف معها، فيعطيها هذا الاختلاف حق العدوان على الدول ما دامت شعوبها تقبل هذه الأنظمة. واسرائيل في هذا السياق ليست استثناء بين الدول، بل مكون أساسي في الحلف الاستراتيجي وهي «مصلحة دائمة لأمريكا». ورغم الهامش الذي تملكه من الاستقلال إلا أنها قامت بشن حربها على لبنان بالانابة.
وإذا ما عدنا إلى تاريخ استخدام القنبلة الذرية فإننا نجد أن أمريكا أول من استخدمها ودون ضرورة عسكرية، فكان دمار هيروشيما وناجازاكي(2)، وهي التي تستخدم اليورانيوم المنضب حتى اليوم وتأثيره يبقى ملايين السنين في التربة كما يؤكد العلماء الأمريكان، وكان وراء أمراض جديدة غير معروفة، وإصابة العراقيين بالسرطان، لأن آثاره باقية في الكويت والعراق.
إن توازن الرعب وحده هو الذي حال بين أمريكا واستعمال السلاح النووي، بعد امتلاك روسيا -وبعد ذلك آخرين- له. فلو كان نوع النظام هو الذي يمنح الدولة حق امتلاك السلاح النووي فإن اول من يجب ان يحرم منه هي أمريكا.
وليس هناك ما يعلم اكثر من تصريح الرئيس الفرنسي شيراك قبل نحو ثلاثة اشهر بأن فرنسا ستستعمل السلاح النووي في حال تهديدها من جهة إرهابية. ليس دولة، بل جهة إرهابية، فقد أصبح الارهاب بحكمة بالغة من بن لادن «أنظف» ذريعة للقتل والدمار والتعذيب. إنه هدية الهدايا لأمريكا وشركائها.
اعلنت الصين الشعبية في نهاية العام 2005 أنها جربت بنجاح صاروخاً نووياً يطلق من الغواصات. ولم يكلف أحد نفسه مشقة التعليق فمنطق العدالة الدولي قد وزع الحقوق منذ مؤتمر يالطا، قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، بين الدول الخمس ومن يلوذ بها.
تحدث الرئيس الروسي بوتن في الفترة نفسها عن امتلاك روسيا سلاحاً جديداً تسبق به العالم نحو عشرين عاماً، وكرر القول وزير الدفاع الروسي. ولم يتحدث عن هذا التصريح أحد. إن التجارب مستمرة في امريكا والصين وروسيا، والفجوة تزداد اتساعاً بينهم والعالم الذي لا يملك السلاح النووي، مع أن أسلحتهم التقليدية تكفي وحدها لتدمير العالم.
قد يبدو احياناً أن امتلاك السلاح النووي قبل إشباع الحاجات الأساسية الأولية للناس، ضرب من الجنون، كما في باكستان والهند. ولكنه منطق البقاء الدارويني. نعم داروينية اجتماعية سياسية محدودة يفرضها المناخ الدولي.
وقد قرأت تصريحاً لقائد باكستاني عسكري بعد مشهد دموع الرئيس فؤاد السنيورة، لخص وضع باكستان ووضعنا: «إننا في باكستان لن نبكي»، وكان ذلك في سياق حديث عن الأزمة السياسية الأخيرة مع الهند.
إن تاريخ أمريكا السياسي دام في الاتجاهات كلها بدءا من النشأة التي تركت بصماتها البشعة، حتى اليوم. من يبدأ تاريخه بإبادة الهنود الحمر بالرصاص والويسكي والسفلس (الزهري)، من المنطقي أن يختمه بإعادة استعمار العراق وأفغانستان وتأييد اسرائيل لدفن الوطن الفلسطيني. ولا يميز أمريكا الاستعمارية إلا سعار الهوس الديني الذي يحكم سلوك الرئيس بوش ويتجلى في ملامح وجهه وتعبيراته، وعندما يخطب يبدو كأنه ينظر إلى أعماقه ولا يخاطب الجمهور أمامه. ولم تستطع حتى وزيرة الخارجية السابقة م.أولبرايت ان تتجنب هذه الحقيقة: «عملت مع رئيسين أمريكيين وكانا مؤمنين ولكنهما لم يجعلا من آرائهما الدينية جزءاً من السياسة الامريكية». الانجليكانية والمسيحية الصهيونية وهي تيار معروف في اوروبا وامريكا، هنا موظفتان لخدمة السياسة الامبريالية في سياق دولي لا يوجد فيه أقطاب متعددة. وتذهب الوزيرة بعيداً عندما تقول: «يقين الرئيس بوش بما يؤمن به، والفرق بين الخير والشر، هو من وجهة نظري أمر مختلف... الحقيقة المطلقة هي التي تجعل بوش مثيراً للقلق».
تقمص بوش دور المنقذ صاحب الرسالة الدينية ليس جديداً في التاريخ السياسي الأمريكي، فأصحاب «المصير الجلي» ورسالة الأنجلوساكسوني تحدثوا في كتب ومقالات عن أنهم «شعب الله المختار» دون جمجمة . كان ذلك في عشرينيات القرن الماضي، ويتابع بوش اليوم وتصفه اولبرايت بالكلمات التالية: «إنه يعتقد أن الله يريد منه أن يكون رئيس البلاد»، هذا العائد من رحلة إدمان الويسكي قال بعد التوبة النصوح: «استبدلت المسيح بجاك دانيل» نوع مشهور من الويسكي تنتجه أمريكا في ولاية تينسي. ولا شك في أن البعد الديني المذهبي الجامح يختلط عنده بالسياسة فتبدو له إيران ذروة «الفاشية الإسلامية» التي كتب فيها كثيرون لمداراة فاشيتهم الصريحة، ولكنها في خطب رئيس دولة تبدو راية جهاد صليبي بامتياز وليس ذكر الحرب الصليبية في حديثه بُعيد احداث سبتمبر وفلتة لسان، وإن كانت كذلك فهي إفصاح عن مكنون اللاوعي، كما يقول فرويد. فلتات اللسان تقود إلى اكتشاف عقدة المريض فيكون علاجه ممكناً. إن الرجل متسق مع عالمه الخاص وأوهامه واساطيره. وتضيف اولبرايت لتوضح الفرق بينه والرئيس لنكولن الذي قال: «يتعين علينا أن نقف إلى جانب الرب»، ويقول بوش: «إن الرب معناً». من سوء طالع البشر.. أن يكون هذا الرجل رئيساً لدولة عظمى؛ اذ لا يبدو أن لجنونه حدوداً حتى بعد تجربة العراق. يبدو انه مثل جان دارك يسمع اصواتاً.
ليس هناك ما هو شديد الغرابة من حديث خطاب الأنظمة عن سلاح ايران النووي فحكام الخليج يتحدثون منذ أيام عن الخليج منطقة خالية من الأسلحة النووية. الخليج، وليس ما يسمى بالشرق الأوسط، حتى تخرج دولة العدو من دائرة المساءلة. هذا موقف امريكا.
ثم ان السلاح الايراني لا يزال في عالم الغيب ، والسلاح المشرع على رؤوسنا هو سلاح العدو الصهيوني الذري والكيميائي والجرثومي. وقد مزق كل الأقنعة في ما يخص الأول، البطل اليهودي، سابقاً، فعنونو، الذي قضى 18 عاماً في السجن ولا يزال محروماً من مغادرة البلاد بعد ان تنصر وتبنته عائلة أمريكية. دولة العدو تنتج الأسلحة منذ العام 1933 باشراف حزب حيروت الذي ورثه الليكود. وفسر موشي ديان حروبها العدوانية عندما قال ليست لدينا سياسة خارجية بل سياسة دفاعية!! كما حدث منذ ايام في لبنان».
من حق ايران أن تمتلك في المستقبل السلاح النووي ولن يكون إلا سلاحاً دفاعياً لأن الترسانات الأخرى اكبر واعقد. ولكن ايران ستحمي نفسها بتوازن الرعب. وهذا منطق راسخ في العلاقات الدولية، واستنكار حكام أنظمة الفشل والخنوع إمعان في التبعية وممارسة مهينة لذهنية العبد.
بل ليس مبالغة ان يقال إن السلاح النووي قد يكون رادعاً للعدو الصهيوني. وهذا ما حرك عقدة الشك في إمكان استمرار وجود كيانه في هذه الازمة.
وهذا نفسه هو ما كشفت عنه الحرب العدوانية على لبنان عندما استطاع حزب مسلح ومؤمن بالوطن والحق ان يثبت في وجه مبدأ الروع الاسرائيلي فنجح. ومن هذه الزاوية فقط يمكن الحديث عن الانتصار ونحن قادرون عليه كاملاً لو غيرنا أنظمتنا وقمنا بتحديث مجتمعاتنا وجيوشنا وآمنا بحقنا الواضح في الدفاع عن أنفسنا وفي مكان لنا تحت الشمس، كان انتصاراً على النفس في المقام الأول إن النظام الايراني ليس أبدياً. بل تشير مؤشرات كثيرة إلى ان عوامل تغيير متنوعة ستعصف به وقد ارهق الايرانيين إلى درجة لا عقلانية، وليس هنا موضع هذا الحديث. والمعركة القائمة كانت أكبر هدية له. إن الذي سيبقى هو الشعب الايراني الصديق، شريكنا الكبير في الحضارة العربية الاسلامية. وحقائق الجغرافيا والتاريخ والمصير، هي التي يجب ان نفكر فيها، لا مصالح الحكام الأقزام وعشائرهم واسرهم او إنكشاريتهم العسكرية وأنظمة الفساد التي أهدرت إمكانيات الشعوب العربية. ان التحرر منهم جميعاً مدخلنا الوحيد إلى معركة التحرير السياسي والقومي والاجتماعي. وكل ما خلا هذا وهم وسراب وهدير كلام بليد يزيف الوعي والإرادة.
إن العداء الموجه نحو ايران في قضية السلاح النووي يقوض أمننا في المستقبل لا يضر إيران، بل يضرنا. لأن امتلاك عدونا التاريخي للسلاح النووي يحتم علينا أن نمتلكه إن كنا نفكر وفق ابجديات صراع البقاء، دون أن نحسن الظن لحظة واحدة بطموح القوميين الايرانيين، ولا أمل في الحكام القائمين القاعدين.
خرج وزير الخارجية البريطاني سترو من وزارة بلير لأنه صرح قائلاً: «إن التفكير في شن حرب على إيران جنون. قال هذا لذي الوجه الكئيبرامسفيلد. وهذا وصف دقيق، فهل يستطيع بوش أن يمارس لعبة جنون أشد هولاً من لعبته الدموية في العراق، حيث جسد جنوده وضباطه السكارى والصاحون ما هو أشد من القتل: التعذيب والتفنن فيه حتى السادية، واغتصاب وقتل النساء والاطفال.
حال العراق الشقيق الذي جلب إليه الاستعمار الداخلي أعتى استعمار خارجي مسلح بالبراجماتية الكلبية وهوس الرسالة الدينية. فيثبت مرة أخرى أن الاستعمار ليس منقذاً، وأنه لا يجب أن نقبل بوضعنا بين خيارين: إما الامبريالية أو الفاشية. يجب اسقاطهما معاً، وهذا لا يزال أفقاً مفتوحاً. وهناك عشرات الملايين في العالم يخوضون هذا الصراع في أوروبا وامريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا. وكلي أمل في اقتراب صحوتنا الحاسمة من «رقدة العدم» التي تحدث عنها أحمد شوقي.
وللإخوة في إيران تحية تضامن وتقدير.
27/8/2006
- هوامش:
* هذا إحياء هزلي لصراع تراجيدي بين الدولتين العثمانية والصفوية، يقول اصحابه إن ايران تهدد دينهم واستقلالهم وهم لا يدافعون عن الاثنين،وموقفهم إنما يخدم سياسة العدوان الامريكي الاسرائيلي على إيران، ومن الواضح أنهم لا يعرفون أنه يتعذر تصور تاريخ الاسلام السياسي والديني والثقافي، ولو رجعوا إلى الكتاب «العمدة» لأبي ا لحسن الاشعري وقرأوا عنوانه لادركوا مدى ضلالهم «مقالات الاسلاميين واختلاف المصلين». ومجتمعات أهل الكتاب كلها هذا شأنها.
خلا تقرير للدكتور الرداعي الأخير 31/8/2006 من اية اشارة إلى أن ايران تعد العدة لانتاج سلاح نووي وردد هذا الكلام متحدث رسمي من الهيئة. ورغم ذلك صرح بوش الرئيس الصليبي المقاتل، بأن التقرير يعزز القلق عند من يخشون انتاج ايران للسلاح النووي، وهذه إعادة للحديث الكاذب عن اسلحة الدمار الشامل قبل اعادة استعمار العراق.
(1) التصريح الذي تردد كثيراً عن إزالة اسرائيل من الخريطة تم إخراجه بالطريقة نفسها التي أُخرج بها تصريح للراحل أحمد الشقيري، أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، فعندما سئل في سياق حديث طويل عن مصير اليهود في دولة اسرائيل قال: «فليعودوا بالبحر إلى أوطانهم». وظهرت الجملة: «فلنقذف بهم إلى البحر». وكان ولا يزال متعذراً تصحيح هذا الخطأ العمد الخبيث. فاربع وكالات للأنباء تحتكر نحو 80٪_ من الاخبار امريكية، وقد رفضت أمريكا في مؤتمرات اليونسكو أي محاولة لتغيير هذا الوضع ولو بصورة جزئية، وقاطعت اليونسكو لسنوات، ماليا وتنظيمياً، حتى عادت بشروطها.
حديث نجاد -بُحث ونشر وكُرر آلاف المرات بعد تحريفه- مُفاده الحقيقي ان اقامة دولة اسرائيل خطأ جسيم قامت به الأمم المتحدة تحت ضغوط دولية امريكية في المقام الأول. وهذا خطأ يجب ألا يستمر، لأن حرمان شعب فلسطين من وطنه جريمة جسيمة. ويرى نجاد أن حل القضية لا يمكن إلا بإجراء استفتاء في فلسطين التاريخية يشارك فيه المسلمون واليهود والمسيحيون لتقرير مصيرهم ومصير الأرض الفلسطينية. كل هذه الآراء حذفت بمقص الرقيب، ولم يسمع عنها شيئاً إلا من يتابع السياسة الدولية في نطاق غير الصحف اليومية، ونشرات الأخبار الفضائية. وكان من حسن حظي أنني تابعت بالمصادفة برنامجاً سياسياً تحليلياً لعدد من علماء السياسة اتسم بالرصانة العلمية في التلفزيون الروسي في قناة «الثقافة» المتخصصة في الثقافة الرفيعة ويخلو بثها من الاعلانات. فإذا بي اسمع ما أوجزته في السطور السابقة. وقد ساعد على ترويج وترسيخ صورة السياسي الذي يريد محو اسرائيل من الخريطة اسلوب نجاد الخطابي الديماجوجي، لأن المقصود بالمحو هنا ظهور اسم جديد على الخريطة بعد الاستفتاء. قد يقول بعضنا هذا مشروع خيالي.. ولكن على المدى البعيد يمكن ان يصبح الخيال واقعاً. والخيال جزء من العلم والسياسة ايضاً. ألم نسمع من قبل عن دولة علمانية في فلسطين من «فتح»؟ و الحديث يجري منذ سنوات عن دولة ثنائية القومية. وفي تاريخ الحركة الصهيونية آراء كثيرة تقترب من هذه الصورة. وليس هنا موضع الحديث فيها، ولا بد من العودة إليها في مناسبة قادمة.
(2) اقترح علماء امريكيون على الرئيس ترومان أن يطلب من اليابان إرسال وفد من علمائها ليشاهدوا تفجيراً نووياً، حتى يعودوا ويقنعوا حكومتهم بأن استمرار الحرب لا معنى له، ولكنه رفض لأنه كان يريد ان يقلل عدد الجنود والضباط الذين سيموتون في الحرب، كما أنه أراد تهديد روسيا الحليفة. وهذه قصة مشهورة ومعروفة. قال أوبنهايمر، وهو العالم المشرف على مشروع مانهاتن الذري في سنوات الحرب، بعد ان شاهد الانفجار تقيأ، رداً على سؤال وجه: إليه ماذا عملت بعد مشاهدة التفجير النووي؟ وكتب كتابه المشهور عن القنبلة الذرية «أقوى من ألف شمس» والاسم منقول من كتاب هندي قديم.
إيران تقاوم جنون القوة الامريكي
2006-09-14