«الأسانيد المتصلة» ثبت بأسانيد الكتب المروية، للعلامة الطاهر بن حسين الأهدل، صادر عن دار الفتح للدراسات والنشر، اعتنى به وقدمه الأستاذ أحمد بن عبدالله النصيري العدني. الكتاب متوسط القطع، ويقع في 247 صفحة.
يشتمل الكتاب على مقدمة المحقق المعتني، وقبل المقدمة يورد استشهادًا للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) في مقدمة «فتح الباري شرح صحيح البخاري»: "سمعت بعض الفضلاء يقول: الأسانيد أنساب الكتب".
كما يورد استشهاد العلامة أحمد بن محمد قاطن (ت 1199هـ) في وصف الكتاب. يتحدث المحقق عن علم الأثبات، وارتباطه الوثيق بعلم الحديث والرواية، وطرق التحمل والسماع والتلقي والتراجم والتأريخ، ثم يعرف الثَّبَت (بفتح الباء): "ما يثبت فيه المحدث مسموعاته مع أسماء المشاركين له فيه؛ لأنه كالحجة عند الشخص لسماعه، وسماع غيره، ومسلسل سنده، وأخذه عن مشايخه، ولقائه بهم، وتاريخه، وطرق التحمل".
والثبت عند المشارقة هو الفهرس عند المغاربة. ويشير المحقق إلى اعتناء كثير من العلماء بتأليف المشيخات، والمعاجم، والفهارس، والأثبات، ويرى أن نصيب اليمنيين وافر.
وحقًا، فإن بعد اليمن عن مراكز الصراع في بغداد، ودمشق، ومصر، جعلها مخزنًا مهمًا للمخطوطات القديمة، وبالأخص المصاحف، والعهدين: القديم، والجديد، وكتب المعتزلة، ومن أهمها كتاب «المغني»، في علم الكلام، للقاضي عبدالجبار الهمذاني الذي طبع عن نسخة مخطوطة فريدة ووحيدة وجدت في اليمن.
يتناول المحقق شديد التواضع، والذي يسمي تحقيقه اعتناءً، ويسمي تحقيقه عناية، بينما جهد التحقيق واضح وجلي، يتناول سيرة الطاهر بن حسين الأهدل.
المحقق النابه، والباحث المجتهد، يدون سيرة الطاهر، حفيد البدر حسين صاحب المؤلفات الكثيرة، ومن أهمها «تحفة الزمن».
يدرس سيرة الطاهر في 44 صفحة؛ حيث يتتبع فيها مراحل طلبه للعلم، وشيوخه في اليمن ومكة المكرمة، ودراسته في مختلف فنون المعرفة السائدة يومها، كما يدرس الإجازات من شيوخه الفضلاء، وعلماء عصره في القرن العاشر الهجري، ولا يفوته أن يترجم لشيوخه وتلامذته؛ دارسًا سيرهم ومعارفهم وعصرهم، ويدون سيرة الطاهر بن حسين الأهدل، لأحمد الجابري المنتزع من سفينة «السفر» في ترجمة الطاهر الأهدل في 30 صفحة تقريبًا.
ويعتبر الجابري من أهم تلاميذ ودارسي سيرة الطاهر بن حسين، بالإضافة لشيوخه، وتلاميذه، ومؤلفاته؛ فالكتاب المحقق سجل حافل، ليس لسيرة الطاهر بن حسين، وإنما لعلماء ومفكري القرن العاشر في عموم البلدان العربية وبعض الإسلامية، وتراجم بعضهم، وثقافة ومعارف عصرهم، وإنجازاتهم في مختلف معارف وعلوم عصرهم، وتواصلهم، رغم الصعوبات القائمة حينها، كما تتجلى الروابط المتينة بين العلماء، وترافد عطاءاتهم عبر الإجازات، والإفادات المتبادلة عبر الأثبات والأسانيد الشديدة الارتباط بعلم الحديث والرواية والتراجم والتاريخ والتلقي والسماع.
يدرس المؤلف في «الأسانيد المتصلة» كتب الحديث: الصحيحين: البخاري، ومسلم، والسنن كلها تقريبًا، والمسانيد العديدة على كثرتها، وكتب الرقائق، وعلوم الحديث، والتفسير، والسيرة النبوية، ومؤلفات الصوفية، وكتب اللغة، والفقه، وما له صلة بالتاريخ.
المؤلف المحقق سفر حافل بالمعارف والعلوم السائدة في القرن العاشر، وتدوين وتوثيق للمعارف والعلوم الإسلامية والعربية عبر المراحل المختلفة في الفكر العربي الإسلامي.
دور المحقق متميز، وشديد العناية والدقة في تصحيح المتن، وقراءة النسخ والمخطوطات التي كان جهد الباحث في قراءتها والتعليقات والملاحظات الكثيرة عليها، على قدر عالٍ من الإيضاح، مع الإضافات الكاثرة الجديرة بالاهتمام، والتتبع والإثراء؛ فالتحقيق مثّل إضافات علمية مهمة للمؤلف القيم والمهم.
قراءة المؤلف المحقق تعطي صورة لثقافة الأمة في العصور الوسطى، والجهد العظيم لحفظ التراث، والمعارف الإسلامية والعربية، وتوثيقها، والعناية بها، والحفاظ عليها، وغرسها في المريدين، وطلاب المعرفة؛ حتى تبقى حية، وتتوارثها الأجيال؛ فالمُؤلَّف «الأسانيد المتصلة» تدوين، وتوثيق، ورصد شامل ودقيق لما وصل إليه التأليف في العديد من المعارف الإسلامية العربية على مدى عدة قرون منذ البدايات الباكرة للتدوين.