أمريكا مع حوار صادق وانتخابات نزيهة
كلينتون: المخاطر المحدقة باليمن تتجاوز القاعدة
الحاكم يشن هجوماً لاذعاً ضد المعارضة إثر اللقاء الذي جرى في السفارة الأمريكية.. والآنسي ينفي صحة التباحث حول إيجاد بديل للرئيس صالح
*نشوان العثماني
الثلاثاء الماضي، ال11 من يناير الجاري، وصلت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى العاصمة صنعاء، في زيارة خاطفة ومفاجئة لليمن، استمرت لساعات، متزامنة مع زيارة الرئيس التركي عبدالله غول، الذي يعد أول رئيس تركي يزور اليمن.
زيارة كلينتون، التي جاءت لليمن في إطار زيارة لها شملت الإمارات وعمان وقطر، كانت أثارت عددا من التكهنات، ومعها دب دابر الخلاف بين الفرقاء السياسيين اليمنيين على نحو أكبر، ظاهريا على الأقل. وفي حين كانت كلينتون التقت بالرئيس علي عبدالله صالح، حرصت على أن تلتقي بالمعارضة اليمنية الممثلة بتكتل اللقاء المشترك، في مقر السفارة الأمريكية.
وفي لقائها بالرئيس صالح، نقلت مصادر رسمية أن الوزيرة الأمريكية، ناقشت التعاون اليمني الأمريكي في المجال الاقتصادي والتنموي ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى القرصنة ودعم مسيرة الديمقراطية في اليمن، في حين كانت كلينتون سلمت الرئيس صالح رسالة خطية من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، تضمنت دعوته لزيارة واشنطن خلال الفترة القليلة القادمة.
كلينتون أكدت في لقائها مع الجانب الرسمي اليمني، بحسب مصادر رسمية، دعم الولايات المتحدة للوحدة اليمنية، إضافة إلى دعم اليمن في إطار مجموعة أصدقاء اليمن، وتبني إيجاد صندوق إنمائي لدعم اليمن والعمل على إنجاح الاجتماع القادم لمجموعة أصدقاء اليمن المقرر انعقاده مارس المقبل بالرياض، وكذا دعم الأولويات ال10 للحكومة اليمنية الخاصة بمسارات التنمية والبناء.
وقالت الوزيرة الأمريكية إن الولايات المتحدة واليمن تواجهان تهديداً مشتركاً من تنظيم القاعدة وتربطهما شراكة أبعد من القضايا الأمنية، لافتة إلى أن البلدين أمام تهديد مشترك يتمثل في القاعدة، مضيفة "شراكتنا تمتد لأبعد من مكافحة الإرهابـ".
وغير هذه المجالات، لم يتسرب للإعلام أي شيء آخر تباحثت فيه الوزيرة الأمريكية مع الجانب الرسمي، إلا أن لقاءها بالمعارضة في مبنى السفارة الأمريكية بصنعاء ولد ردودا عنيفة من قبل السلطة التي وصفت أحزاب المشترك بالعميلة للأمريكان.
وفي توقيت الزيارة المفاجئة لكلينتون، لم تكن من خلافات بارزة بين الفرقاء السياسيين غير الخلافات الدائرة حول الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها أبريل القادم، ومن ذلك كانت معلومات تحدثت عن أن كلينتون سوف تشرف على اتفاق بشأن الانتخابات بين الحزب الحاكم والمعارضة، إلا أنه لا توجد أية معلومات حول ما إذا كانت الوزيرة الأمريكية ساهمت في تخفيف حدة الخلافات بين الفرقاء بشأن الاستحقاق الدستوري أم لا.
تخطي جهود مكافحة الإرهاب
ولم تكتفِ كلينتون بلقاء الرئيس صالح، وقادة المعارضة فحسب، بل التقت بعدد من الصحفيين وممثلين عن منظمات المجتمع المدني في فندق موفنبيك.
وقالت كلينتون للمجتمع المدني إن بلادها ملتزمة بشراكة واسعة وشاملة مع اليمن، إلا أنها نوهت إلى أن هذه الشراكة ليست مقصورة على أن تكون مع الحكومة اليمنية فقط، وإنما أيضا مع الشعب اليمني، حد تعبيرها، مضيفة أن حكومتها تعمل مع منظمات المجتمع المدني لحل الاختلالات السياسية.
نغمة القاعدة التي تسعى السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية للتكثيف من استخدامها، كانت حاضرة في معظم أحاديث الوزيرة هيلاري التي قالت إنها "مدركة جيدا أن اليمن تواجه تحديات كبيرة، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة المتنامي في اليمن، الذي يمثل تهديدا لليمن ولكل بلدان العالم"، مضيفة "شراكتنا تتخطى جهود مكافحة الإرهاب. نحن لا نركز فقط على التهديدات على المدى القريب، بل أيضاً على المدى البعيد".
وجددت دعمها لمصفوفة الإصلاحات التي أعلنت عنها الحكومة اليمنية في ما أضحت تعرف بالأولويات ال10 للحكومة اليمنية، مشيرة إلى أن "الحكومة الأمريكية تسعى لأن تكون اليمن بلدا آمنا وديمقراطيا، ويكون المجتمع المدني فيه مجتمعا فاعلا كي يستطيع الأفراد أن يعبروا عن أفكارهم بطرق سلمية".
وبعيدا عن الإرهاب، قالت الوزيرة الأمريكية إن المخاطر المحدقة باليمن تتجاوز القاعدة، مشيرة إلى أن الجيل القادم في اليمن سيكون تواقا للتعليم والبحث عن فرص العمل والاستقرار.
رفع سقف المساعدة 3 مرات
وفي الوقت الذي قالت فيه كلينتون: "نحن نريد يمنا مزدهرا ومستقرا وديمقراطياً"، أشارت إلى أن واشنطن رفعت سقف مساعداتها لليمن 3 مرات عما كانت عليه من قبل.
وقالت: "علينا ألا ننسى أن الهدف هو إيجاد مجتمع تحترم فيه كرامة الإنسان، وحقوق الإنسان يجب أن تنبع أولا من داخل الأسرة وفي المجتمع، وعلينا تأييد حقوق الإنسان، وعلى وسائل الإعلام تغطية ذلكـ"، منوهة إلى أن كبح المجتمع المدني هو كبح للشعب بأكمله.
أمريكا تؤيد الحوار الوطني والإصلاح الانتخابي
كلينتون التي أكدت أن واشنطن تدعم، وبشدة، الحوار الوطني وإصلاح النظام الانتخابي والتوافق بين الأحزاب؛ من أجل انتخابات عادلة وشاملة، قالت إن الإدارة الأمريكية تؤيد بشدة مسار الحوار الوطني والإصلاح الانتخابي بما يؤسس لانتخابات حرة ونزيهة ومنصفة تحظى بمصداقية، وتمثل كل الأصوات المختلفة، بحيث يمكن لتلك الأصوات أن تسمع بشكل سلمي وعلني، حسب قولها.
كما تحدثت عن التزام الرئيس أوباما المطلق بإغلاق معتقل غوانتانامو، لافتة إلى أن هناك عددا من العراقيل والتعقيدات، مثنية على نجاح المملكة العربية السعودية في التعامل مع معتقليها في غوانتانامو.
شكوك حول بديل لصالح
وفي ما يتعلق باللقاء الذي جمعها بقادة المعارضة في السفارة الأمريكية، كانت معلومات تحدثت عن أن كلينتون حثت المعارضة على إيجاد بديل للرئيس صالح، إلا أن هذه المعلومات نفاها عبدالوهاب الآنسي -الأمين العام للتجمع اليمني للإصلاح، الذي أكد أن اللقاء كان منصباً على توضيح وجهة نظر المعارضة حول الأوضاع في اليمن بشكل عام، لكنه قال إن وزيرة الخارجية الأمريكية تحدثت في سياق حديثها عن فترة انتقالية دون أن تفصل في ذلك، حد تعبيره، مشيرا إلى أن هذا الموضوع سيتم التعرف على تفصيلاته من قبل المعارضة عن طريق السفارة الأمريكية، ولم يعط معلومات أكثر.
اللقاء الذي حضره أمناء عموم أحزاب اللقاء المشترك، باستثناء الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الدكتور ياسين سعيد نعمان، الذي مثّل حزبه الأمين المساعد أبو بكر باذيب، خرج في ضوئه مصدر رسمي ليقول: "يمنع منعا باتا دخول أي شخص إلى أي سفارة أو مقر بعثة أجنبية إلا أن يكون شخصا معروفا ولديه بطاقة هوية خاصة به وبتنسيق مسبق مع الأجهزة الأمنية المعنية ولما فيه سلامة الجميع وتحقيق المصلحة العامة"، مبررا ذلك بأنه يأتي في "إطار الاحتياطات الأمنية والإجراءات الاحترازية لمكافحة الإرهاب وضمان الأمن في السفارات ومقار البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية العاملة في البلاد".
وعوضا عن ذلك، هاجم رئيس دائرة الشباب بالحزب الحاكم عارف الزوكا، قادة المعارضة، داعيا إلى "محاكمة قيادات المشترك محاكمة عاجلة بسبب خيانتهم للوطن واستقوائهم بالخارج"، مضيفا: "هؤلاء خونة وعملاء للخارج".
وكان الزوكا يتحدث في مهرجان أقيم بالعاصمة صنعاء الأسبوع الفائت، بحضور الرئيس علي عبدالله صالح.
كراولي: ما قامت به كلينتون ليس أمراً غريباً
الاتهامات وردة الفعل من قبل السلطة على لقاء كلينتون بقادة المعارضة، لم يكن لها ما يبررها بحسب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون العامة فيليب كراولي.
وقال كراولي، في مؤتمر صحفي حول زيارة كلينتون إلى اليمن، إن كلينتون "تجتمع دوريا مع قيادات في المعارضة في مجموعة متنوعة من البلدان، ولذلك ما فعلته في اليمن ليس أمرا غريبا"، وفقا لما نقلته وكالات أنباء.
وشدد كراولي أنه "على اليمن تطوير نظام سياسي مفتوح بحيث يكون لكل عناصر المجتمع اليمني فرصة المشاركة بشكل كامل في الشؤون السياسية"، مضيفا أن الرسالة التي وجهتها الولايات المتحدة إلى الحكومة اليمنية في الاجتماعات مع الرئيس علي عبدالله صالح "ركزت على مكافحة الإرهاب وجهودنا المشتركة لمكافحة التشدد في اليمن الذي هو تهديد لليمن وتهديد لآخرين بما في ذلك الولايات المتحدة".
كما شدد كراولي على الحاجة إلى "إستراتيجية متعددة المسارات"، وقال: "الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي في اليمن هما في غاية الأهمية لمستقبله".
العطاس وقيادات أخرى: شعب الجنوب يرفض الانتخابات
وأثناء ما كانت هيلاري كلينتون في زيارة إلى صنعاء، الثلاثاء 11/1/2011، كان عدد من القادة الجنوبيين في المنفى قد وجهوا رسالة للوزيرة الأمريكية؛ بشأن القضية الجنوبية.
الرسالة التي ذيلت بأسماء كل من: حيدر أبو بكر العطاس، سليمان ناصر مسعود، صالح عبيد أحمد، عبدالله عبدالمجيد الأصنج، محمد علي أحمد، محمد أبو بكر بن عجرومة، عبدالرب علي محمد مصطفى، محمد عبدالرحمن العبادي، وعبدالله محمد باعبّاد، خاطبت كلينتون، بالقول: "إننا ننظر بتقدير كبير لجهود الولايات المتحدة الأمريكية لممارسة الضغط، خلال زيارتكم لصنعاء، بشأن هذه القضية الملحّة، وبذات الروح التي عبّر عنها موقف الولايات المتحدة في التصريح الصادر من وزارة الخارجية الأمريكية في ال17 من يونيو 1994، والذي أكد على "معارضة الولايات المتحدة الأمريكية لفرض الوحدة بالقوة"، وكذا لاتخاذ المبادرة بدعوة الطرفين إلى طاولة المفاوضات من أجل الوصول إلى حل سلمي مقبول يلبي تطلعات شعب الجنوبـ".
وأضاف القادة الجنوبيون في رسالتهم: "إننا نؤمن بأن تحقيق بناء شراكة بعيدة المدى من أجل التنمية ومن أجل الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي، هو أمر يمكن معالجته بشكل فعّال من خلال حوار شامل وبتمثيل متساوٍ للجنوب والشمال، يشمل كل القوى السياسية والاجتماعية، ومن خلال آلية يتم الاتفاق على إنشائها بمشاركة ودعم إقليمي ودولي"، مشيرين إلى "أن شعب الجنوب وحراكه السلمي يتطلعون قدما إلى المستقبل وإلى بناء علاقات تعاون وتفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية بما يحقق المصالح المتبادلة".
وتطرقت الرسالة إلى "ما يتعرض له شعب الجنوب من إجراءات تهميش وتمييز منهجية، ومن إجراءات قمعية وحشية منذ شن نظام الرئيس علي عبدالله صالح الحرب الشاملة عام 1994، والتي استهدفت اجتياح الجنوب والسيطرة عليه وعلى موارده، وهي الحرب التي أنهت الوحدة السلمية التي أعلنت بين دولة الجنوب وبين الجمهورية العربية اليمنية في الشمال، وحولت شعب الجنوب من شريك إلى شعب خاضع ل(...) عسكري".
وبحسب الرسالة، فإن "التعديلات الدستورية وكذا الانتخابات البرلمانية المقررة في شهر أبريل القادم، تم وضعها لتلبي ولتحقق هدفا واحدا ألا وهو تمكين الرئيس علي عبدالله صالح من الاستمرار في تسيّد المشهد السياسي، ومن أجل دوام سيطرته واستئثاره الشخصي بالسلطة".
القادة الجنوبيون قالوا للوزيرة الأمريكية "إن شعب الجنوب على قناعة تامة من أن الانتخابات البرلمانية القادمة لا تمثل شيئا بالنسبة له ولا لتطلعاته، بل إنها ستعمق الوضع الذي يعاني منه ويرفضه بقوة"، كما أن شعب الجنوب، حد تعبيرهم، يدرك أن نظام صنعاء يهدف لاستغلال هذه الانتخابات من أجل الادّعاء ولتزييف مشروعية هي غير قائمة في الأصل من أجل استمرار (...) للجنوب، مشددين على أن "شعب الجنوب يعارض ويرفض هذه المخططات الشريرة التي تتجاهل مطالبه المشروعة وحقه في تقرير المصير".
وطالبوا بـ"اعتراف نظام الرئيس علي عبدالله صالح بالقضية الجنوبية وقبوله بإجراء مفاوضات سياسية فورية مع قادة الحراك السلمي الجنوبي، تحت رعاية إقليمية ودولية"، مشيرين إلى أن ذلك "سيكون خطوة أساسية لابد من تحقيقها أولا حتى يمكن الاتجاه لمعالجة المسائل الخطيرة الأخرى.
كلينتون تصب جام غضبها على فساد الحكومات العربية
ولاحقا، بعيد زيارتها لليمن وعدد من دول الإقليم المجاور، وجهت كلينتون، من الدوحة، انتقادات لاذعة للحكومات العربية، مشيرة إلى أن دولها تواجه خطر الغرق في عاصفة الاضطرابات والتطرف ما لم تعمد إلى تحرير أنظمتها السياسية واستقرار اقتصادات دولها.
وكالات الأنباء أشارت إلى أن ملاحظات الوزيرة هيلاري عن الحكومات العربية، كانت قوية هذه المرة، ويشوبها الإحباط من أن رسالة إدارة أوباما إلى العالم العربي لم تلق آذانا صاغية.
وقالت الوزيرة الأمريكية بوجه جامد الملامح أمام عدد من الوزراء الأجانب ورجال الأعمال والمنظمات الحقوقية، طبقا لوكالات أنباء: "إن مؤسسات المنطقة تغرق في الرمال في كثير من الأماكن وبأشكال متعددة، وإن الشرق الأوسط الجديد والديناميكي الذي تراه يجب أن يتعزز على أسس أصلب ويتجذر وينمو في كل أنحاء المنطقة".
هذه التصريحات أتت في ختام جولة خليجية لـ"كلينتون" استمرت 4 أيام حملتها من الإمارات إلى اليمن، ومن ثم إلى سلطنة عمان، قبل أن تنهي جولتها في قطر.
وقالت: "الذين يتمسكون بالوضع الراهن كما هو قد يتمكنون من الصمود أمام مشكلات بلدانهم لفترة قصيرة، ولكن ليس للأبد. وإن آخرين سيملؤون الفراغ إذا فشل القادة في إعطاء رؤية إيجابية للشباب وسبل حقيقية للمشاركة، فالعناصر المتطرفة والمجموعات الإرهابية والجهات الأخرى التي تتغذى من الفقر واليأس، موجودة على الأرض وتنافس على النفوذ"، صابة جام غضبها على الفساد الذي قالت إنه يعمل على تآكل الاقتصادات العربية، ويجعل الحياة مستحيلة بالنسبة للأجانب أصحاب الشركات في الدول العربية.
وأضافت: "من أجل الحصول على ترخيص، لا بد لك من دفع رشوة إلى الكثير من الأفراد، وعند العمل ينبغي عليك دفع رشوة أيضا، ولكي يستمر عملك لا بد من رشوة الأفراد أيضا. ومحاولة تصدير بضائعك لا بد من أن ترشو البعض، ومن ثم فعندما ترشو الجميع لن تكون هناك شركة مربحة".
وتعد زيارة كلينتون لليمن الأولى لوزير خارجية أمريكي منذ الزيارة التي قام بها، العام 1990، جيمس بيكر -وزير الخارجية في حكومة الرئيس جورج بوش الأب حينها، فيما كان ويليام روجرز -وزير الخارجية الأمريكي في حكومة الرئيس ريتشارد نيكسون، زار اليمن الشمالي في 1972.
أمريكا مع حوار صادق وانتخابات نزيهة
2011-01-17