لسنا مع الحوثي، ولن نكون في صفه أبدًا، فلسنا بحاجة لإمامة جديدة، ولا نحتاج لنسخة أخرى من عبدالله بن حمزة وأحمد بن سلمان وأمثالهما، ولا لنسخة جديدة ليحيى حميد الدين وابنه أحمد وأمثالهما، بل ولسنا بحاجة لغيرهم من سائر الأئمة!
ليس لدى اليمنيين خلاف مع الحوثيين بسبب عرقهم أو بسبب مذهبهم، وإنما لأنهم خلال كل السنوات التالية ليوم انقلابهم على الدولة، أثبتوا بجدارة أنهم أكثر خبثًا وأشد حقدًا على اليمن واليمنيين من أكثر الأئمة الحاقدين، بداية بالهادي الرسي، وانتهاءً بالإمام البدر محمد حميد الدين!
ولأنهم أثبتوا بسوءات أفعالهم بعد انقلابهم أن الإمامة التي كرهها اليمنيون كانت ارفق باليمنيين مما يلاقونه اليوم منهم، ومع ذلك فاليمنيون في غالبهم كرهوا ومازالوا يكرهون الإمامة حتى العظم، لا لشيء، إلا لأنها دمرت ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، وفعل الحوثيون في هذا الصدد أشد وأنكى من أفعال الإمامة على مر تاريخها كله!
أحرار اليمن ليسوا مع الحوثة، ليس لبشاعة فسادهم فقط، فمن سبقهم لم يكن خاليًا من الفساد، والمؤكد أن من سيأتي بعدهم لا ولن يكون منزهًا عن الفساد، وأقصى ما نبتغيه ممن يليهم أن يحجموا من وطأة الفساد ليس إلا "أما القضاء عليه تمامًا فمحال وكلام غير عملي"!
أغلب أبناء اليمن، وإن كانوا يعيشون في مناطق سيطرة الحوثي، إلا أنهم ليسوا معه، لأنهم يدركون أن العالم اليوم في عصر لا يقبل الناس فيه أن يُحكموا من قبل مستبد وصل إلى سدة الحكم بالغلبة عبر الاستقواء بالسلاح وأفعال العنف، ولا يعترف بصندوق الانتخابات كطريق أمثل للوصل إلى سدة الحكم، ولا يملك في الوقت نفسة ذرة من حياء تمنعه من أن يعلن للناس عبر أتباعه بكل صلف أنه أفضل منهم، لا لشيء، إلا لأنه -حسب زعمه- من نسل سلالة هي أفضل من نسل سلالتهم، وأنه سيد لهم، وهم له مجرد عبيد!
الغالب الأعم من سكان اليمن لا يقبلون بالحوثي حاكمًا عليهم، لأن اليمن برأيهم تحتاج إلى قيادة مدنية يمنية وطنية جديدة تؤمن بأن الوصول إلى مراكز قيادة البلاد يجب أن يتم عبر صناديق الاقتراع الحر المنزه عن التزوير، ويؤمن بمبدأ المساواة ووجوب أن تُحكَم البلاد في ظل مبدأ سيادة القانون، قيادة تتطلع بصدق لأن ترتقي باالمستوى الحياتي لكل أبناء المجتمع اليمني، وتعمل على تنمية وعيهم، وتتيح لهم فرص الاستزادة والتسلح بمفاهيم علمية ثقافية معرفية عصرية نظيفة وراقية لا تثير حروب عليّ ومعاوية، ولا مآسي يزيد والحسين، وإنما تُعلي من شأن حقوق الإنسان وحرياته وكرامته الشخصية، وتشجع على انتشار وتطوير العلم وأدواته الكفيلة بتعلم أبناء اليمن أرقى العلوم المختلفة بمفاهيمها العصرية التي تفيد البشرية في الطب والفيزياء والرياضيات والكيمياء وسائر العلوم الطبيعية والحيوية المختلفة والتكنولوجيا بشتى أنواعها وتخصصاتها، بعيدًا عن تلك العلوم والمفاهيم العتيقة التي لا جدوى منها غير إثارة الفرقة والفتن بين الناس، وتكريس العنصرية والمذهبية في أوساط أبناء المجتمع الواحد!
الحوثيون لا يملكون شيئًا يذكر غير الإفراط في العنف والتسلط والاستبداد، فليس لديهم رؤية حضارية نهضوية متقدمة أو حتى مجرد رؤية مقنعة للكيفية التي يديرون بها البلاد، بل لا يدرون أي نوع من الاقتصاد ينوون خلقه في البلاد عبر قيامهم بتبني الحروب ومنهجية النهب والجبايات والمغالاة وسد منافذ أرزاق الناس واحتكار الوظيفة العامة وأكل رواتب الموظفين، وإصدارهم قانون الربا المضاد لمصالح الناس، واتباعهم منهجية تبيح لهم المعاملات الربوية والتسريع بنقلهم لقانون أجنبي رديء الصيت سيئ السمعة دمروا به ومن خلاله القطاعات المصرفية والاقتصادية والمالية، وعطلوا وظائف البنوك، وحرموا بهذا القانون ما يقرب من مليون ونصف المليون من الأسر اليمنية "من دخلها الشهري من عوائد ودائعها لدى البنوك، وصادروا رؤوس أموالها وفوائدها ظلمًا وجورًا، ولم تتمكن تلك الأسر حتى من مجرد الحصول على أصل ودائعها، وأصبحت في عداد المعدمين والفقراء"!
المؤكد أن كبار قادة الحوثيين بالذات يهرولون بسرعة جنونية نحو البزنس والثراء السريع من خلال قيامهم بشراهة لفرض الجبايات المهولة وسلب ونهب الأموال الخاصة والعامة داخل وخارج إطار القانون!
يرفض أغلب اليمنيين نهج ومنهج الحوثيين، لأنهم -اليمنيين- تعلموا لعقود من الزمان أن السلطة المحترمة لا تمتطي صهوة الظلم والاستبداد لتقهر أبناء وطنها، وتجوعهم، وتسعى لإفقارهم، وتفتك بهم، ولا ترعى فيهم إلًّا ولا ذمة!
ولأن الحوثيين يهرولون بخطى متسارعة نحو تجهيل الناس، فاهتمامهم في التعليم في أحسن الأحوال يقتصر على مجرد تعليم الناس التعليم المذهبي الجارودي الذي يجذر السلالية والعنصرية، ويعلي من وجوب طاعة أحفاد فاطمة، بزعمهم أن أحفاد فاطمة هم أصحاب الحق من الله في الولاية العامة، ويتبنون نهجًا تعليميًا يزيح قيم المساواة والأخوة والمواطنة الصالحة، ويولي أهمية بالغة لمسألة الولاية والإمامة، وبيان من هم أصحابها، وأحكام شرعهم الطاغوتي في من يعارضهم، أما تعليم المرأة في عُرف الحوثة فهو مُصيبة أدهى وأمر، إذ إنه يجعل من المرأة وسيلة لإفساد الرجل وإفساد أبنائها، ويجعلها أنثى مربيةً لجنود صهاينة عاجزة عن أن تنتج أجيالًا عربية مسلمة!
هكذا هي نظرة ونظرية قرآنهم الناطق في تعليم الفتيات، المعلن عنها في ملازمه الشهيرة!
كثير من أبناء اليمن ليسوا مع الحوثيين، ولا مع نهجهم، ليس لأنهم حوثنوا الوظيفة العامة فحسب، بل لأنهم أيضًا هوشموا وصعدنوا المناصب العليا الحساسة والهامة في الدولة، وبالذات الإيرادية منها، وأهم ما يستهدفونه بكل هذا وذاك هو خلق وتجذير النزعات العصبوية في أوساط المجتمع اليمني، وتعميق الكراهية والحقد بين الناس بغية تدمير النسيج الاجتماعي كليةً. وبمنطق عنصري أيضًا يفاضلون دون خجل بين الموظفين في الحقوق والواجبات، ويعتبرون المطالبة بحق الرواتب نفاقًا وعمالةً لدول العدوان التي هم اليوم على وفاق معها، ويلتقون مع ممثليها في كل وقت وحين سرًا وعلانيةً، بكل حفاوة وبود مبالغ فيه!
عقلاء اليمن كلهم من الحوثيين وغيرهم يؤمنون أننا في ظل ثقافة ديمومة الجهاد بشقيه جهاد الظالمين في الداخل ضد النواصب والمعارضين، وجهاد المستكبرين في الخارج ضد اليهود والنصارى، ستظل اليمن في حالة حروب إلى ما لا نهاية، وأن اليمن بهكذا ثقافة ستكون بحاجة إلى عمر أطول من عمر نوح من أجل أن تبدأ في الوقوف على قدميها على أول درجة من درجات سلم رقي البشرية في العصر الراهن هذا إن...!
اليمنيون كلهم يدركون أن بين أولئك الذين في صف الحوثيين من الهاشميين المتعصبين ومن المنتفعين من غير الهاشميين، أشخاصًا هم أذكى بكثير جدًا من عبدالملك الحوثي نفسه، وهؤلاء نجدهم اليوم يهتفون له أكثر من غيرهم، بل ويشرعون له -لعبدالملك الحوثي- بكل ما يروق له، وهم بذاتهم هم الذين سيهتفون في الغد القريب ضده أكثر من غيرهم، يوم تنتكس رايته. هؤلاء وأولئك هم بذاتهم الذين كانوا في صف نظام صالح في الأمس القريب، يسبحون بحمده، ويتغنون بحسناته ليلًا ونهارًا، وهم هم بذواتهم الذين سيكونون أول من سيناصر الحاكم القادم ضد الحوثي، وهم الذين سيصبون أكثر من غيرهم جام اللعنات على المسيرة الحوثية، ويقولون في عبدالملك الحوثي ما لم يقله مالك في الخمر... والأيام بيننا... لأنهم كلهم هؤلاء وأولئك شعارهم "مانا قبيلي حد ولا أحد دولتي أنا "خدام" من يملي جيبي قروش". بل إن ولاءات وموالاة هؤلاء كلهم لا ولن تقتصر على مجرد الولاء والموالاة لعبدالملك الحوثي، باعتباره إمام المذهب، فالمؤكد أن لإمام الذهب في ولاءاتهم ومناصرتهم حظًا لا بأس به، وما كلامي هذا بجديد، والعاقل يستنطق التاريخ، فمن يقرأ التاريخ لم يكن مستغربًا لديه "أن يتخلى المجاهدون عن إمام كانوا يقاتلون تحت رايته بعد أن تنفد خزائنه من المال والطعام، ويسارعوا إلى الالتحاق بالإمام المنافس على الجانب الآخر إن علموا أن خزائنه ماتزال مليئة بالدراهم وزاد الحروب"، كما لم يكن مستغربًا لديه أن "بروتوس" مازال حيًا، وأنه لا ولن يأتي من المعارضة كما يظن الحوثي، أو كما يوهمه من يَحْسَبهم أنهم يحسنون معه صنعًا من أفراد مخابراته فـ"بروتوس" هو أحد المقربين جدًا الذين يسرحون ويمرحون بالقرب من القيصر. والأيام بيننا!
من المفيد هنا أن أستعير مقولة للكاتب الفرنسي الشهير "إيتيان دي لا بوسيه"، مؤلف كتاب "العبودية المختارة"، لأذكّر بها أولئك المغرر بهم في صف الحوثيين من الهاشميين ومن غير الهاشميين، وأقول لهم: "صمِّموا على ألاّ تخدموه (ولا تقدسوا شخصه) بعد الآن، وسترون أنفسكم أحرارًا. لا أريد منكم أن تدفعوه دفعًا، ولا أن تخلعوه خلعًا، بل كفّوا عن مساعدته فقط، ولسوف ترونه ينهار كتمثال ضخم أُزيحت قاعدته فهوى وتحطم..."!
وفي الأخير، أكرر ما سبق أن كتبته أكثر من مرة، من أنه يجب علينا أن ندرك جيدًا أننا اليوم أمام مشروعين أولهما: مشروع "الدولة المدنية"، وتتبناه الشرعية، وهو مشروع جدير بالوقوف لمناصرته والوقوف بجانبه، لأنه يؤمن بمبدأ المساواة، ولا يتنكر للديمقراطية، ويوجب على من يرغب في حكم البلاد الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وثانيهما: مشروع "الولاية"، ويتبناه الحوثيون، وهو مشروع يجب رفضه ودعوة عبدالملك الحوثي شخصيًا لنبذه والعدول عنه، لأنه مشروع خاسر ومتخلف، وترفضه قوى الشعب اليمني في غالبها الأعم، بحسبانه لا يقر بمبدأ المساواة، ولا بوجوب الانتخابات، وإنما يقرر أن الحكم حق مفروض من الله تعالى للهاشميين وحدهم، وتحديدًا من هم من ذرية عليّ بن أبي طالب، من زوجته فاطمة...!
وعلى هذا، فأخطاء الشرعية غير الماسة بسيادة اليمن واستقلالها، مهما بلغت جسامتها وقتامتها، لا تعني أبدًا سلامة نهج ومنهج الحوثيين، أو أن مشروع الولاية يحمل لنا النور والعدل والحرية والمساواة والحق، كما أنه لو وجدت مزايا للحوثة، وإن بلغت درجة وجوب الإشادة بها، فلا يعني ذلك قبولنا لنظام الولاية، ورفضنا لدولة النظام والقانون، كما أن رفضنا لنهج ومنهج الحوثة ومشروع الولاية لا يعني تأييدنا للعدوان على بلادنا من أي كان. هكذا هي قناعات أغلب اليمنيين، ولله الأمر من قبل ومن بعد!