هل عرفت المعارضة أخيرا كيف تبطل مفعول أخطر أساليب الرئيس؟
مباغتة الرئيس في حصنه المنيع
*عبدالعالم بجاش
غالباً العسكر هم جزء كبير من المشكلة، جزء مهم من الحل.. ثبت هذا في عهد الإمام.. عسكر الإمام كانوا مشكلة الشعب وعائقاً أمام التغيير.. كان لدى الإمام جيش متقدم مقارنة بدول مجاورة كالمملكة العربية السعودية. كان لديه اهتمام بجيش قوي حديث، حتى إنه كانت لديه 40 طائرة عسكرية لم تستخدم، اكتفى الإمام برصها في مطار ترابي بصنعاء.. يرى الدكتور خالد الصوفي الأستاذ بكلية الإعلام جامعة صنعاء، وأحد أبرز الباحثين في تاريخ الثورة، أن الإمام لم يكن مطمئنا لابتعاث يمنيين لدراسة الطيران في الخارج، والعودة لاستخدام الطائرات تلك، حتى لا تصبح في يوم ما مصدر تهديد وتستخدم للإطاحة به.
عندما تبلور مشروع الثورة تضمن إيجاد فرصة في المشكلة.. مخططو الثورة، وكان من أبرزهم قادة عسكريون في جيش الإمام مقربون منه، قرروا استقطاب قيادات من داخل جيش الإمام نفسه، من هنا دخل عبدالله السلال الى تاريخ الثورة وآخرون.
قبل سبتمبر 1962، كانت هناك محاولات من داخل جيش الإمام لم تنجح.. واعتبرت محاولات شخصية في الغالب.. حتى محاولة اغتيال الإمام أحمد في مستشفى بالحديدة، نفذها 3 من داخل الجيش، وهناك جدل حول أن أحدهم كان جاسوساً للإمام، وهناك أيضا رواية تقول إن الدافع كان انتقاما من الإمام لقطع رواتبهم.
ثورة سبتمبر كانت مخططة بشكل جيد، سنوات من العمل السري المنظم لبناء كيان ثوري وطني قوي برعاية مصر عبدالناصر.. حلم بجمهورية تتسع لجميع اليمنيين مواطنين وليسوا رعايا مرهونين بحكم إمامي وراثي مستبد.. طليعة من الثوار القادة؛ مدنيين وعسكريين، اشتركوا في رسم الحلم اليمني، وترجمته على الأرض.
أثبتت ثورة سبتمبر أن المشاعر الثورية ضد الاستبداد تتواجد بقوة أيضا داخل الجيش ولدى قادة عسكريين أكثر قربا من رأس النظام، الجيش الذي يبدو المشكلة كونه وسيلة الحاكم لكبت شعبه، هو نفسه المتضمن جزءا مهما من الحل وفرصة للتغيير.
بينما كان الإمام أحمد يعيش سنواته الأخيرة في الحكم، كان الدافع الثوري منتشرا حتى وسط عسكره، وإلى أقرب مساعديه.. قائد طائرة الإمام عرض مبادرة فدائية على أحد قادة الثورة السقوط بالطائرة للخلاص من الإمام.. لم يبدوُ خيارا صائبا، فالإمام كانت له مقصورته في طائرته، كما كانت طائرة للركاب، إذ كان الإمام يفضل كسب بعض المال بإتاحة طائرته للمسافرين مقابل مبلغ من المال.
العسكرة صبغت الحياة اليمنية طوال مراحل كثيرة، مخطط الثورة الذي تم تصميمه بإشراف خبرات عسكرية مصرية، وكانت القاهرة الحاضن الكبير للمشروع، تضمن كثيراً من التفاصيل وصولا الى ساعة الصفر.
ضمن المخطط كان الاستيلاء على الإذاعة في صنعاء وإعلان بيان قيام الثورة وأسماء مجلس قيادة الثورة الوليدة مؤلف من 16 اسما، نصفهم مدنيون والنصف الآخر عسكريون.
صبيحة يوم ال26 من سبتمبر 1962، الرجل الذي أوكل بذلك الدور، قام بالأمر إنما على طريقته؛ قرأ بيان الثورة وأعلن أسماء العسكريين ال6 فقط مجلس قيادة الثورة. بدءا من تلك اللحظة؛ الثورة ذات المنشأ المدني، تأثرت وتلطخت بعد ذلك جراء كثير من التصرفات الفردية والدخلاء، والعسكرة التي صبغت عقول الكثيرين حتى خارج المؤسسة العسكرية.
من داخل الجيش تكون المشكلة الكبيرة في مرحلة، وفي مرحلة أخرى تبرز فرصة من داخل الجيش نفسه، ثم يعود الجيش ليكون مشكلة.
واليوم تقول المعارضة إن الرئيس صالح والحزب الحاكم في طريقهم لإجراء انتخابات مزورة مسبقا باستخدام الجيش وموارد البلاد.. وبالرغم من ظهور مؤشر على احتمال تراجع المؤتمر الحاكم عن التعديلات الدستورية، وتأجيل الانتخابات، فإن الجيش يبقى نقطة خلاف الفارق بين الحاكم والمعارضة.. تعاني المعارضة من استعداء الجيش ضدها، وتريد تحييد المؤسسة العسكرية.
وأخيرا: القيادي المعارض وأمين عام اللجنة التحضيرية للحوار الوطني حميد الأحمر، قال في آخر مقابلة معه على شاشة "سهيلـ"، إن الجيش الذي يستخدمه رأس النظام في تنفيذ رغباته والبقاء في الحكم والتخطيط للتوريث، هو نفسه الذي يسنتفض في يوم ما ويطيح بهذا النظام.
يمكن لخطاب كهذا أن يلقى آذانا صاغية داخل مؤسسة الجيش، فالحقيقة المؤسفة أن معظم أفراد المؤسسة العسكرية يعيشون أوضاعا مزرية، والذين يسقطون في المعارك لا تلقى عائلاتهم أي تكريم أو عزاء ملموس يؤمّن لهم حياة كريمة.
وأيضا قال الأحمر إن الرئيس صالح ونظامه يستخدم الجنود وقودا لمعاركة من دون أن يؤمّن لأفراد الجيش رواتب توفر لهم وعائلاتهم حياة كريمة.. اذا استمر العمل على هذا الوتر إعلاميا قد يهيئ ذلك فرصة داخل الجيش يمكن استغلالها، لتحويل نقطة قوة الرئيس ونظامه في الصراع الى نقطة ضعفه القاتلة.
قد يبدو الأمر بعيدا وليس كما يصوره الأحمر عن زوال نظام صالح على يد الجيش، لكن بخطاب إعلامي معارض وذكي مثل هذا يمكن تغذية مشاعر غضب داخل الجيش تهيئةً لنزعات تمرد من الممكن جدا ظهورها في مراحل قادمة من أوساط الجنود الذين يشكلون أغلبية كاسحة في المؤسسة العسكرية، ويعانون وضعاً معيشياً أسوأ من غيرهم، ومخاطر أكبر تتهدد حياتهم.
حتى بافتراض تمتع الرئيس صالح بحب كبير وولاء عميق وسط الجيش والمؤسسة العسكرية، لن يصمد خطابه العاطفي لعناصر وأفراد جيشه طويلا عند النقطة نفسها: إنهم حزب الأحزاب، وصمام أمان الوطن والثورة والوحدة، خاصة اذا تبنت المعارضة بشكل منتظم خطاباً ودودا موجهاً لأفراد القوات المسلحة والأمن، ينتقد اهتمام نظام صالح برفاهية كبار القادة في الجيش والأمن فقط، على حساب الضباط وضباط الصف والجنود الذين يضحون ويقومون بمجمل العمل ولا ينالون سوى الفتات.
ولتضارب المصالح أثره حتى بين كبار القادة العسكريين، وفي الغالب لن يكون الولاء الأعمى موقف جميع القادة العسكريين، على النقيض فصيل منهم قد تكون لديهم مواقف مضمرة ونوايا لم تجد فرصة، والقاعدة الكبيرة في الجيش ستظل بيئة مؤهلة لتمردات محتملة للأسباب نفسها، وأهمها: رداءة ظروف المعيشة لأغلبية أفراد الجيش، واستمرار وضع حياة المزيد من الجنود على محك الحروب، وارتفاع تعداد الضحايا (3000 جندي ضحايا حرب صعدة).
كما أن حرب صعدة طوال جولاتها، أشاعت على مستوى الجيش كله سمعة مريرة، حيث يتحدث الجنود ويتداولون أكثر من الكل حكايا مؤلمة عن مصير زملاء لهم تعرضوا للقتل غدرا أو تم التخلي عنهم وسط المعركة..
هناك العشرات من الجنود تركوا الجيش بعد تجارب مريرة عايشوها في حرب صعدة، اكتشفوا من خلالها أنهم وقود تتم التضحية بحياتهم في صراع مزدوج داخل قوى متصارعة داخل المنظومة العسكرية نفسها من جهة، ومن جهة أخرى ضحايا صفقات تتم مع جماعة الحوثي..
لقد شهد جنود كثيرون مواقف مدهشة دمرت المبدأ الذي كان يدفعهم للقتال ببسالة، وهم اليوم حكاية حزينة عن الحرب غير الأخلاقية يروون بمرارة أوامر بالانسحاب وأوامر لترك الأسلحة وأوامر أخرى من قادتهم وصلت في ذروة معارك كثيرة لتنقذ العدو فقط.. فقد جنود كثيرون إيمانهم بالقضية التي يحاربون من أجلها، ومات كثيرون نتيجة أخطاء قادتهم البعيدين عن ساحات المعارك، من كانت لهم حروب خاصة يديرونها ضد بعضهم بعضا في غمار الحرب الكبيرة، والله وحده يعلم كم من المرات التي قام فيها قادة الجيش المتصارعون داخليا بالتحالف مع العدو أو مع الشيطان، وكم من الجنود قتلوا نتيجة تلك التصرفات.
يعاني الجيش بصمت حتى اليوم، ومعاناته أكبر مما تبدو، فيما الرئيس صالح وأركان نظامه العسكري لا يبالون لغير اكتساب الثروات ونيل مكافآت النظام في مقابل إحكامهم السيطرة على الضباط والجنود تحت إمرتهم، وإبقائهم متماسكين في خدمة النظام.. وإلى ذلك، سيجد معارضو النظام الساعون لتغييره طرقاً وأساليب جيدة لمواجهته، وسيتمكنون من خطاب إعلامي يستهدف مركز قوة النظام، بحيث قد يصبح مع الوقت فعالا ومؤثرا ليبدأ المزيد من الجنود وعناصر الجيش والأمن، الإصغاء إليه.
يمكن لخطاب ودي من جانب المعارضة، يستهدف جنود وأفراد القوات المسلحة والأمن، وأفضل تفهما لمعاناتهم وإجلالا لتضحياتهم، ويدعو لتحسين ظروف معيشتهم، إزالة كثير من عداء المؤسسة العسكرية للمعارضة، متراكم بفعل تعبئة مستمرة من قبل السلطة للجيش، تُظهر المعارضة على الدوام أعداء للوطن.
دأب الرئيس صالح شخصيا على ذلك، ومن عاداته القيام بزيارات إلى معسكرات، وإلقاء خطابات شديدة اللهجة، كلما زادت حدة الصراع بينه وبين معارضيه.. ترى المعارضة أن الرئيس لا يفتأ يحرض الجيش ضدها، وهذا من أخطر أساليبه.. في مواجهة هذا لم تفعل المعارضة الكثير، إنها تشكو من تحريض الجيش وتعبئته ضدها، وكان الاتجاه السائد في خطاب المعارضة حتى اليوم توجيه انتقاد راسخ لنظام صالح يتهمه بإساءة استغلال الجيش واستخدامه لحماية استحواذه على السلطة، والتصرف على هواه بموارد البلاد دون رادع ولا رقيب.
بالنسبة لحميد الأحمر ربما يعرف ما يفعل حين يتوعد النظام بالزوال على يد جماهير الشعب، وفي طليعتهم عناصر الجيش. هو بدأ اتجاها جديدا في الخطاب المعارض يستهدف أفراد القوات المسلحة والأمن، عدا أنه لم يصبح خطابا رسميا للمعارضة بعد.. أن يصبح كذلك معناه أن المعارضة عرفت أخيرا كيف ترد على الأسلوب التاريخي للرئيس صالح في تحريض واستعداء المؤسسة العسكرية ضدها، ما يجعل حياة قادتها في خطر دائم.. يتبقى فقط قدرة قادة المعارضة، ومنهم حميد الأحمر، على إيصال صوت الخطاب الجديد الى أوسع شريحة ممكنة داخل المؤسسة العسكرية، حينئذ يمكن توقع نتائج مُرضية للمعارضة، ليس بالضرورة إبطال مفعول أسلوب صالح كليا، فالحد منه أمر مقبول.
بينما تتيح ظروف البلاد، ومنها أوضاع الجيش، فرصة سانحة لمعارضي النظام أمثال حميد الأحمر، لمباغتة الرئيس صالح ونظامه في معقله المنيع: الجيش، ومنافسته من خلال خطاب جديد ينفذ الى داخل المؤسسة العسكرية، بهدف كسب أو تغيير ولاء عناصرها وأفرادها الذين يشكلون الأكثرية، وتجمعهم معاناة من أوضاع تعسة، سينجو نجل الرئيس من أي آثار جانبية محتملة، ف أحمد علي عبدالله صالح لديه جيشه الخاص، وقد أمضى سنوات في تشكيله وتدليله، بحيث إنه يتمتع بحب وولاء ضباط وجنود الحرس الخاص على نحو لا يقبل التأثر وتغيير الولاء.
الحرس الجمهوري والقوات الخاصة هما بمثابة الجيش المدلل داخل الجيش الكبير المهمل.. عناصرهما ينعمون برفاهية جيدة -مقارنة بأفراد الجيش الآخرين- تجعل ولاءهم لنجل الرئيس مضمونا.
خارج دائرة الجيش المدلل الذي يقوده نجل الرئيس، يمتلك خطاب جديد كالذي بدأه الأحمر فرصة إحداث تأثير.
كان ذلك الشيء الجديد والجيد في خطاب حميد الأحمر، وما عداه كان كلاما للاستهلاك المحلي، وأقوالاً مجسمة كما لو يتم تلقينه مسبقا.
هل عرفت المعارضة أخيرا كيف تبطل مفعول أخطر أساليب الرئيس؟
2011-01-17