الحقيقة الكبرى لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وتحديات واقع الفساد المهمين
* ميفع عبدالرحمن
لن أشتم ولن أشمت، رغم أن الأمر أكثر سفاهة وصفاقة مما يمكن أن نتصور. أما الشماتة فأقل مما يستحق.
من جهتي، أتمنى فقط على الأستاذة هدى أبلان شخصياً، وبحكم انتسابها الوظيفي إلى مؤسسة رئاسة الجمهورية، أن تنفي الأمر عاجلاً، نفياً علنياً، صريحاً وقاطعاً لا يقبل أي لبس أو تأويل بربما ولعل وعسى. إذ تسرب أمر (استدعائها!) من موظف أعلى مرتبة في المؤسسة نفسها. بدا معها الموظف (عالي المقام) في منتهى الأريحية وحسن النية -بل حتى الشفقة والحدب- إزاء اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، حد مسارعة ذلك الموظف السامي للإحسان إلى الاتحاد بقائمة من 11 اسماً أملاها قداسته على الأستاذة أبلان، مانحاً إياها بركات اجتبائها وسيطاً رسولياً إلى المجلس التنفيذي للاتحاد، كي (ينتخب!) القائمة المُنزلة من قداسته لعضوية الأمانة العامة.. وما كان ينقص قداسته إلا أن يضع اسمه (المتلألئ في الأعالي) على رأس قائمته، ويختمها -بالأمر نفسه- لاختياره رئيساً مزكى للاتحاد حتى يشيب الغراب ويفنى التراب، لولا ترفع قداسته على السفاسف أو صغائر المهمات.
واضح أن قداسة عالي المقام السامي -اللذيذ والرائق جداً (أكثر من المشروب "سيفن أبـ")، وجد نفسه -هو الآخر- يعاني -فجأة- من ملل الفراغ وكآبته.. فقرر أنه لن يتخلص من حالة الملل والكآبة إلا إذا شغل فراغه بموضوع (انتخاب!) الأمانة العامة التي باتت تؤرق المجلس التنفيذي والاتحاد والبلاد كلها منذ 28 مايو الفارط. لاسيما وأن وصفة التدخل في انتخابات الاتحاد قد سبق لغيره تعاطيها علاجاً ناجعاً من حالة مشابهة من ملل الفراغ -الفجائي- وكآبته. لكن في بَريّة العرّافين بحزب الحاكم -هذه المرة- حيث شغل واحد منهم فراغه بموضوع (انتخاب!) المجلس التنفيذي، آخر أيام وأعمال المؤتمر العام العاشر (مؤتمر الفقيد الدكتور عبدالرحمن عبدالله إبراهيم) للاتحاد (عدن: 24 - 27 مايو 2010)، فأعد ذلك العرَّاف البري المكتئب، قائمة المؤتمر الشعبي العام (في حسبان عراف الحاكم العسكري أن كل ما تدخل عليه لفظة "تنفيذي"، هو من أملاك الحاكم. ولا مفر من بسط نفوذ الحكم عليه، ولو بقوة "الفيد").
وبعد إعداده القائمة المغلقة، طار العرّاف -وما عاد مكتئباً- من صنعاء إلى عدن. جمع أول ما جمع (المؤتَمَرَين) معاً: المؤتمر العام العاشر للاتحاد والمؤتمر الشعبي العام، ليخرج بمؤتمر واحد لا ثاني له، هو (المؤتمر الشعبي العام العاشر لاتحاد الحاكم بالأدباء والكتاب اليمنيين). ثم جَمَع العرّاف -المُزهزه الآن- مَن جَمَع من الأدباء والكتاب أعضاء المؤتمرَين: العام العاشر للاتحاد والشعبي العام، جامعاً تحت أيديهم -بمهارة سحرية يندر نظيرها دولياً- بين (السحت والمصحف)، أي بين المال السياسي والنفاق الديني! (يا له من تأهيل حزبي مخيف!) تحت الشعار الطازج تماماً من فرن الفساد الحاكم، القائل: خذ واحلف! خذ النقود واحلف أن تتخلى عن ضميرك! استلم واستسلم! لكن الزملاء الشرفاء كانوا قد أقسموا في سرهم وبين يدي الذي "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور"، ألا يتخلوا عن ضمائرهم، وقد أخذوا النقود لحاجتهم الماسة إليها، تحت وطأة نظام الفساد الحاكم الذي -كما أفقر ملايين اليمنيين- فرض على الأدباء حياة الفاقة والكفاف والعوز، وهم مبدعون لامعون ليس على المستوى المحلي فحسب، إنما كذلك على المستويين العربي والعالمي. (تفاوتت أقوال الزملاء الأعزاء عن المبالغ التي استلموها بتفاوت المبالغ نفسها، بين 20 ألفاً و50 ألف ريال).
هكذا، لأن المبدع الحقيقي يستحيل عليه نسيان ضميره، فكيف بالتخلي عنه حتى للحظة خاطفة من الزمن! وهو بالمقابل سرعان ما ينسى النقود التي قبضها أو صرفها. هكذا كانت حصيلة انتخاب المجلس التنفيذي بتلك الصورة الرائعة والمدهشة من التوازن: إبداعياً، فكرياً، سياسياً، حزبياً، جغرافياً، وحتى عمرياً ومجايلة، لتحضر ألوان الطيف اليمني كلها، والتي يزدهي بها الاتحاد في صورة مجلسه التنفيذي المنتخب -عن حق- مؤخراً، وبالتزامن الفذ مع العام ال40 على تأسيس الاتحاد.
ثمة حقيقة موضوعية وتاريخية كبرى، لاشك يعيها أقطاب الفساد الحاكم. تلك هي حقيقة أن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين جاء إلى الحياة الأدبية والثقافية والسياسية المعاصرة والحديثة في اليمن، يوم 11 مايو 1970، ليس وحدوياً وحسب، بل موحداً أيضاً، وقبل 20 حولاً كاملة من إعلان جمهورية 22 مايو 1990 للوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية -في الجنوب- والجمهورية العربية اليمنية -في الشمال- (هل هذه وحدة وطنية؟! هل هي مجرد وحدة بلا هوية؟!).
هذه الحقيقة، لا تبدو معها مواقف وممارسات النافذين في صنعاء -الفساد الحاكم، حيال الاتحاد، إلا تجسيداً للتعبير المباشر، الحاد والحدي عن الشعور القاتل بالمقت تجاه الاتحاد والرغبة في تصفيته وجودياً. إذ لم يعد خافياً ولا خافتاً لسان حال الفساد الحاكم -وسلطته وقيادته الحزبية النافذة- بالقول: "إما أنا وإما اتحاد الأدباء". آخر مشعل للوحدة اليمنية يعجز النافذون في صنعاء عن إطفائه. بورك مشعلاً، له المجد.
وإلا لماذا كل متوالية المحاولات المستميتة، والتي لا تنتهي، من جانب أولئك النافذين/ الأقفال لإفساد الاتحاد بكافة الطرق والأساليب والوسائل التي يظهر (سيف المعز وذهبه) على رأسها بوضوح شديد؟!
ولماذا التدخل -أصلاً- في شؤون الاتحاد؟! ناهيك عن أنواع التدخل السافر، الفظ، الفج، السفيه، الصفيق والمشبوه!
ولماذا اللهاث المسعور دساً ووقيعة وبثاً لسموم الخلاف والشقاق والفتنة بين أعضاء الاتحاد، بالإصرار على تقسيمهم داخل هيئات الاتحاد دون استثناء، إلى موالين، من جهة عليهم أن يكونوا تابعين، إمعات –شاؤوا أم أبوا- ولا يعدون أن يكونوا إلا قاصرين -في أفضل الأحوال- ليس لهم أي نصيب من حق الاختيار وإرادة القرار في شؤون اتحادهم، ما لم يكونوا أغبياء خِلقة أو مصابين بداء المنغولي -في نظر النافذين. ومن جهة ثانية، كل الآخرين الذين لا ينتمون إلى المؤتمر الشعبي العام، هؤلاء الآخرون جميعاً: معارضون، متشددون، ومعادون خونة للثورة والجمهورية والوحدة و... المخضرية والهلامية والزئبقية والفهلستية، وهم لا محل لهم إلا تحت أظافر الفساد الحاكم، أو بين أنيابه وأضراسه؟!
إذن! في مضمار هذه الكلبية المتوحشة، تأتي المحاولة الجديدة لفرض أمانة عامة مغلقة على بعض الزملاء في المجلس التنفيذي من أعضاء المؤتمر الشعبي العام، بمثابة مؤشر شديد اللزوجة على أن أولئك النافذين/ الأقفال اتخذوا قرارهم النهائي -بشأن الاتحاد- في أن إفساده، وبالتالي تصفيته لا يمكن أن يتما إلا من داخله، بهيمنتهم عليه، وعبر الاستئثار بالهيئة القيادية للاتحاد، بأسماء زملاء بعينهم، وتحت مظلة المؤتمر الشعبي العام، وإقصاء كل ألوان الطيف الأخرى عن تلك الهيئة. لأن أولئك النافذين لا يروقهم أكل الثوم إلا بأفواه الآخرين.. وحبذا أن يكونوا ساذجين! غير أن المؤتمريين الشعبيين الشرفاء من زملائنا الأدباء والكتاب، يأبون أن يكونوا أداة لتصفية اتحادهم، كما عبروا عن ذلك في موقفين هامين، قبيل وفور اختتام أعمال المؤتمر العام العاشر:
أولاً: عند انتخاب المجلس التنفيذي، وقد جرى خرق القائمة الحزبية المغلقة بأسماء عديد من الزملاء الآخرين.
ثانياً: عند انعقاد الجلسة الأولى للمجلس، برفض فكرة إغلاق الأمانة العامة على زملاء من المؤتمر الشعبي العام فقط، مع التأكيد -جماعياً- على ضرورة التوافق وقيمته المعنوية الكبيرة بين الأدباء، من أجل الوصول إلى أمانة عامة تكون اسماً على مسمى، وجديرة بقيادة الاتحاد في هذا الظرف الحرج والدقيق جداً على الوطن اليمني ووحدته واستقراره.
كما جرى التأكيد كذلك على ألا يكون التوافق من أجل تمرير حيلة "امسك لي باقطع لي"، وإنما من أجل شراكة حقيقية في قيادة الاتحاد بين المؤتمر الشعبي العام (بإجمالي 15 عضواً من 31 في المجلس التنفيذي)، وبين ألوان الطيف الأخرى: المستقلين والاشتراكي والتجمع الوحدوي وغيرهم.. فالأدباء والكتاب اليمنيون حين ينفذون التوافق على الشراكة الحقيقية في ما بينم في قيادة اتحادهم، يضربون المثل بديمقراطيتهم، ويصنعون نموذجاً خاصاً رفيع الشأن في عيون الجميع على صعيد المجتمع المدني والدولة الحديثة، وبالقدر نفسه على الصعيد الوطني عموماً، في ما لا يزال السياسيون جميعاً عاجزين عن صنعه.
ختاماً.. فلنغنِّ مع محمود درويش ومارسيل خليفة، ولنهدِ غناءنا إلى الباهرين: ماجد سلطان زيد وعمرو الإرياني، هكذا:
"إني اخترتك يا وطني/ حباً وطواعيه
إني اخترتك يا وطني/ سرعاً وعلانيه
إني اخترتك يا وطني/ فليتنكر لي زمني
ما دمتَ ستذكرني/ يا وطني الرائع، يا وطني
دائمُ الخضرةِ يا قلبي/ وإن بان بعينيَّ الأسى
دائمُ الثورةِ يا قلبي/ وإن صارت صباحاتي مسا
جئتُ في زمنِ الجزرِ
جئت في عِزِّ التعبِ
رشاشَ عنفٍ وغضبِ"
عدن- 10 يونيو 2010
الحقيقة الكبرى لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وتحديات واقع الفساد المهمين
2010-06-14