صنعاء 19C امطار خفيفة

عبدالباري طاهر يستطلع آراء النخبة اليمنية تجاه القضية الفلسطينية (2)

عبدالباري طاهر يستطلع آراء النخبة اليمنية تجاه القضية الفلسطينية (2)

في جحيم حرب الإبادة على غزة، والاجتياحات اليومية في الضفة الغربية من الجيش الإسرائيلي، وتمدد الاستيطان، طرحت أمريكا سؤال ما بعد اليوم التالي! وهو السؤال المطروح منذ العام 1947، والقرار 181 لا يعني غير التقسيم، ويتكرر عقب كل حرب.
ونضع اليوم تساؤلات أخرى:
ماذا بعد الانتفاضة الفلسطينية المسلحة في الضفة والقطاع؟
هل الدولتان حل؟
وماذا عن وضع فلسطينيي الداخل -أرض 1948؟
وماذا عن حل لا يأخذ بعين الاعتبار وضعهم في ظل انتقاص المواطنة؟
وما هي رؤيتكم لما بعد حرب السابع من أكتوبر 2023؟
أسئلة طرحتها على قادة الأحزاب السياسية، وقادة الرأي في المجتمعين: المدني والأهلي والفاعليات السياسية وفي صفوف الشباب والمرأة في اليمن والمنطقة العربية.
وما دفعني لطرح هذه الأسئلة هو تسابق الدول الداعمة للحرب أو بالأحرى الأطراف الأساسيين في صنع أداة الحرب الدائمة -إسرائيل، منذ 1948 وحتى اليوم.
وهنا أترك لأصحاب وصاحبات الرأي الإجابة، مع ملاحظة أن البعض أجاب على كل الأسئلة، واكتفى البعض بالإجابة على بعضها.
الشكر والامتنان للعزيز رئيس تحرير "النداء" الصحفي القدير سامي غالب ولصحيفة "النداء" التي يتسع صدر صفحاتها دومًا لكل الآراء، والتي ستنشر تباعًا آراء النخبة اليمنية وردودها على الأسئلة.


تاليًا ردود وتوضيحات الأستاذ علي محسن حميد؛


وهو مفكر سياسي ومثقف واسع الاطلاع، وكاتب وباحث، عمل سفيرًا لليمن لدى كل من الجامعة العربية، والهند وبريطانيا:


ماذا بعد الانتفاضة المسلحة في الضفة والقطاع؟

الانتفاضة في الضفة لم تتوقف مطلقًا، وقد زادت وتيرتها بعد السابع من أكتوبر 2023، بينما لم تشهد غزة أية انتفاضة لوضعها الشديد الاستثنائية، ولحصارها، ولعدم وجود مستعمِرين فيها بعد انسحاب إسرائيل الكلي منها عام 2005. غزة تعرضت لما هو أشد من قمع فلسطينيي الضفة، حيث شنت إسرائيل عليها خمس حروب لم يخلُ أي منها من الدمار والشهداء والمصابين. جزء من الرد على هذاالسؤال سيتضمنه الرد على السؤال الخامس.

- هل الدولتان حل؟

* نعم. الدولتان هما الحل، وهناك تلغيم سياسي متعمد لحل الدولتين، لأن المصطلح يفترض عدم وجودهما معًا، والواقع أن واحدة قائمة والأخرى هي المفروض أن تتم المطالبة فقط بقيامها تطبيقًا لقرار الأمم المتحدة رقم 181 الصادر عام 1947، وهو في نفس الوقت قرار تقسيم فلسطين. حل الدولة/ الدولتين، هو الحل الوحيد للصراع الفلسطينيي -الإسرائيلي، ولكن بشرط الاستجابة لتطلعات الفلسطينيين في دولة كاملة السيادة ند كامل ليس لإسرائيل فقط، بل لأية دولة أخرى، لكي تُحتَرم وتعامل كدولة ومواطنوها كمواطنين في دولة مستقلة. الدولة هي الدولة التي تفصل على مقاس مصالح شعبها وكاملة غير منقوصة وعلى أرض لا يسيطر عليها أحد سواها.
إسرائيل بيمينها على تعدده وقوته وتطرفه، وبيسارها على ضعفه، ضد قيام دولة فلسطينية، وقد ذكر إسحاق رابين في مذكراته الصادرة عام 1979، أن أقصى ما يمكن أن تمنحه إسرائيل للفلسطينيين هو حكم ذاتي مقيد.

بعد أوسلو 1993 كان رابين هو الذي يفاوض منظمة التحرير لإقامة الدولة الفلسطينية، وقد ظل يراوغ لأن رفض إسرائيل للدولة الفلسطينية مجمع عليه تقريبًا، وبخاصة بعد سيطرة اليمين ونشوب الانتفاضة الثانية التي رأى فيها إسرائيليون كثر، ومنهم المؤرخون الجدد الذين راجعوا تاريخ الصهيونية ودولة إسرائيل، وانتقدوهما، وعادوا بعدها إلى قناعاتهم السابقة، بحجة أن هدف الانتفاضة النهائي هو زوال دولة إسرائيل وتعبير عنيف و"إرهابي"، عن عدم رغبة الفلسطينيين بالتعايش مع إسرائيل.

نتنياهو قال مؤخرًا إن فتحستان تريد استئصال إسرائيل على مراحل، بينما تريد حماسستان استئصالها مرة واحدة.. هذا هو الفكر الجامع اليوم لليمين وليسار الوسط. يضاف إلى ذلك أنه في ظل أفضل الظروف صهيونيًا لقيام دولة فلسطينية، فإن إسرائيل تريدها منزوعة السلاح وتابعة اقتصاديًا لها، مع قيود أخرى على علاقاتها الدولية.

 

- وماذا عن وضع فلسطينيي الداخل في أراضي 1948؟

* هؤلاء مهما كانت معاناتهم والانتقاص من حقوقهم، يجب أن يبقوا في وطنهم. هم الصداع الدائم الذي يذكر إسرائيل اليوم وغدًا بأنها اغتصبت فلسطين. إسرائيل تتمنى الخلاص منهم لكي تكون دولة يهودية "ديمقراطية" بدون منغصات. وهم ليسوا بحاجة إلى نصح أحد حول خياراتهم، وأظن أنهم يفضلون العيش في إسرائيل على أن يكونوا جزءًا من سلطة رام الله، لعدة أسباب سياسية واقتصادية وديموغرافية.

السلطة لم تصبح نموذجًا ديمقراطيًا حتى اليوم، وتوزع فلسطينيي 48 في كل إسرائيل يجعل من الصعب عليهم، بل من المستحيل ترك مساقط رؤوسهم. هم، مع الفارق، مثل سكان نجران وعسير، الذين عواطفهم لا شك معنا، ولكن نظامنا غير مغرٍ من كل النواحي لهم، لذلك يفضلون أن يكونوا مواطنين سعوديين، ونفس الحال ينطبق على فلسطينيي 48. نحن دولة فاشلة يسودها الفقر والتخلف الشامل والصراعات، والمذهبية في السنوات الأخيرة، وتشلها كل العلل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أما السعودية فدولة تنمو وتكبر، ولديها خريطة طريق مستقبلية واضحة المعالم، ولاتوجد فيها مشاكل كبيرة بين الحاكم والمحكومين.

 

- وماذا عن حل لا يأخذ بعين الاعتبار وضعهم في ظل انتقاص المواطنة؟

* إسرائيل دولة عنصرية، لا شك في ذلك، ولن تتغير إلا في المدى البعيد عندما تستوعب في المنطقة العربية ويتم التطبيع معها الذي قد يكون من شروطه، لو أدرك العرب، أهمية وضع مصالح فلسطينيي 48 على الطاولة كجزء لا يتجزأ من عملية التطبيع. هؤلاء يفتقرون إلى العدالة والمساواة، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه، إذ كيف لمستبد أن يطالب بحقوق ديمقراطية لآخرين، وهو ينكرها على مواطنيه؟

القضايا مترابطة، وإسرائيل تستثمر سوء سلوك أنظمتنا لصالحها، وهي أحيانًا تذكر فلسطينيي 48 بوضعهم الأفضل رغم التمييز العنصري ضدهم في كل المجالات الخدمية والنظرة الاستعلائية اليهودية، ومنها اعتبار أصحاب الأرض غرباء يُحبذ التخلص منهم إذا كان ذلك ممكنًا. إسرائيل تخشاهم جدًا، لأنهم مكون من مكونات القنبلة الديموغرافية الفلسطينية. وعليهم النضال من أجل المواطنة المتساوية، ووحدة الصف، والأخيرة ضعيفة إلى حد ما، كما أنه لا يوجد حامل سياسي لهم ذو ثقل يعبر عنهم، ويفرض وجودهم على الخريطتين السياسية والاجتماعية الإسرائيلية. وهذا هو حالهم منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

 

- ما رؤيتكم لما بعد حرب السابع من أكتوبر 2023؟

* حرب السابع من أكتوبر حرب من طرف واحد، وأفضل توصيف لها هو الحرب على غزة.

ما بعدها كثير وكبير، ولكن قبل ذلك لا بد من القول بأنها أظهرت أن العرب ليسوا عربًا، وأن امريكا وأوروبا صهيونيتان كإسرائيل، وأنه لا ركون يعتد به على موسكو وبكين الفصيحتين مثل العرب.

إيران ستخسر حليفًا رئيسًا في فلسطين هو حماس والجهاد الإسلامي، وسيخرج هذان الفصيلان، ومعهما حزب الله إلى حد ما، ضعيفين عسكريًا من هذه الحرب. حماس والجهاد أثبتتا فيها أنهما قوتان مقاتلتان جديرتان بالاحترام، وأنهما أدتا دورهما الدفاعي الوطني بجدارة، وكانتا عند حسن ظن شعب فلسطين والشعوب العربية.

السابع من أكتوبر سيحول حماس والجهاد إلى فصيلين سياسيين إذا كانت الدولة الفلسطينية هي الجزرة، واستوعبتا جيدًا في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وكان الغرب وفي مقدمته أمريكا مخلصًا في دعوته الحالية لإقامة الدولة الفلسطينية، التي ليست بالجديدة، لوضع حل نهائي وشامل للصراع مع إسرائيل، يتوج بدولة فلسطينية على حدود 5 يونيو 1967، مع قدس موحدة للجميع ومفتوحة وعاصمتين لدولتين، وإنهاء الاستعمار الاستيطاني أو الإحلالي. السلطة الفلسطينية ستقطف ثمار 7 أكتوبر، ولكن لن يوظف ذلك توظيفًا جيدًا، إلا إذا انتهى دور قيادتها الراهنة، وتجددت خلايا ودماء قيادة السلطة، وأصبحت ممثلة لكل الفصائل، كل بحجمه وبدوره وبتضحياته، وبدون استعلاء أو مِنّة لدور فتح الكفاحي التاريخي السابق على حماس والجهاد بأكثر من عقدين، ولاستقلالها، أي السلطة، عن أي تنظيم قطري أو قومي أو دولي.

 

- وماذا عن الموقف العربي؟

* توجد مواقف عربية وليس موقفًا عربيًا واحدًا، وسيستثمر الموقف العربي من قبل الغرب لإضفاء شرعية عربية على التسوية الفلسطينية -الإسرائيلية النهائية، وللتطبيع مع الراغبين والممانعين.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً