"إن أسوأ مكان في الجحيم مخصص لأولئك الذين يقفون على الحياد في المعارك الأخلاقية الكبرى".
مارتن لوثر كينج
----------------------------------------------------------------------------------------
وأنا أطالع وأتابع المحارق والمجازر العسكرية التي تجري ضد الشعب الفلسطيني الأعزل والمحاصر في غزة، منذ أكثر من سبعة عشر عامًا.. حصار وقتل يومي ضد المدنيين: نساء وأطفال وشيوخ، تذكرت الوثيقة والمشروع السياسي الأمني الاستراتيجي الذي أقره الكونجرس الأمريكي في العام 1983م، بالحرب السياسية والعسكرية المباشرة على المنطقة العربية، وخطة تقسيم دولها إلى كانتونات ومناطق عرقية وطائفية ومذهبية وقبلية، وهو المشروع الاستعماري الأصلي الذي يعد لكل المنطقة بدون استثناء، بما فيه تقسيم دول الخليج، وعلى رأسه مملكة آل سعود! هو، سياسيًا وعمليًا، مشروع بدأ مع "النكبة"،
وقرار التقسيم الذي لم ينفذ منه سوى الجزء الخاص بإقامة دولة الكيان الصهيوني، حيث بقيت أمريكا ودول الغرب الاستعمارية تقف وتعارض بـ"الفيتو"، وبرفض الموافقة على العشرات من القرارات المؤيدة للحق الفلسطيني في الدولة المستقلة، وفي الوجود، وفي الحياة، ناهيك عن عدم تنفيذ ما أصدر من القرارات لصالح القضية الفلسطينية؛ علمًا أن الاعتراف الأممي بإسرائيل كان يقابله اعتراف مشروط بقيام دولة للفلسطينيين، كما هو نص القرار الدولي.
إن الغرب الاستعماري في رؤيته الاستراتيجية يدرك تمامًا من لحظة زرعه للكيان الصهيوني في قلب المنطقة العربية، ما هو الهدف الاستراتيجي من وجود إسرائيل في المنطقة؛ أولًا: وضعها، كشرطي حامٍ وحارس للمصالح الغربية الاستعمارية؛ ثانيًا: العمل من خلالها على تفتيت وتفكيك ما تبقى من وحدة قومية، ومن أمن قومي عربي لهذه المنطقة، والحلقة الأضعف -كما يتصورون- هو البداية من تصفية القضية المركزية للعرب، وهي القضية الفلسطينية؛ وثالثًا: تثبيت وفرض الكيان الصهيوني، كقائد للمنطقة، وما بعده سينفرط عقد المسبحة، في تفتيت وتفكيك كل المنطقة، وهو ما لم يدركه القادة العرب بسبب تبعيتهم العمياء لأمريكا والغرب الاستعماري عمومًا.
إن ما يحصل حقًا اليوم إنما هي حرب إبادة جماعية، "هولوكوست" حقيقي ينفذ وبصورة درامية ومشهدية وبأيدٍ صهيونية وأمريكية، أمام عدسات الكاميرات وشاشات التلفزيونات العالمية..
إن ما يحصل حقًا اليوم إنما هي حرب إبادة جماعية، "هولوكوست" حقيقي ينفذ وبصورة درامية ومشهدية وبأيدٍ صهيونية وأمريكية، أمام عدسات الكاميرات وشاشات التلفزيونات العالمية.. هي حرب تطهير عرقي، بأمر ودعم وتكليف من الغرب الاستعماري الذي رغم تعارضاته، وحتى تناقضاته، إلا أنه قد توحد ضد قضية الشعب الفلسطيني.
إسرائيل هي الأداة المنفذة ليس إلا، ضمن وحدة المصالح الاستراتيجية بين الكيان الصهيوني والغرب الاستعماري.
إن التبعية المطلقة للنظام السياسي العربي لأمريكا، وللغرب الاستعماري، هو أحد أهم مصدر لقوة الكيان الصهيوني، وهو الذي يشجع أمريكا على ذلك التمادي في إعلان رفضها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، في استخدام "الفيتو" الأمريكي لعشرات المرات ضد الحق الفلسطيني.
كانت بداية مخطط تنفيذ تفتيت وتفكيك المنطقة العربية عمليًا، مع غزو واحتلال العراق في مارس 2003م، لإخراج العراق من معادلة السياسة والاقتصاد والعلم والعسكرة؛ ذلك أن الاحتلال الأمريكي للعراق تم خارج القانون الدولي، وتم تلبية لحاجة ماسة للكيان الصهيوني، أو بطلب منه، وهو ما أشار إليه ضمنًا نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، في مقابلة معه، إذ تركز غزو واحتلال العراق منذ أول لحظة على ضرب وتدمير بنية الدولة العراقية، وحل الجيش العراقي، في صورته الوطنية، وتفكيك مفاصل الدولة العراقية سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، واغتيال علمائه، حتى فرض نظام المحاصصة الطائفية والعرقية والقبلية عليه، في صورة ما هو قائم اليوم في العراق، والقائمة مفتوحة على بقية دول المنطقة: سوريا، لبنان، السودان، اليمن... إلخ.
إن الغرب الاستعماري، أمريكا وأوروبا، يعيشون أزمة مالية واقتصادية وسياسية ودولية عميقة، مع تصاعد رغبة العالم بالدخول إلى صناعة النظام العالمي متعدد الأقطاب، ومن يقف ضد ذلك هو اليمين الصهيوني المسيحي في عمقه الرأسمالي الاستعماري الإمبريالي، ويعارضه الغرب الثقافي الحضاري في صورة اليسار التقدمي العالمي، الذي يقف اليوم في صف القضية الفلسطينية، ومن هنا عدوانهم وحصارهم السياسي والاقتصادي لروسيا، وفرضهم العقوبات المالية، والاقتصادية المتنوعة عليها، واستفزازهم المتكرر للصين، حول "تايوان"، والتحشيدات العسكرية على مقربة من السواحل الصينية، وإعلان التحالفات الاستراتيجية المعادية للصين، بين أمريكا وكوريا الجنوبية واليابان، وحتى الاستفزازات بالنووي في هذا الاتجاه، ومحاولتهم إضعاف أو استنزاف روسيا في الحرب الأوكرانية، في دعم الغرب للنازية الأوكرانية التي وصلت حد مشاركة "الناتو"، وحتى الاتحاد الأوروبي، في الحرب على روسيا.
وهنا يمكنكم ملاحظة المعايير المزدوجة حول حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحول حقوق الإنسان، وحماية المدنيين، التي ترفع في وجه كل من يحاول إدانة التدخل الغربي الاستعماري في الحرب الأوكرانية الروسية.. اليوم تقوم الآلة العسكرية، والآلة الإعلامية الإمبريالية، في تشويه صورة المقاومة الفلسطينية بصورة لا سابق لها، حتى تحويل مقاومة الشعب الفلسطيني إلى إرهاب في مقاومته للاحتلال، لتبرير وشرعنة قتل الأطفال والنساء والشيوخ من المدنيين الفلسطينيين، وهو -مع الأسف- ما تردد قوله الآلة الإعلامية الغربية في كل دقيقة ضد المقاومة، مع أن الصورة الواقعية والمشهدية تقول غير ذلك، ولكنهم لا يبصرون إلا ما تريده عيونهم العمياء عن الحق الفلسطيني الذي تكفله جميع المواثيق والقوانين والقرارات الدولية.. إنه جنون العنف الاستعماري، حين يفقد الحد الأدنى من العقلانية ومن القيم الأخلاقية والحضارية والإنسانية.
إنها "المركزية الأوروبية الاستعمارية" في طبعتها العسكرية الجديدة.. خمسة وسبعون عامًا والشعب الفلسطيني تحت نير قبضة الاحتلال ومجازره اليومية، المجازر التي لم تتوقف في كل مدن الضفة الغربية، وفي الداخل الفلسطيني، حتى قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من سبعة عشر عامًا، كل ذلك لا تراه عين المستعمر الأمريكي والبريطاني والفرنسي والإيطالي والألماني... إلخ، لأنهم جميعًا صورة معبرة عن صعود اليمين النازي، والفاشي الصهيوني المسيحي الذي يمسك بقبضة السلطة في هذه البلدان.. لا يرون النازية الأوكرانية، وتتحول في أفواههم وخطاباتهم "الظاهرة النازية الأوكرانية" إلى حالة دفاع عن النفس والأرض، مطلوب دعمها عسكريًا وماليًا، ولوجستيًا، وصولًا إلى حد المشاركة شبه العملية في الحرب، ولا يرون في الحق القانوني والإنساني في دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم وضد المحتل الصهيوني الذي قدم من أصقاع العالم، سوى أنه إرهاب ضد المستوطن المسلح، والمحمي بقوة الجيش الصهيوني.. إنها المعايير اللاأخلاقية الاستعمارية المزدوجة.
إن المقاومة الفلسطينية أرادت في يوم السابع من أكتوبر 2023م، أن تقدم قراءتها وصياغتها السياسية والعسكرية في مقاومة العدوان الصهيوني، وتقول للعالم الاستعماري: لولا دعمكم العسكري والاقتصادي والمالي والأمني، لما استمر جنون القوة العسكرية الصهيونية يومًا واحدًا، ومن أننا لم نكن طيلة الخمسة والسبعين عامًا الماضية نقاتل ونواجه القوة الصهيونية الإسرائيلية، بل نواجهكم أنتم في صورة حكوماتكم: الجمهورية، والديمقراطية، الداعمة والحامية لهذا الكيان، ومن أننا رغم ذلك كما ترون انتصرنا على الآلة العسكرية الصهيونية، وعلى دعمكم وحمايتكم، بالمقاوم، بالرشاش، وبالصاروخ الذي نصنعه بأيدينا، رغم حصاركم المطبق علينا من جميع جهات الأرض.
لقد وجهت المقاومة الفلسطينية، والشعب الفلسطيني البطل، رسالة للعالم كله؛ فخلال عشرين دقيقة، وصل المقاومون الفلسطينيون إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى دخولهم إلى عمق المستوطنات، وإلى السيطرة على 55 موقعًا وقاعدة ومستعمرة -أو أكثر- أكدوا فيها إجادتهم استخدام التقنيات العلمية والاتصالية الحديثة، والاستخبارية، في تمكنهم من تعطيل أجهزة الإنذار الصهيونية، والسيطرة على مواقع عسكرية استراتيجية، وقتل العشرات من الجنود والضباط -وليس الأطفال والنساء والشيوخ كما يروجون- وهم فوق دباباتهم ومدرعاتهم، وأسر أكثر من مائتي ضابط وجندي، ومستوطن مسلح، واقتيادهم صاغرين مذلين ومهانين إلى قطاع غزة، بعد أن هرب العديد منهم، تاركين مواقعهم وأسلحتهم لكوكبة من الأبطال المقاومين، وذلك ما أغاظ بايدن، وماكرون، والمستشار الألماني، والحكومة الإيطالية، وغيرهم.. إن هذه الفضيحة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية المدوية هي التي أرعبتهم وروعتهم، فبادروا إلى دعوة قادة الكيان إلى توسيع نطاق الحرب وقوتها الوحشية الصاروخية تحت الغطاء السياسي والإعلامي الاستعماري، أمام مقاتلين بدون أي سند عربي رسمي، إن لم يكن بعض العرب مشتركًا في العدوان على الفلسطينيين بالصمت، أو بعدم مساندة المقاومة وتركها وحيدة.. ألم يتطوع العشرات والمئات من الإماراتيين في الاتصال لتعزية الصهاينة، بل المشاركة في صفوف نجمة داود للمساعدة في علاج الصهاينة الجرحى؟!
إن السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م، هو معركة على طريق التحرير في مشواره الطويل.. معركة سياسية وعسكرية مرغت وجه وهيبة ومكانة الجيش والأمن والاستخبارات الصهيونية في وحل الهزيمة والانكسار، هزيمة سيستمر صداها وآثارها لزمن طويل، يحتاج معه القادة الصهاينة لترميم هذه الصورة لعقود طويلة للتخفيف من أضرارها وآثارها الجارحة على الوعي والنفسية.
لقد أحدثت العملية العسكرية الفدائية للمقاومة الفلسطينية صدمة قوية، أربكت وهزت بنيان العقل السياسي والعسكري الصهيوني
لقد أحدثت العملية العسكرية الفدائية للمقاومة الفلسطينية صدمة قوية، أربكت وهزت بنيان العقل السياسي والعسكري الصهيوني، بل حتى الغربي، الذي وقف مشدوهًا، وغير مصدق، كل ما يحصل أمام عينيه، وهو ما جعل الرئيس الأمريكي يفقد صوابه، ويصفها بأنها "شر خالص"، وإرهاب، بعد أن رأى بالعين المجردة، كيف اقتحم ألف ومائتا مقاتل فلسطيني مواقع ومعسكرات أمنية حساسة وذات طابع استراتيجي مخابراتي، وأخذوا معهم أجهزة كمبيوترات، وسيرفرات "هاردات"، تحوي ذاكرات أمنية وعسكرية واستخباراتية خطيرة، فيها أسماء العملاء من مختلف الجنسيات، إلى قطاع غزة.
إن العملية العسكرية الفدائية للمقاومة في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م، غيرت الصورة النمطية للجيش والأمن الصهيونيين، بقدر ما رفعت من مكانة وصورة المقاوم الفلسطيني عاليًا، هي كذلك حرب معنى، وحرب صورة، بعد تمكن المقاومين الفلسطينيين، من اعتقال ضباط وجنود ومستوطنين، مع تلكم الأجهزة الاستخبارية الحساسة، إلى قطاع غزة، وهو الذي أصابهم جميعًا بالرعب والعته والجنون الاستعماري، في تصفية حسابهم بالصواريخ مع المدنيين، وهو ما يفسر وحشية الرد الصهيوني الصاروخي على كل القطاع، والموقف السياسي المتطرف للقيادة الأمريكية، والأوروبية، ضد الفلسطينيين عمومًا.
وهو ما دعا وزير الحرب الصهيوني، إلى وصف الفلسطينيين، بأنهم "حيوانات بشرية"، بما يعكس "أيديولوجية التطهير العرقي"، وجعل المستشار الألماني يصف المقاومة بالنازية.. تلكم هي الحكاية!
إن ما بعد يوم السابع من أكتوبر 2023م، ليس كما قبله، فالمقاومة اليوم تسطر تاريخًا جديدًا، وتقلب صفحة قديمة، رغم كل ما ترونه من مجاوز ومحارق وحرب إبادة جماعية، وعقاب جماعي، يسميها الغرب الاستعماري، "حق الكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسه".
والسؤال: متى كان التطهير العرقي، وحروب الإبادة، والعقاب الجماعي، دفاعًا عن النفس؟!
إن كل المجازر التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني ليست دليل قوة، بل ضعف وخوار في القوة العسكرية الصهيونية، وفي القيم الغربية، "سقوط لقيم الحضارة الغربية الرأسمالية العسكرية"، ولذلك أعلن بايدن وقوفه ودعمه العسكري المطلق للكيان الصهيوني، وطالب علنًا بسحق وإبادة غزة، وضرب المقاومة بكل قوة، وكرر الرؤساء والوزراء الأمريكان والأوروبيون نفس النغمة العدائية ضد المقاومة الفلسطينية.
فلأول مرة في تاريخ الدبلوماسية السياسية العالمية، يعلن وزير خارجية أمريكا أنه يهودي صهيوني، ويجتمع مع مجلس وزراء الحرب المصغر، باعتباره وزير الدبلوماسية الأمريكية، ويعلن من داخل دولة الكيان دعم بلاده السافر وبلا حدود للكيان الصهيوني.. وبعده مباشرة يصل وزير دفاعه ليقول ذات الخطاب التحريضي والعدائي، ومن أن المقاومة الفلسطينية (حماس)، إرهاب، وسبقهم في هذا الاتجاه رئيسهم بايدن، حتى وصول قائد القوات العسكرية للمنطقة الوسطى للاجتماع وللتنسيق الأمني والعسكري مع قادة الحرب الصهاينة؛ وهذا كله تقليد سياسي غير مسبوق في تاريخ العلاقات السياسية والدبلوماسية الدولية، ما يعني مشاركة أمريكية، أوروبية في الحرب.. فماذا بعد استقدام حاملة الطائرات "جيرالد فورد" والأساطيل والبوارج الحربية إلى المنطقة العربية، وعلى مقربة من سواحل الكيان الصهيوني، ومن المنطقة، بل إرسال 2000 جندي أمريكي ليكونوا على أهبة الاستعداد وتحت الجاهزية العسكرية القتالية، لتنفيذ معركة "الحرب البرية"، ليس من تفسير لذلك سوى إصرار غربي استعماري لتصفية القضية الفلسطينية، وليس إفشال وإسقاط مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن لإيقاف الحرب، وإيصال المساعدات الإنسانية، للمرضى والجرحى، سوى عنوان لذلك التوجه العدواني لتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية في صورة الفصائل العسكرية المقاومة!
كل هذا التدخل الأمريكي والأوروبي السياسي والعسكري والإعلامي واللوجستي، يحصل، ومع ذلك يحذرون من تدخل أي من الأطراف المقاومة المحتلة أراضيهم من قبل الكيان الصهيوني (لبنان/ سوريا)، من التدخل، لأن ذلك في نظرهم عدوان على الكيان الصهيوني، إلى هذه الدرجة من الصلف والوقاحة وصل الأمر بالاستعمار الغربي في موقفه من القضية الفلسطينية.
إن ما يحصل ليس حربًا صهيونية، بل هو حرب إبادة استعمارية، هو حرب تطهير عرقي "أبارتهايد"، للقضية الفلسطينية، وهذا ما تعلنه صراحة الإدارة الأمريكية على لسان رئيسها ووزير خارجيتها ووزير دفاعها المتواجدين في الأرض الفلسطينية المحتلة، كغطاء سياسي ودبلوماسي، لاستمرار العدوان، ولممارسة أقسى وأقصى أشكال القوة والعدوان، ضد شعب شبه أعزل، حتى لم يبقَ مكان في غزة، وفي كل فلسطين آمن.
إن ما يحصل هو "هولوكوست"، بل نكبة ثانية للقضية الفلسطينية، لاستكمال تنفيذ قيام "الدولة اليهودية/ قومية الدولة"، كدولة فصل عنصري "أبارتهايد".
إن الهدايا العسكرية من أمريكا والغرب الاستعماري بالسلاح للكيان الصهيوني، معلنة ضد شعب يحاول أن يقاوم بوسائل عسكرية بسيطة، ويتعرض للحصار منذ أكثر من سبع عشرة سنة، بل منذ النكبة، شعب شبه أعزل من السلاح، إلا من سلاح الإرادة، شعب يقطع عنه الكهرباء والمال والغذاء والدواء والوقود، في مخالفة صريحة للقوانين الدولية وللمواثيق والاتفاقيات الدولية، بما فيها "اتفاقية جنيف الرابعة"، ومواثيق حقوق الإنسان، بما فيها حق الشعوب في تقرير مصيرها من القوة المحتلة.
العالم الأممي الديمقراطي والحضاري يصرخ رافضًا كل ما يجري، من الأمين العام للأمم المتحدة، إلى منظمة الصحة العالمية، إلى منظمات حقوق الإنسان، إلى هيئات الإغاثة الدولية، إلى مفوضية حقوق الإنسان، إلى بعض وزراء خارجية من أوروبا... إلخ، ولا أحد يستجيب للنداءات الأممية برفع الحصار ووقف الحرب، والضرورة الإنسانية لإيصال المساعدات الغذائية والإنسانية، بل يتم تدمير الممرات، والمعابر، وضرب سيارات الإسعاف وطواقم الدفاع المدني، وحصار وقتل أعضاء المنظمات الدولية، بمن فيهم قتل الصحفيين، أكثر من أحد عشر صحفيًا، حتى الآن، وصولًا إلى ضرب المستشفيات الآمنة بالصواريخ الموجهة، وقتل أكثر من خمسمائة شهيد بضربة صاروخية واحدة، وجرح أكثر من هذا العدد، في المستشفى الأهلي المعمداني، وجميع من في المستشفى هم من المدنيين النازحين، والجرحى، وبعد رفض الإدارة الطبية للمستشفى إخراجهم القهري من المشفى، تم ضربه بالصواريخ، بعد أن أصبحت التقارير الدولية تتحدث عن أن ليس هناك من مكان آمن في غزة، حتى النازحون الهاربون من القصف الصهيوني تلاحقهم صواريخ الموت إلى حيث يتواجدون، فبعد قصف المستشفى المعمداني، يتم التهديد بقصف ما تبقى من المستشفيات.. رغم الاحتجاجات، هي حرب إبادة جماعية، وتطهير عرقي، وتهجير قسري، هي محاولة استعمارية غربية لتصفية القضية الفلسطينية، التي بدئ بها بـ"التطبيع الإبراهيمي"، وتستكمل اليوم حلقاتها بمسح غزة من الخارطة الجغرافية، بعد أن قتل الكيان الصهيوني أكثر من ٨٠ أسرة بكاملها، حتى لم تجد هذه الأسر الموتى من يشرف على دفنهم في قبورهم، وتدمير أكثر من ثمانين حيًا سكنيًا حتى الآن.
هذه باختصار هي حكاية المقاومة الفلسطينية، وحكاية "التطبيع الإبراهيمي"، الذي يأتي كحلقة سياسية، أمنية، من حلقات محاولات تصفية القضية الفلسطينية، في صورة ما يجري اليوم في أرض فلسطين/ غزة المحتلة.