صنعاء 19C امطار خفيفة

ابنة مطهر الإرياني لـ"النداء": سأحارب العالم لاستعادة أبي حيًا أو ميتًا

ابنة مطهر الإرياني لـ"النداء": سأحارب العالم لاستعادة أبي حيًا أو ميتًا
ندى الإرياني ونجلها (النداء)
  • غالب القمش قام بالإبلاغ عني وحظري من تطبيق "واتساب"

  • استحضرتُ روح أبي يوم زفافي وأخذتني موجة بكاء وكأنني في مأتم. لقد أخذوا منا كل شيء: أبي، حياتنا، وأمي التي رحلت قهرًا

  • كان أبي يحلم بالمساواة وبغدٍ مشرق لليمن

  • نحارب منفردين أجهزة الأمن التابعة للسلطات المتعاقبة

  • ما يحتاجه ملف المخفيين أولًا هو رابطة حقوقية ودعم قانوني وإحساس مجتمعي بأن حياة هؤلاء المخفيين قضية ضمير إنساني تهم الجميع.

مطهر الإرياني وبناته الثلاث

جددت ندى (48 عامًا)، وهي الابنة الكبرى للمختفي قسريًا  منذ 42 عامًا، مطهر عبدالرحمن عبدالواسع الإرياني، مناشدتها لرئيس الجمهورية وكل من يستطيع مساعدتها للكشف عن مصير والدها ورفع الظلم عنه وعن أسرته. وفي حوار مع "النداء" أكدت ندى أنها لن تستسلم، وستحارب العالم بأسره، لاستعادة والدها، سواء كان حيًا أو ميتًا، لأنه يستحق دفنًا يليق به.
ندى أوضحت أنها لجأت إلى كل الجهات الممكنة، من وزارة الداخلية، إلى الأمن السياسي والنائب العام، بالإضافة إلى منظمات حقوق الإنسان، لكنها لم تلقَ أي تفاعل ملموس. ووصفت تلك المنظمات بـ"النائمة إنسانيًا"، واتهمتها بالمتاجرة بمثل هذه القضايا.
في هذا الحوار المؤثر، عبرت ندى عن ألمها وحزنها العميقين، بسبب تقاعس السلطات المعنية والمنظمات الحقوقية في التفاعل الجاد مع قضية والدها.
ورغم توجيه أكثر من سؤال إليها حول ظروف معيشتها مع ثلاث من أخواتها، ومن يعولهن، فقد أصرت على عدم الخوض في تفاصيل أوضاعها الخاصة، دون حتى أن تلمح لآلام ظروفها التي لا تخفى على الكثيرين ممن عرفوا واقع هذه الأسرة الكريمة، واكتفت بالقول: إن الله هو من يعولهن!
فإلي البداية:
 

متى بدأتم فعلًا متابعة البحث عن الوالد الذي اختفى قسريًا منذ 23 أكتوبر/ تشرين الأول 1982م؟

 
في بداية عام 1994م، وكان الرئيس السابق علي عبدالله صالح أول من طالبته بالكشف عن مصيره. يومها كان الرئيس في القصر الجمهوري بالحديدة.
 

هل قابلت المسؤول الأول في الدولة شخصيًا، أم عبر أحد مساعديه؟

 
قابلته شخصيًا طبعًا. اتصلت به صباحًا، فقالوا إنه ذهب إلى مديرية زبيد، وأخبروني أنه بمجرد عودته سيتصلون بي. وفعلًا، اتصلوا بي عصرًا، وعندما قابلته قلت له: "أين أبي الذي أخفاه الأمن الوطني؟"، فأنكر وجوده، وقال إن سجونه خالية من السجناء السياسيين. وقتها كانت أمي أصيبت بجلطة وورم سرطاني. أتذكر أن الرئيس أمر بصرف مبلغ خمسة آلاف ريال شهريًا كنا نستلمها من القصر الجمهوري بالحديدة، حيث ظللت أعالج أمي لأشهر.
 

وماذا بعد القصر؟

 
في عام 2011م قالوا إن صالح أطلق سجناء، البعض أُرسل إلى المصحات، والبعض الآخر أُلقي في الشوارع. ولذلك كلمت زوجي أكثر من مرة ليذهب إلى المصحة. وقد استطاع أن يلتقط صورة لأبي، وعندما رأى أحد العمال صورته قال له: "هذا موجود في دار المسنين". فذهب إلى الدار وصوره.
 

هل ماتزالين محتفظة بصورة شبيه أبيك؟

 
نعم. اسمه الجعفري الذي عاد إلى أهله بعد خروجه.
 

وماذا بعد ذلك؟

 
في عام 2014م طالبت اللواء جلال الرويشان شخصيًا بالكشف عن مكان وجود أبي، لكنه أنكر وجوده، وزعم أن السجون خالية. قلت له: "أنت تتحمل المسؤولية أمام الله". فقال: "أتحملها".
 

هل استطعتِ الوصول إلى سجون سرية لتتأكدي بنفسك من وجود أبيك فيها؟

لا. بعد أن رجعت من عند الجعفري، شبيه أبي، أمي تعبت نفسيًا وجسديًا، ودخلت المستشفى. فعلًا تعبت، لأنها كانت متعلقة به كثيرًا. أما أنا، فقد كنت أناديه: "يا بابا"، وكان يرد عليَّ بكل عطف وحنان.
 

هل كنتِ على علم بمقرات اعتقال سرية؟

 
لا، إلا أنني عرفت واحدة منها في منطقة محظورة.
 

في أية منطقة بالضبط؟

 
جماعة كلمونا أن هناك رجلًا من مديرية القفر، إب، مسجلًا باسم مطهر الإرياني ومطهر القفري.
 

جماعة من؟

 
من الذين كانوا في المنطقة المحظورة بجزيرة كمران. قلت له: "هل أنت مستعد أن تذهب إلى جماعة الحوثي؟"، فقال: "نعم". بعد ذلك، أعطيت رقم ذلك الشخص للداخلية. تواصلوا معه، وقال لهم إنه مستعد للذهاب معهم إلى الجزيرة.
 

وماذا أيضًا؟

بعد أسبوع، أعادوا لنا خبرًا أن كل الذين كانوا في كمران تم تحويلهم إلى العاصمة صنعاء. سألت عن المكان تحديدًا، لكنهم لم يردوا عليَّ على الإطلاق. بعد ذلك، رفعت مذكرة إلى عبدالكريم الخيواني، رئيس جهاز الأمن السياسي (الأمن والمخابرات حاليًا)، وذهبت بنفسي ثلاث مرات إلى الأمن السياسي، وفي المرة الثالثة استُدعيت من وكيل الأمن السياسي. جلس وحقق معي، وقال إن عبدالكريم الخيواني أرسله للنظر في موضوعنا. وأثناء التحقيق، اعترف بأن هناك سجناء مازالوا موجودين منذ السبعينيات والثمانينيات.
 

هل حدد رقمًا معينًا لعددهم؟

لا، لكنه وعدني بمتابعة ملف قضيتي، وأعطاني فقط رقم هاتفه على "واتساب". ظللت أتابعه كل يومين، وكان يقول إنه مايزال يبحث عن مكان تواجد أبي. وفي النهاية، ألغى حسابه على "واتساب". لا أنسى آنذاك أن أحد الضباط في الأمن السياسي قال لي: "مازلتِ تبحثين عن والدك؟ قد يكون طاعنًا في السن (شيبة)". كنت جالسة، فنهضت وقلت له: "أتقول عن ماذا أبحث؟ أنا أبحث عن أبي، وأريده حيًا أو ميتًا".
 

أعتقد أن لهجته معك كانت تهربًا من المسؤولية ومن التعاون معك. أليس كذلك؟

بالتأكيد. بعد ذلك، تواصلت مع حسين عبدالكريم الحوثي شخصيًا، ابن وزير الداخلية، وكان كل ساعة يحولني إلى واحد من الضباط، وكلهم كانوا يقولون: "السجون خالية، إذا تعرفين أي سجون سرية كلمينا". فقلت له: "كيف لي أن أعرف؟". بعد ذلك، رفعت مذكرة إلى الرئاسة، فحوّلوني إلى الأمن السياسي مرة أخرى، وكان الرد: "أبوك ليس موجودًا لدينا". ثم لجأت إلى النائب العام محمد الديلمي.
 

في أي عام كان ذلك؟

في عام 2024م، قال إن هذه أول قضية تمر عليه ولا يعرف كيف يتعامل معها. ووعدني بتحويل القضية إلى النيابة الجزائية، وكذلك إلى المفتي. عندما قال إنه لا يعرف، قلت له: "استدعِ جميع الضباط القدامى الذين مازالوا أحياء، وحقق معهم، واضغط عليهم لكشف أية معلومات بخصوص مكان أبي". لكن مطلب الاستدعاء تم تجاهله تمامًا. حاليًا، لم يعد النائب الديلمي في منصبه، وتم تعيين نائب جديد خلفًا له.
 

وما مدى تفاعل النيابة الجزائية مع القضية إذن؟

أسمع جعجعة ولا أرى طحينًا.
 

هل تعتقدين أن أية منظمة حقوقية لديها معلومات عن أماكن السجون برأيك؟

نعم، هناك كشف نشرته صحيفة "الوسط"، في عام 2008م تقريبًا، يتضمن أسماء مخفيين قسريًا، وأعتقد أنه كان عن طريق منظمة.
 

تعتقدين أنه مسجل باسم غير اسمه الحقيقي؟

أجل، بخاصة وأن هناك تلاعبًا في الأسماء. إحساسي يزداد كل يوم بأنه مازال حيًا، خصوصًا عندما أسمع عن خروج أحد المخفيين.
 

هل تعتقدين يقينًا أنه مازال قيد الحياة، أم أن هذا شعور نابع من العاطفة وتطمين الأسرة؟

نعم، نعم. أتذكر يوم خروجه من المنزل أمامي.
 

كم كان عمرك حينها؟ وماذا قال لك حرفيًا؟

كنت في السابعة من العمر. يومها جاء قبل اعتقاله بساعات، واشترى لنا "صانونة" من السوق المحلي. نادى أخوالي وخالاتي ليصعدوا ليتغدوا معنا. تناولنا الطعام، ثم أخذ أصغر أخواتي كعادته، ونيمها في حضنه بعد الغداء.
 

هل تعتقدين أن جماعة الحوثيين يعرفون اسمه الحقيقي في السجن؟

لا أدري.
 

ألم تساورك شكوك على الأقل؟

لا أستبعد ذلك.
 

يعني اختُطف أو اختفى حينها من مدينة الحديدة؟

كان قبل اختطافه وهو يقول لجدي أحمد صبري: "يا عم أحمد، بيتك مراقب". وبعدها خرج لشغله كالمعتاد الساعة الرابعة عصرًا.
 

ماذا كان يعمل؟ وأين؟

كان يسكن مع جدي صبري، والد أمي.
 

منذ متى؟

منذ فترة طويلة. وخالي قال إنه كان يرى طقمًا بزي مدني أمام البيت، ويوم اختفى أبي لم يرَ الطقم مرة أخرى.
 

وماذا حدث بعد ذلك؟

استيقظ، لبس ثيابه، ووقف أمام باب المنزل. أتذكر نظرته الأخيرة إليّ أثناء ما كانت أمي تصفف شعري في الصالة.
 

متى وكيف تم اختطاف والدك؟ وما هي الظروف المحيطة باختفائه؟

كان على علمٍ بوجود تتبع مستمر من قبل مخبرين. وعصرًا، كتب على جدار غرفته "وداعًا"، وكأنه يقرأ قدره. خرج للعمل في وكالة الحسيني للسيارات، ولم يعد، حيث كان يعمل محاسبًا فيها.
 

كيف تلقت الأسرة خبر اختفائه؟ وهل تم التواصل معكم من أية جهة بعد الحادثة؟

كانت صدمة مزدوجة للأسرة؛ أولًا بخطف معيلها الوحيد، وثانيًا باتهامنا بإخفائه. دخلنا في مرحلة عذاب حتى الموت مرتين. جاء اتصال للمحقق ليخبرنا أن مطهر الإرياني موجود عندهم.
 

كيف أثر اختفاء والدك على حياتك الشخصية والاجتماعية؟

هو لم يؤثر على حياتي وحسب، بل أعدمها. أطلق عليها رصاصات الموت. عشنا بلا عائل وبلا أحلام، وانحصرت حياتنا في البحث عن إجابة لسؤال: "أين أبي؟".
 

هل كنتِ على دراية بنشاطه السياسي آنذاك؟

كنت طفلة في السابعة من العمر، لكن رفيق درب أبي، محمد الحكيمي، الذي كان على ما أعتقد أنه يعمل في جمارك الحديدة، أخبرني لاحقًا بأنه كان قياديًا سياسيًا محنكًا.
 

هل تتذكرين موقفًا محددًا معه؟

يومًا ما قفزت خلفه وقلت له: "بابا، أعطِني مصروف". فقال: "مع أمك"، ثم نزل من الدَّرج أمام عيني. لو كنت أعرف أنه لن يعود، لمنعته من الخروج.
 

هل مازال الحكيمي حيًا؟

أجل، مازال حيًا. كنت أرى أشخاصًا يأتون إلى أبي بأوراق ومستندات لا أدري ما محتواها. وعندما أستيقظُ صباحًا، أجد الأوراق أمام كل باب في الحارة.
رفيق أبي، محمد حمود الحكيمي، يسكن حاليًا في حي حدة بصنعاء. كان قبل ذلك أجرى عملية جراحية في مصر. وهناك رفيقة للحكيمي تُدعى طيبة بركات، لم أكن أعرفها من قبل، سجنت وزوجها مع أبي.
 

لمدة كم ظلّت وزوجها في السجن مع والدك؟

في عام 2011م، ظلت تبحث عني حتى وصلت إليّ. قالت لي: "يا ندى، روحي دوري على أبيك، مازال حيًا". في ذلك اليوم أخبرتني: "والدك سُجن معنا يومين في الحديدة، ثم تم ترحيله إلى صنعاء". بعدها حاولت التواصل معها، لكنها لم تعد ترد. كنت أريد أن أسألها إذا كانت تعرف مكان وجود أبي. يبدو أنها تحفظت عن التعاون معي لأسباب أمنية تتعلق بحياتها. وفي وقت قريب، رجعت لأسألها في أية دائرة استخباراتية يمكن أن يكون موجودًا بالضبط، لكنها لم تقدم إجابة شافية.
 

ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتموها كأسرة مختفٍ قسريًا؟

الشكوى لغير الله مذلة. أبرز الصعوبات أن تعيش بلا رب أسرة، بلا أب تحتضنه طفلة صغيرة. ظروف حياتية قاسية وعاطفية لا تقل قسوة عن الجوع والبرد، وحزن قدوم عيد بلا ملابس جديدة أو عيدية أب.
 

هل تلقيتم أي دعم قانوني أو حقوقي من أية جهة؟

لم نتلقَّ أي دعم قانوني من أية جهة. وكأن المنظمات الوجه الآخر المكمل لمأساتنا.
 

ما هي أبرز الجهود التي بذلتموها للبحث عن والدك؟

ما يحتاجه ملف المخفيين أولًا هو رابطة حقوقية ودعم قانوني وإحساس مجتمعي بأن حياة هؤلاء المخفيين قضية ضمير إنساني تهم الجميع. نحتاج إلى قناة اتصال مع المنظمات الدولية. هذا عمل يتجاوز الجهود الفردية.
 

هل لديكم أية معلومات أو مؤشرات حول مكان اختفائه أو ظروف احتجازه؟

مع الأسف، لا توجد جهود جماعية منظمة. تابعتُ أجهزة الأمن ووزارة حقوق الإنسان في صنعاء، وطرقتُ أبواب المعتقلات كلها. لن أصمت، وأتمنى وجود حراك ضاغط من قبل منظمات المجتمع المدني.
 

أكرر: هل كنتِ تعلمين بنشاط والدك السياسي في ذلك الوقت؟ وهل كان يمارس نشاطًا سريًا؟

كان عمري سبع سنوات، وأمي لم تكن تعرف. قالت: "كان غامضًا جدًا. يا ابنتي، كنتِ صغيرة وقتها ونسيتِ كل شيء". تفاجأتُ عندما جاء اتصال أثناء التحقيق معها يُفيد بأن والدي يخضع للتحقيق في البحث الجنائي بصنعاء. وكان المحقق هو عبدالله الشلامش. اتصلتُ بعبدالله محرم، وكان وقتها مديرًا للأمن الوطني، وقلت له: "ساعدني، وأعدك شرفًا ألا أذكر اسمك مهما حصل، فقط أخبرني أين أبي". أنكر معرفته بمكان والدي، وقال: "أبوك كان حبيبي وصديقي. أنا كنتُ عسكريًا بسيطًا".
كنت أعلم أنه يكذب، لأن الكثيرين يقولون إنه كان يدير الأمن الوطني. اللواء غالب القمش كذاب. الكل يقول إنه كان يدير الأمن الوطني في الحديدة أيضًا. لكنه لم يكن موجودًا في عام 2023م، بل كان خارج اليمن، ومازال له تأثير رغم خروجه من السلطة.
 

القمش كان يُوصف بـ"الصندوق الأسود" للرئيس صالح بالنظر إلى المناصب والأدوار التي لعبها في عهده"؟

والله لقد استعطفته وقلت له: "سامحك الله، قل لي أين أبي"، فأغلق الهاتف في وجهي. كان يرى رسائلي ولا يرد، إلى أن أرسل لي ذات يوم: "جمعة مباركة". رددتُ عليه: "أنت وصمة عار في جبين أولادك، وسيلعنك التاريخ حيًا أو ميتًا".
فقام بالإبلاغ عني، وتم حظري من تطبيق "واتساب" يومها. بعد رحيل "عفاش"، احترقت ورقة القمش، وهرب إلى خارج البلاد. أما بخصوص السجون السياسية، فنحن نعرف عن وجودها، لكننا لا نملك عناوين محددة لها. مؤخرًا تم الإفراج عن أحد السجناء السياسيين، اسمه الجماعي، بعد أربعين عامًا من الإخفاء بسبب انتمائه للجبهة الوطنية.
لدي تجربة مع شخص توقعتُ أنه والدي. عشتُ معه مشاعر الأبوة بعد إخراجه من المعتقل، لكن مع الأسف فحص الـDNA لم يكن مطابقًا. رغم ذلك، تمنيت أن يبقى معي، ولكن ذويه أخذوه. شعرتُ بفقدان أبي مرة ثانية.
الجعفري، شبيه مطهر الإرياني
جماعة الحوثي تنكر أيضًا وجود أي كشوفات. ومع ذلك، نكتشف بين الحين والآخر ظهور أحد السجناء بعد سنوات. للأسف، والدي لا يملك رجالًا يطالبون النظام بالكشف عن مصيره. أنا ندى، أتخبط، والكل واقف يتفرج عليّ. لا أعلم ما هي النهاية، لكن هذا ما استنتجته من خلال بحثي.
آخر تواصل لي مع الأمن السياسي كان ردهم: "ما عندنا شغل غير موضوع أبوك، خلاص مش موجود، اقنعي".
 

هل قابلتِ مسؤولين في منظمات خارجية لشرح الأمر لهم؟

لا.
 

ولمَ لا تحاولين؟

ليس هنالك غير المندوب اللبناني الذي أرسلته لنا المفوضية السامية.
 

متى كان ذلك؟

في عام 2012م. تخيلوا، وحيدة أحارب ظلم سلطات متعاقبة. هذه جريمة عامة، هي معركة المجتمع كله. ومع ذلك، لن أستسلم. سأحارب العالم كله وحيدة من أجل استعادة أبي، سواء كان حيًا أو ميتًا. يستحق دفنًا يليق به. أريد أن أذكر أن الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي كان شكل لجنة بقيادة رياض القرشي، وزير الداخلية في عهده، لكنها لم تفعل شيئًا ملموسًا يُذكر.
 

بخصوص والدك أم بخصوص آخرين مخفيين قسريًا؟

بخصوص أبي وجميع المخفيين قسريًا. لقد سرقوا منا طفولتنا. صدقني، لم أعش طفولتي؛ ظل هاجس حضور أبي مهيمنًا على حياة أمي ونحن الفتيات الصغيرات. ذهب العمر ونحن نتحسس مكان نومه وننتظره في صالة الاستقبال. ذهب قسرًا ولم يعد. كلما طُرق الباب، كانت أمي تصرخ: "يا بنات، أبوكم جاء!".
 

وهل تعلمين بأسماء مخفيين قسريًا آخرين؟

المخفيون قسرًا بحسب الأستاذ القدير فوزي العريقي أطال الله عمره: علي محمد خان، عبدالعزيز أحمد عون، سلطان القرشي، طه فوزي، عبدالوارث عبدالكريم، حسن علي الخولاني، عبدالسلام العبسي، علي مثنى جبران، علي عبدالمجيد عبدالقادر. الرفاق المتوفون: محمد العمراني، عبدالله الرديني، فاروق عبدالمجيد.
الرفاق الذين مازالوا على قيد الحياة: محمد صالح القاضي، محمد السري، إحسان عبدالجليل، منصور أحمد فارع (متوفى)، منصور هزاع مقبل.
ما يحزنني أكثر أن أبي لم يشهد ما تمناه لعائلته الصغيرة. لم يفرح بزواج بناته أو قدوم أحفاده. أذكر يوم زفافي، استحضرتُ روحه، وأخذتني موجة بكاء، كأنني في مأتم. لقد أخذوا منا كل شيء: أبي، حياتنا، وأمي التي رحلت قهرًا.
لم أنسَ اللحظات الدافئة بصحبته في السينما والبحر، أو جلسات القات مع أصدقائه. كان يقدمنا بفخر لأصدقائه قائلًا: "ندى، رئيسة الحكومة اليمنية القادمة". كان يحلم بالمساواة وبغدٍ مشرق لليمن.
 

هل تعتقدين أن لدى أية منظمة حقوقية معلومات عن مكان السجون؟

مع الأسف، هناك غياب كامل للمنظمات الحقوقية المدنية، وكأنها كيانات غير مدنية وغير مستقلة. هي منحازة للجلاد لا الضحية. معركتنا لم تعد معركتهم، وأوجاع المخفيين لا تعنيهم. نحارب منفردين أجهزة الأمن المتعاقبة؛ لأن ملف السجون ومراكز المخابرات بلا دعم قانوني أو جهات داعمة، بما في ذلك الحزب الذي منح والدي كل عمره ودفع حريته ثمنًا لخيار آمن به. وهنا لا أعني القاعدة الحزبية النبيلة التي وقفت معنا، بل القيادات المنفصلة.
 

كيف تنظرين إلى دور سلطات الأمر الواقع والمنظمات الحقوقية تجاه قضيتكم؟

سلطات الأمر الواقع تنفي علمها. ومع ذلك، لا يمكن تبرئة ساحتها، فالقانون ينص على أن السلطة الجديدة ترث ملفات السلطة السابقة. القضية أصبحت محط اهتمامٍ أكبر الآن. هناك حملات تضامنية وكتابات تناولتها، وهي بداية قد تدفع بقضية المخفيين قسريًا إلى الواجهة.
 

ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتموها كأسرة مختفٍ قسريًا؟

الشكوى لغير الله مذلة. أبرز الصعوبات أن تعيش بلا رب أسرة، بلا أب تحتضنه طفلة صغيرة. ظروف حياتية قاسية وعاطفية لا تقل قسوة عن الجوع والبرد، وحزن قدوم عيد بلا ملابس جديدة أو عيدية أب.
 

هل تلقيتم أي دعم قانوني أو حقوقي من أية جهة؟

لم نتلقَّ أي دعم قانوني من أية جهة. وكأن المنظمات الوجه الآخر المكمل لمأساتنا.
 

ما هي أبرز الجهود التي بذلتموها للبحث عن والدك؟

ما يحتاجه ملف المخفيين أولًا هو رابطة حقوقية ودعم قانوني وإحساس مجتمعي بأن حياة هؤلاء المخفيين قضية ضمير إنساني تهم الجميع. نحتاج إلى قناة اتصال مع المنظمات الدولية. هذا عمل يتجاوز الجهود الفردية.
 

هل لديكم أية معلومات أو مؤشرات حول مكان اختفائه أو ظروف احتجازه؟

مع الأسف، لا توجد جهود جماعية منظمة. تابعتُ أجهزة الأمن ووزارة حقوق الإنسان في صنعاء، وطرقتُ أبواب المعتقلات كلها. لن أصمت، وأتمنى وجود حراك ضاغط من قبل منظمات المجتمع المدني.
 

كيف تمكنتم من الحفاظ على الأمل بعد أكثر من أربعة عقود من اختفائه؟

نثق بعدالة الله أنها ستنتصر لآدميتنا. الأمل سلاحنا الوحيد. لن نتخلى عنه حتى نستعيد مطهر حيًا أو على الأقل نستعيد جثمانه.
 

هل تودين إضافة شيء لم تقوليه؟

أشكركم على طرح هذه الأسئلة التي كانت بقدرٍ من الروعة وأتاحت لي التعبير عما في داخلي.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً